بعثت السعودية وإيران على مدار الأسابيع الماضية بإشارات إيجابية تجاه بعضمها البعض وسط أزمات إقليمية متلاحقة، مما أثار تسؤلات عن السبب وراء رغبة ولي الهد السعودي في الميل نحو طهران.
ويتساءل الكاتب، ستيفن كوك، عن السبب وراء التصريحات الإيجابية الأخيرة التي أطلقها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إزاء إيران وما إذا كانت تعني حدوث "تحول" في موقفه السابق المناهض لسلوك إيران الإقليمي.
يذكر أنه في أكتوبر الماضي، أعلنت السعودية أنها أجرت في بحر العرب مناورات عسكرية مشتركة مع عدة دول، من بينها إيران.
واستقبل محمد بن سلمان الرئيس الراحل، إبراهيم رئيسي، في الرياض خلال القمة التي عقدت بشأن غزة،
وتبع ذلك زيارة رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية، فيّاض بن حامد الرويلي، إلى إيران على رأس وفد عسكري رفيع المستوى.
وحينما كانت إسرائيل تستعد لتنفيذ هجوم على إيران في أكتوبر الماضي، أجرى وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، زيارات مكوكية لعدة دول عربية، في محاولة لضمان عدم دعمها لإسرائيل في هجماتها ضد بلاده، وذلك ضمن استراتيجية تأرجحت بين التودد والتهديد.
وحينها، أشارت تقارير صحفية إلى أنه بالتوازي مع تلك الزيارات، و"التقارب" مع السعودية، والتصريحات من الحكومة الجديدة في طهران عن التعاون مع دول المنطقة والبحث عن الهدوء، فإن إيران وجهت تهديدات واعتبرت أن من سيدعم إسرائيل في ضرباتها على إيران "سيكون شريكا لها".
وسبق أن استهدفت إيران عبر وكيلها في اليمن، جماعة الحوثي، أهدافا مدنية وعسكرية ونفطية في السعودية خلال السنوات الماضية،
وكان للإمارات نصيب من تلك الهجمات أيضًا، قبل أن تهدأ الأمور في اليمن في ظل محاولات الوصول لاتفاق بين الحوثيين والرياض.
بين التهديد والتودد.. استراتيجية إيران مع دول المنطقة لمواجهة الضغوط
حينما كانت إسرائيل تستهد لتنفيذ هجوم ضد إيران في أكتوبر، أجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، زيارات مكوكية إلى عدد من الدول العربية من أجل ضمان عدم دعمهم لإسرائيل في هجماتها ضد بلاده.
ومع إعلان فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، ووسط الحرب الدائرة في إسرائيل وغزة التي امتدت إلى لبنان وطالت إيران أيضًا، واصلت الرياض إشاراتها بشأن توطيد العلاقة مع طهران، وتوجه رئيس أركان الجيش السعودي إلى إيران في زيارة نادرة.
ودعا ولي العهد السعودي، في كلمته خلال القمة العربية- الإسلامية غير العادية بالرياض في الحادي عشر من نوفمبر، المجتمع الدولي إلى "إلزام إسرائيل باحترام سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة، وعدم الاعتداء على أراضيها".
هذا الخطاب، وفق تحليل كوك في فورين بوليسي، "يتعارض مع كل ما أصبح معظم الناس في واشنطن يؤمنون به عن محمد بن سلمان، مما أثار تساؤلات "ما الذي يحدث معه؟".
ويشير التحليل إلى أنه في القمة ذاتها استخدم محمد سلمان تعبير "الإبادة الجماعية" للمرة الأولى لوصف تصرفات إسرائيل في غزة.
وقال الأمير السعودي في تصريحاته: "تجدد المملكة إدانتها ورفضها القاطع للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، وراح ضحاياها أكثر من 150ألفا من الشهداء والمصابين والمفقودين، معظمهم من النساء والأطفال".
والتفسير المقنع لتقارب ولي العهد من إيران، وفق التحليل، أنه "بعد التدخل في الحرب الأهلية في اليمن، وفرض الحصار على قطر، وإجبار رئيس وزراء لبنان على الاستقالة، ودعم المعارضين للحكومة المعترف بها دوليا في ليبيا، والفشل في تحقيق أي من أهدافه، خلص ولي العهد إلى أن إخضاع المنطقة لإرادته ليس في وسعه. وبدلا من ذلك، تحول الآن إلى الداخل، سعيا إلى ضمان الاستقرار داخل المملكة، والميل نحو إيران هو أحد السبل لإبقاء الفوضى خارج حدود المملكة".
وهذا التحول له "أهمية قصوى" بالنسبة لمحمد بن سلمان لأنه ينفق مئات المليارات من الدولارت على المشاريع الضخمة التي ستشكل مستقبل المملكة، وهو ما يحتم عليه السعي نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي لضمان نجاحها.
ويقول إنه "ليس هناك ما يشير إلى أن السعوديين أصبحوا فجأة يثقون بالإيرانيين، لكنهم لا يريدون أن يقدموا لهم أي عذر لإفساد ما يجري في السعودية على المستوى الداخلي".
وكان برنامج "حديث الخليج " الذي تبثه قناة "الحرة" قد بحث ملف العلاقات السعودية الإيرانية، وما إذا كنا سنشهد مرحلة جديدة من العلاقات، أم سيستمر العداء والمنافسة بينهما.
واعتبر يحيى عسيري، الناشط السياسي والحقوقي السعودي المقيم في لندن، أن التقارب السعودي الإيراني "خطوة إيجابية"، رغم أنها "تأخرت كثيرا".
وتوقع الخبير العسكري والسياسي السعودي، محمد بن صالح الحربي، أن يحدث نوعا من "التقارب والاحتواء الاستراتيجي"، مشيرا إلى أهميته في هذه المرحلة التي تعيشها المنطقة.
السعودية وإيران.. هل انتقلت العلاقة من حروب الوكالة إلى "الاحتواء الاستراتيجي"؟
تقارب سعودي إيراني بعد قطيعة استمرت سنوات من العداء، يحدث تغييرا في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين أبرز أقطاب المنطقة الأكثر تنافسا وتنافرا في المنطقة.