بيع المشروبات الكحولية في السعودية محل ترقب- صورة تعبيرية
بيع المشروبات الكحولية في السعودية محل ترقب- صورة تعبيرية

تساؤلات عدة لا تزال تفرض نفسها بعد الإعلان رسميا عن استضافة السعودية لكأس العالم 2034 لكرة القدم، يبقى من أبرزها "الكحول" والسماح باستهلاكه خلال فعاليات البطولة.

وأعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" رسميا أن المملكة ستستضيف نسخة مونديال 2034، وهو قرار كان متوقعا على نطاق واسع، وأثار موجة فرح عارمة في السعودية التي فازت بالتزكية، بالنظر إلى عدم وجود منافسين لها، وحصل ملفها على أعلى درجة تقييم بالنسبة لدولة ترشحت لاستضافة الحدث الكبير.

ولم يتطرق "فيفا" إلى قضية الكحول علنا، لكن مصادر "رفيعة المستوى" أبلغت صحيفة "الغارديان" البريطانية أنه لا يوجد أي مجال لبيع "البيرة" في المباريات.

وأشارت إلى أن المنظمة الدولية تعلمت دروسا من بطولة قطر، 2022، حيث تعرضت الدوحة لضغوط للسماح ببيع البيرة في الملاعب، وتراجعت الحكومة عن الخطة قبل يومين من بدء البطولة. 

وقالت المصادر إنها لن تضغط على الحكومة السعودية، لتخفيف قوانينها.

ومنذ يناير الماضي، تسمح السعودية ببيع الكحول من خلال متجر واحد في الرياض، لكنه مخصص فقط للدبلوماسين غير المسلمين ويخضع لضوابط صارمة، وكان الهدف منه هو وقف تناول الكحوليات بطريقة غير قانونية، إذ كان الدبلوماسيون يهربونها إلى داخل البلاد.

وبالإضافة إلى قضية الكحول، أثار قرار إسناد تنظيم كأس العالم إلى السعودية مخاوف منظمات حقوقية ومدافعين عن حقوق "مجتمع الميم عين".

وتركزت المخاوف على وضع المشجعين المنتمين لهذا المجتمع خلال البطولة المرتقبة، خاصة مع تجريم المثلية الجنسية في المملكة وفرض عقوبات مشددة تصل إلى الإعدام، إضافة إلى الانتقادات المستمرة بشأن السجل الحقوقي العام في البلاد.

وأعلن رئيس وحدة ملف ترشح السعودية لاستضافة كأس العالم 2034، حماد البلوي، في تصريحات، في نوفمبر الماضي، أن المملكة ترحب باستضافة أفراد مجتمع "الميم عين"، في البطولة، مضيفا: "إتبعنا عملية علنية للغاية طوال المنافسة، واستوفينا جميع المتطلبات بما يتماشى مع معايير الفيفا".

وتواجه المملكة التي تستضيف أحداثا رياضية كبرى مثل سباق الفورمولا بـ"الغسل الرياضي"، أي محاولة استخدام الرياضة للتغطية على الانتهاكات الحقوقية. 

وتنتقد منظمات حقوق الإنسان الرياض أيضا بسبب أحكام الإعدام المتزايدة، وعمليات تعذيب مزعومة، فضلا عن القيود المفروضة على النساء بموجب نظام وصاية الرجال عليهنّ.

وتعهد ياسر بن حسن المسحل، رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم، أن تكون بطولة 2034 "نسخة للتاريخ"، بحيث تجمع الجماهير من مختلف أنحاء العالم على أرض المملكة التي "ترحب دائما بالجميع". وقال، وفق أسوشيتد برس، إن الفوز باستضافة المونديال بمثابة الحلم الذي تحقق للسعوديين الذين يملكون شغفا كبيرا بكرة القدم.

وفي السياق ذاته، قال الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم إنه تلقى "ضمانات" من السعودية بأن مشجعي مجتمع الميم سيكونون "آمنين ومرحب بهم" في كأس العالم 2034، مؤكدا دعمه للملف "الناجح" للدولة الخليجية.

ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز
ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز

قبل أربعة أعوام، وجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صعوبة في عقد لقاء مع الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، الذي قال إنه يريد أن يجعل المملكة منبوذة بعد أن أشارت تقارير إلى أن حاكمها الفعلي أمر بقتل صحفي مقيم في واشنطن.

ولكن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أغدق المديح أمس الثلاثاء على الأمير محمد الحاكم الفعلي للسعودية، واصفا إياه بأنه "رجل رائع" و"رجل عظيم"، دون أي إشارة إلى مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان في المملكة.

ووسط وميض الكاميرات وتصفيق الحضور في قمة استثمارية في الرياض، حيث بدأ الرئيس الأميركي أول جولة خارجية كبيرة في ولايته الثانية، قال ترامب بحماسة عن الأمير محمد "أنا معجب به كثيرا. أحبه كثيرا".

وإظهار المودة لقائد له تاريخ مثير للجدل يماثل ما كان يفعله ترامب في ولايته الأولى، عندما أقام تحالفا مع الأمير محمد ازداد قوة عبر سنوات من الإطراء المتبادل وعقد الصفقات.

ولا تزال العلاقات راسخة في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، إذ يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وإحياء دور الولايات المتحدة في المنطقة، في حين يسعى ولي العهد السعودي إلى كسب تكنولوجيا متقدمة ودعم عسكري وحليف قوي في إطار سعيه لتحديث المملكة وتأكيد ريادتها الإقليمية.

وخلال القمة، وافقت واشنطن على اتفاقية دفاعية بقيمة 142 مليار دولار وتعهدت السعودية بحزمة استثمارات هائلة بقيمة 600 مليار دولار تشمل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والطاقة.

وأثارت علاقات ترامب مع ولي العهد السعودي انتقادات من أعضاء بالكونغرس الأميركي ومنظمات لحقوق الإنسان ومحللين معنيين بالسياسة الخارجية لما اعتبروه تفضيل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان.

وفي حين نفى ولي العهد أي ضلوع له في مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأشار إلى إصلاحات مثل تعزيز حقوق المرأة باعتبارها دليلا على التقدم، قال محللون إن هذه التغييرات تقوضها إجراءات صارمة مستمرة ضد المعارضة والحريات السياسية.

ويرتبط ترامب بعلاقات أفضل كثيرا مع الأمير محمد مقارنة بعلاقة سلفه في البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي. ومع ذلك، تحول تعامل بايدن مع الأمير محمد إلى علاقات ودية عملية بعد الانتقادات القاسية في البداية.

بايدن اختار إعادة ضبط العلاقات

في عام 2019، توعد الرئيس الديمقراطي بايدن بجعل السعودية "منبوذة" على الساحة العالمية بسبب مقتل خاشقجي وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

إلا أن الوقائع الجيوسياسية مثل الارتفاع الهائل في أسعار النفط، ومن أسبابه غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أبرزت الحاجة إلى التعاون بين واشنطن والرياض.

ودفع ذلك بايدن إلى اتخاذ قرار بإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية، وزار ولي العهد في نهاية المطاف في يوليو تموز 2022.

تبادل الرجلان التحية بقبضة اليد مما أثار انتقادات باعتبارها لفتة ودية مبالغا فيها بالنظر إلى المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

لكن مساعديه بالبيت الأبيض قالوا إنها وسيلة لتقليل خطر إصابة بايدن بكوفيد-19.

وتحسنت العلاقات سريعا مع سعي إدارته للتوسط في اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مقابل اتفاقية دفاع أوسع نطاقا مع واشنطن.

إلا أن تلك المساعي أصابها الجمود مع هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وحرب إسرائيل اللاحقة على غزة.

وخلال زيارة ترامب أمس الثلاثاء، استقبل ولي العهد الرئيس الأميركي شخصيا واصطحبه في عربة جولف قادها بنفسه قبل مأدبة عشاء رسمية.

وفي لحظة أكدت عمق علاقتهما الشخصية، تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في خطوة تمثل تحولا هائلا في الموقف الأميركي قال إنها جاءت بناء على طلب من الأمير محمد بن سلمان.

وقال ترامب "ماذا عساي أن أفعل لولي العهد"، بينما وضع ولي العهد يده على صدره واستهل تصفيقا حارا من الحضور.