أنظار العالم تتجه نحو طالبان التي سيطرت على أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي، والتي كان لها تجربة سابقة في حكم البلاد التي تحولت لموطن تنشأ فيه منظمات متشددة.
التوقعات لما سيحدث في أفغانستان في الفترة المقبلة غير واضحة، إذ يرجح البعض أن تكون طالبان غيرت طريقتها في العمل، وفهمت قواعد اللعب مع القوى الإقليمية، فيما يتخوف آخرون من أن يسيطر التطرف على هذا التنظيم الذي وجد نفسه يتحكم ببلد تسوده الفوضى، مما قد يؤدي إلى توفير بيئة حاضنة للإرهاب والمنظمات المتشددة من جديد.
طالبان خلال الأيام الماضية، كررت التأكيد بأنها ستكون "أكثر انفتاحا مما كانت عليه في فترة حكمها السابق"، بين 1996 و2001، حيث فرضت نموذجا مشددا، حرم النساء من العمل والدراسة وفرضت أقسى العقوبات بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية.
بعد الانسحاب الأميركي، فضلت غالبية الرعايا الأجانب مغادرة أفغانستان، وحتى مواطنون أفغان طلبوا الخروج من البلاد خوفا من طالبان.
فهل تختلف طالبان عن التنظيمات المتشددة الأخرى مثل تنظيم ما يسمى داعش خراسان وتنظيم القاعدة؟
يقول باحثون متخصصون بشؤون الحركات الإسلامية المسلحة، إن طالبان وداعش خراسان قد يظهران للوهلة الأولى متشابهان في الشكل، لكن في الجوهر توجد اختلافات كبيرة بينهما، مع عدم تجاهل وجود علاقة ولو جزئية بداعش خراسان، وحتى تنظيم القاعدة الإرهابي.
حركة أصولية
يعتقد، منصور الحاج، وهو كاتب يتابع شؤون الجماعات المتشددة، أن أبرز الفروق بين طالبان من جهة وداعش والقاعدة من جهة أخرى أن " طالبان حركة أصولية ينتمي أغلب أعضاؤها إلى قبائل البشتون، وتهدف إلى تطبيق الشريعة في أفغانستان"، أما تنظيم داعش ولاية خراسان " فهو امتداد لتنظيم داعش الذي يهدف إلى إعادة الخلافة الإسلامية إلى الوجود".
ويضيف في حديث لموقع "الحرة" أن "طالبان كانت وفرت المأوى لقادة تنظيم القاعدة ورفضت تسليمهم للولايات المتحدة، فيما يعتبر تنظيم القاعدة زعيم طالبان أميرا للمؤمنين ويحرصون على مبايعته وإعلان الولاء له".
أما داعش فترى في أن القاعدة وطالبان "مرتدون خارجون عن ملة الإسلام"، وفق الحاج.
وأوضح أن أصولية حركة طالبان "تعني أن سياساتها وأفكارها مبنية على أسس دينية، ولذلك ترفض حركة طالبان التعددية والديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان، كما هي معروفة لدى الغرب، وتدعي بأنها تقدم بدائل إسلامية لكل تلك المبادئ".
التنظيم واستراتيجيات العمل
أما من حيث التنظيم، فتتميز طالبان بمقاتليها المتمرسين على الحروب وبقياداتها التي تحظى باحترام كبير بين المقاتلين، وكذلك بحنكة سياسية وبرغبتها القوية في تطبيق الشريعة الإسلامية في أفغانستان، وإقامة إمارة إسلامية هناك.
التشابه الوحيد بين طالبان والقاعدة وداعش، بحسب الحاج، أنها جميعا "جماعات جهادية تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية عبر الجهاد المسلح، وفيما تحصر طالبان نشاطها داخل أفغانستان، فإن لكل من القاعدة وداعش فروعا في دول عدة، وبالتالي فهما لا يعترفان بالحدود الدولية، ناهيك عن تبني داعش نهجا متشددا من كل الفئات والقوى، وشنه حروبا مفتوحة ضد الغرب والأنظمة الحاكمة والطوائف الدينية، فيما يتبنى تنظيم القاعدة فكرة التدرج، ويسعى إلى التقرب إلى الشعوب، وتكوين بيئة حاضنة يستطيع من خلالها التأثير على الشعوب، والإنتقال بهم تدريجيا نحو الخلافة" الإسلامية.
ويتخوف الحاج من مستقبل أفغانستان تحت حكم طالبان، خاصة أنها لن تنجح في "إدارة البلاد وتحقيق العدالة والتنمية والرفاه، وقبل ذلك الأمن الذي يحلم به الشعب الأفغاني، إضافة إلى أن طالبان لا تمتلك أي مشروع من شأنه أن ينهض بالبلاد".
ويرى أن الشعب الأفغاني "سيدرك ذلك عاجلا أم آجلا وربما حينها سيثور ضد طالبان ويكتبون نهاية مغامرتهم في تأسيس دولة دينية على غرار نظام الملالي في ايران".
العلاقة مع داعش والقاعدة
يقول أحمد سلطان ، الباحث المتخصص في شؤون الحركات المسلحة، لموقع "الحرة"، تبدو تلك الحركات للبعض بأنها "متقاربة، إلا أن الحقيقة على العكس تماما، إذ أنهم على خلاف وعداء دائم، خاصة أن طالبان لا تتعامل مع المنشقين عنها بتسامح، واتبعت مقاربة صدامية في التعامل مع هذه المجموعات وقتلت العديد من قياداتهم في مواجهات مختلفة".
أما من ناحية العلاقة بين طالبان والقاعدة، فلا تزال "هناك علاقات فيما بينهم، وهي ترتبط بمكونات متطرفة من طالبان مثل شبكة حقاني، فيما أعربت مكونات سياسية عدة عن عدم رغبتها بوجود صلات لها مع القاعدة، وفي سنوات سابقة أعلنت بعض القيادات صراحة رفضها لهجمات 11 سبتمبر".
ويتوقع سلطان أن تكون طالبان قد "تعلمت الدرس جيدا مما حصل سابقا ومما حصل في هجمات 11 سبتمبر"، ولذلك فهي "تعي تماما أنها لا تريد الدخول في صدامات مع القوى الإقليمية من أجل مستقبلها، وهي ستسعى لصيغة حكم توافقية تضمن مشاركة المكونات الأفغانية المختلفة، وأنها ستسعى جاهدة لإقامة علاقات مع القوى الإقليمية والدولية".
وحول الفوارق ما بين طالبان وداعش خراسان، يؤكد أنها ترتبط في أمور تنظيمية وعقائدية وغيرها من الاختلافات.
وأضاف سلطان أن بداية طالبان هي "حركة دينية إثنية قومية، لا علاقة لها بالجهاد المعولم، تبقي نشاطاتها داخل نطاق أفغانستان، إذ خرجت من رحم قبائل البشتون وتحكمها علاقات قبلية".
أما داعش خراسان فهو " تنظيم يمثل مجموعة جهادية مسلحة ترتبط بتنظيم مركزي في سوريا والعراق، ولديه رؤية عالمية لإقامة الخلافة في جميع أنحاء الأرض".
ويقول سلطان إن طالبان تختلف عن تنظيم داعش، بأن الأخير يتوسع في تكفير الجماعات الإسلامية الأخرى، ويعتبر حركة طالبان "حركة وطنية مرتدة"، حتى أن "إحدى تبريرات تكفير داعش لطالبان تعود إلى أن الحركة قد تقاتل داعش خراسان في المستقبل، وتمنع التنظيم من إقامة دولته الإسلامية".
وزاد أنه رغم التشدد الذي تبدو عليه حركة طالبان، إلا أنها تضم العديد من المكونات في داخلها ويتم اتخاذ القرارات بما يمكن تسميته بمجالس شورى تتباين في تطرفها بين مكون وآخر، ويمكن اعتبار شبكة حاقاني الأكثر تطرفا فيما بينها، والتي قد يعود تشددها إلى الاحتكاك مع تنظيمات جهادية مثل القاعدة وداعش.
واستطرد سلطان بالقول إن علينا العودة إلى "نشأة داعش خراسان، والتي كانت عبارة عن انسلاخ مجموعة من طالبان في أواخر 2014، حيث نشر في حينها 12 قياديا من طالبان باكستان وأفغانستان مقطعا مصورا يبايعون فيه أبو بكر البغدادي، وفي حينها قام البغدادي بتعيين حافظ سعيد خان واليا عليهم، وبدأت بعد ذلك تجمع مكونات تضم متطرفين ناقمين على طالبان، ومتطرفين آخرين كانوا في تنظيمات جهادية مختلفة لتضم مجموعات جاءت من العراق وسوريا العديد من المناطق ".