حقوقيون يؤكدون أن السعودية تشهد حملة قمع شديدة ضد المعارضة في عهد ولي العهد بن سلمان
حقوقيون يؤكدون أن السعودية تشهد حملة قمع شديدة ضد المعارضة في عهد ولي العهد بن سلمان

دانت مجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان مشاركة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في القمة الأوروبية الخليجية التي انعقدت في بروكسل، الأربعاء.

ودعا المدير المساعد لقسم الاتحاد الأوروبي في منظمة "هيومن رايتس ووتش" كلاوديو فرانكافيلا دول الاتحاد الأوروبي إلى التنديد بالانتهاكات التي شهدتها السعودية خلال عهد بن سلمان.

وكتب فرانكافيلا على منصة "إكس" قائلا: "ما لم يُندد قادة الاتحاد الأوروبي بانتهاكاته (محمد بن سلمان) ويضمنوا التزامات جدية بإصلاحات حقوق الإنسان والإفراج عن المنتقدين في السعودية، فإن استضافة محمد بن سلمان ستساهم فقط في حملته الرامية لتحسين صورته وتشجعه على مواصلة قمعه".

كما انتقد فرانكافيلا أيضا ملفي حقوق الإنسان في كل من قطر والإمارات وطالب الاتحاد الأوروبي بضرورة الإشارة لما يجري في هذين البلدين.

 

 

وفي وقت سابق دعت هيومن رايتس ووتش قادة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لاستغلال مناسبة انعقاد القمة من أجل حث نظرائهم في مجلس التعاون الخليجي على إطلاق سراح المنتقدين المعتقلين "ظلما" والالتزام بإصلاحات جوهرية في مجال حقوق الإنسان.

وطالبت المنظمة أيضا الاتحاد الأوروبي بالدفع نحو إصلاحات هيكلية في مجالات حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحقوق العمال وحقوق المرأة خلال المفاوضات مع مجلس التعاون بشأن اتفاقيات الشراكة بين الطرفين.

واختتمت القمة بين قادة التكتل الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي (السعودية والبحرين والإمارات والكويت وعمان وقطر) وهي الأولى من نوعها، الأربعاء، بالدعوة إلى تجنب اندلاع نزاع واسع النطاق في الشرق الأوسط.

وكان مصدر أوروبي قال قبل القمة التي حضرها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن "إعادة الانخراط السعودي في ملف لبنان أمر ضروري جدا لحل هذه القضية"، في حين تكثف إسرائيل منذ شهر ضرباتها على معاقل حزب الله.

ويقول حقوقيون إن السعودية تشهد حملة قمع شديدة ضد المعارضة في عهد ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة الأمير محمد.

وقالت منظمة العفو الدولية ومنظمة القسط لحقوق الإنسان ومقرهما في لندن في أبريل الماضي، إن القضاء السعودي "أدان وأصدر أحكاما بالسجن لفترات طويلة على عشرات الأشخاص على خلفية التعبير عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي" خلال العامين الماضيين.

في المقابل، يؤكد مسؤولون سعوديون أن المتهمين ارتكبوا جرائم مرتبطة بالإرهاب.

وفي وقت سابق من هذا الشهر فشلت مساعي السعودية للانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي يتولى حماية الحريات على مستوى العالم، بعدما حلت في المركز السادس في تصويت أعضاء المنظمة الأممية لانتخاب خمسة مقاعد إقليمية.

ومنذ تولي الأمير محمد منصب ولي العهد في 2017، تتبع السعودية أجندة إصلاحية طموحة تُعرف باسم "رؤية 2030" تهدف إلى تحويل المملكة التي كانت مغلقة سابقا إلى وجهة سياحية وتجارية عالمية وتعتمد إصلاحات اجتماعية.

لكن ذلك ترافق مع استمرار قمع المعارضة، حيث تتعرض المملكة لانتقادات بسبب سجلها في حقوق الإنسان والتضييق على الحق في التعبير على وجه الخصوص.

ترامب يمتلك علاقة وثيقة بولي العهد السعودي
ترامب يمتلك علاقة وثيقة بولي العهد السعودي

مع توقع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ الأحد بعد 15 شهرا من الحرب، وعودة دونالد ترامب إلى الحكم الاثنين، يواجه ولي عهد السعودية والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان معضلة شائكة تتمثل في الاعتراف بإسرائيل.

وفي حين رحبت الرياض بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين الذي من المقرر أن يبدأ الأحد، فإنها أصرت على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي "الكامل" من غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن فراس مقصد لوكالة فرانس برس إن "المسار الموثوق به، مع مواعيد نهائية واضحة لقيام الدولة الفلسطينية، يبقى الشرط الأدنى لأي تطبيع مع إسرائيل".

كانت السعودية التي لا تعترف بإسرائيل، تجري مفاوضات منذ العام 2020 بهدف التقارب مع إسرائيل في مقابل اتفاقية دفاع مع واشنطن ومساعدة أميركية لتنفيذ برنامج نووي مدني.

ويقول الباحث السعودي عزيز الغشيان "لقد أوضح السعوديون أنهم بحاجة إلى هذا التحالف وهذه المعاهدة مع الولايات المتحدة".

لكن الأمر الأصعب للرياض سيكون طيّ صفحة الحرب في غزة، التي دفعت المملكة إلى تعليق كل المناقشات حول التطبيع المحتمل.

وتقول آنا جاكوبس من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إن "الحرب المدمرة في غزة، والتي أسفرت عن مقتل نحو 50 ألف فلسطيني، عززت رفض أي تقارب مع إسرائيل" في أوساط الشعب السعودي المتضامن إلى حد كبير مع القضية الفلسطينية.

في سبتمبر الماضي، أكد ولي العهد السعودي أن بلاده لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل "قيام دولة فلسطينية"، منتقدا "جرائم" القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. وبذلك عزز موقفه، الذي كان يطالب في السابق باتباع مسار "لا رجعة فيه" نحو إقامة دولة فلسطينية.

خلال ولايته الأولى، أقدم ترامب على خطوات عدة تصب في صالح إسرائيل، أبرزها نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

وكان من أبرز أدواره التفاوضية اتفاقيات التطبيع في العام 2020 بين إسرائيل والبحرين والإمارات والمغرب.

وقال مقصد إن "ترامب عازم بشدة على إتمام ما يسميه صفقة القرن، وهي التطبيع بين السعودية وإسرائيل، والعالم العربي بشكل عام".

وتجمع ترامب بالأمير محمد بن سلمان علاقة وثيقة. فبعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في تركيا عام 2018، والذي أثار غضبا دوليا، كان ترامب أحد الأصوات القليلة التي دافعت عن ولي العهد السعودي، قائلا إن أحدا لم يوجه له الاتهام.

بعد تنصيبه الاثنين، "ستتركز جهود دونالد ترامب وجماعات الضغط المؤيدة للتطبيع في الولايات المتحدة ليس فقط على السعودية، ولكن بشكل خاص على محمد بن سلمان"، بحسب ما يقول الغشيان.

وترى جاكوبس أن "الرياض، بعدما اتخذت موقفا علنيا واضحا بشأن هذه القضية، سوف تضطر إلى التقدم بحذر وتأنٍ".

يضاف إلى ذلك أنه بعد سنوات من التوترات الإقليمية، تقاربت المملكة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو ما يمثل انتكاسة للمعسكرين الأميركي والإسرائيلي.

وإذا ما بدت إسرائيل مهتمة جدا بالتطبيع مع الرياض، فإن حكومتها مناهضة لحل الدولتين الذي تدعو إليه معظم بلدان المجتمع الدولي.

لكن اتفاقا مماثلا قد يكون معقدا بالنسبة لإدارة ترامب التي سيتعين عليها الاعتماد على أصوات الديموقراطيين للتصديق عليه في مجلس الشيوخ، كما أكد مقصد.

ورغم ذلك، يعتقد بعض المحللين أن نوعا من التطبيع لا يزال ممكنا، وإن لم يكن بكل معنى الكلمة.

وإذا حدث التطبيع، فمن المرجح أن "يقتصر على الاعتراف الدبلوماسي والسلام البارد، بدلا من السماح بالتبادلات التجارية والثقافية والشعبية"، كما قال مقصد، مستشهدا بمثال الأردن.

ففي العام 1994 أصبحت عمّان ثاني عاصمة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، بعد مصر في العام 1979، وهو خيار نددت به دول عربية عدة حينها.

ولكن مصر والأردن لم ينجحا أبدا في إقناع شعبيهما اللذين ينظران إلى إسرائيل باعتبارها عدوا.

وقالت جاكوبس إن "تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار سيكون حاسما للنظر في أي خطوات قادمة. ومن دون خريطة طريق واضحة لحل الدولتين، فسيظل التطبيع بعيد المنال".