عدد قليل من المصريين يتواجد بين صفوف القادة المتطرفين
بروز القاعدة عقب هجمات 11 سبتمبر أكسبها فروعا في جميع أنحاء الشرق الأوسط

تحول تنظيم القاعدة، الذي ولد في حرب الثمانينيات ضد احتلال الاتحاد السوفيتى لأفغانستان، إلى تهديد لأميركا بلغ ذروته مع هجمات 11 سبتمبر التي أسقطت مركز التجارة العالمي في نيويورك.

وخلفت هذه الهجمات نحو 2753 قتيلا من بينهم 1106 شخصا لم يتم تحديد هويتهم بعد، أي حوالي 40 بالمئة ممن لقوا مصرعهم.

وأدت الهجمات التي استهدفت البنتاغون أيضا إلى أطول حرب لأميركا انتهت قبل أيام بجسر جوي لسحب القوات الأميركية من العاصمة كابل.

ومثل التنظيم نوعا جديدا من الخطر، إذ أن الحرب ليست ضد أمة في حد ذاتها، بل ضد شبكة غامضة من الممولين والانتحاريين، ولا تزال مستمرة حتى بعد مقتل أسامة بن لادن على يد قوات أميركية خاصة عام 2011 في باكستان.

واتبع آخرون نهج الشبكة لتنفيذ هجمات أكثر فظاعة، ومع حلول ذكرى هجمات 11 سبتمبر عادت وكالة أسوشيتد برس للحديث عن أصول التنظيم وما نتج عن بروزه في العالم.

أصول القاعدة

شكل بن لادن، ابن أحد أقطاب البناء في السعودية والمتمتع بثروة عائلية أيضا، تنظيم القاعدة وأصبح زعيمه مع انسحاب السوفييت من أفغانستان. أملا في الاستفادة من الدعم الذي تلقاه "المجاهدون"خلال حربهم ضد موسكو.

وطالب القوات الأميركية بالانسحاب من السعودية، التي تضم أقدس الأماكن في الإسلام. وكانت أميركا نشرت قوات هناك في الفترة التي سبقت حرب الخليج عام 1991 بسبب غزو الديكتاتور العراقي صدام حسين للكويت.

الذروة

في عام 1996، أصدر بن لادن إعلانا رسميا بالحرب. ولكن لم يصبح التهديد حقيقيا إلا بعد أن انفجرت شاحنات محملة بالمتفجرات خارج السفارات الأميركية في نيروبي بكينيا، ودار السلام في تنزانيا، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص في 7 أغسطس 1998.

وأعقب ذلك التفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم القاعدة ضد المدمرة الأميركية "يو إس إس كول" في 12 أكتوبر 2000 بينما كانت ترسو على ميناء عدن اليمني، وهو الهجوم الذي خلف مقتل 17 شخصا، ثم جاءت هجمات 11 سبتمبر.

ورغم هروبه من التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان، إلا أن بن لادن قتل في أبوت آباد في باكستان بعد عقد من الزمن.

فيما اختفى أيمن الظواهري، وهو مصري أصبح زعيما للتنظيم بعد مقتل بن لادن، وفي وقت لاحق، قتل حمزة، نجل بن لادن، الذي أصبح شخصية قيادية داخل تنظيم القاعدة.

امتدادات القاعدة

بروز القاعدة عقب هجمات 11 سبتمبر أنتج جماعات أخرى منافسة مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي هز العالم بقطع الرؤوس واستيلائه على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا.

وفي سوريا، تعد هيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة سابقا)، ذراع القاعدة هناك وهي تسيطر  على نحو نصف مساحة محافظة إدلب التي تعد معقلها في شمال غرب سوريا، رغم وجود فصائل إسلامية وجهادية أخرى أقل نفوذاً في المنطقة، بينها تنظيم حراس الدين الذي يعد أيضا ذراعا لتنظيم القاعدة في سوريا.

وظهرت جبهة النصرة في سوريا في العام 2012، وبايعت تنظيم القاعدة بعد رفضها الاندماج مع تنظيم الدولة الإسلامية. وفي 2013، أعلن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أن النصرة هي الممثل الوحيد لتنظيم القاعدة في سوريا.

أما اليمن، فشهد في 2009 ظهور تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، أحد أهم فروع الجماعة المتطرفة في العالم، وتعتبره الولايات المتحدة أخطر فروع تنظيم القاعدة في العالم.

واحتفل عناصر تنظيم القاعدة في اليمن في محافظة البيضاء بسيطرة طالبان على أفغانستان، وأطلقوا الألعاب النارية والرصاص الحي في الهواء فور دخول طالبان للقصر الرئاسي.

كما انتقل تأثير تنظيم القاعدة إلى أفريقيا، حيث تأسس فرع للتنظيم أطلق عليه "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وحصل على ولاء العديد من الجماعات الجهادية النشطة في منطقة الساحل، والتي انضوت منذ 2017 تحت لواء جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين".

وتنتشر في منطقة الساحل جماعات جهادية مرتبطة إما بالقاعدة وإما بتنظيم الدولة الإسلامية ولها وجود كبير في مناطق مهمشة إلى حد كبير.

مقتل الظواهري يكشف قدرة الاستخبارات الأميركية على رصد النشاط الإرهابي في أفغانستان
مقتل الظواهري يكشف قدرة الاستخبارات الأميركية على رصد النشاط الإرهابي في أفغانستان

عدت مجلة "تايم"مقتل زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، أيمن الظواهري، في كابل إنجازا كبيرا لأجهزة الاستخبارات الأميركية ودليل واضح على مدى نفوذها رغم مرور عام على خروج قوات التحالف الدولي من أفغانستان.

ولكن المجلة نقلت عن خبراء في مكافحة الإرهاب أن العملية أظهرت أن التنظيم الإرهابي لا يزال يتمتع بمكانة خاصة لدى حركة طالبان مما يثير الكثير من القلق والترقب.

ونفت طالبان، الخميس، معرفتها بأن الظواهري كان في كابل، في حين أوضح الخبراء للمجلة أن تواجد الظواهري مع عائلته في العاصمة يكشف إلى أي مدى قد منحت طالبان تنظيم القاعدة رخصة للعمل داخل البلاد، وأنها وضعت قادة منها متعاطفين ومتعاونين مع الجماعة الإرهابية في مناصب حكومية عالية.

وكان مستشار الأمن القومي في الإدارة الأميركية، جيف سولفان قد كشف لشبكة "إن بي سي نيوز" عن اعتقاده بأن هناك "أعضاء بارزين في شبكة حقاني ينتمون إلى طالبان يعرفون أن الظواهري كان في كابلل".

ولعب الظواهري دورًا رئيسيًا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر 2001 ، بالإضافة إلى مشاركته في التخطيط للتفجيرات التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في العام  1998، وقد تولى زعامة تنظيم القاعدة بعد مصرع المؤسس، أسامة بن لادن، في العام 2011. 

وقال مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن الظواهري كان مسؤولا عن قيادة تلك الجماعة الإرهابية حتى لحظة مقتله.

وأوضح مايكل آلن، الذي شغل  منصب مدير موظفي لجنة المخابرات بمجلس النواب الأميركي من 2011 إلى 2013 إن ظروف عملية التخلص من الظواهري تعيد إلى الأذهان الخط الحازم الذي اتخذته إدارة  الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، تجاه البلدان التي سمحت للإرهابيين بالدخول إلى حدودها في أعقاب هجوم 11 سبتمبر. 

وأضاف آلن: "كانت عقيدة بوش تتمحور فيما إذا كنت تؤوي إرهابياً، فسوف نعاملك كما لو كنت إرهابياً.. والظواهري لم يكن يكن إرهابيا عاديا، فقد كان متورطا في هجمات سبتمبر، والاعتداء على سفارات أميركية".

وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، قد أكد  في بيان يوم الاثنين أن حركة طالبان "من خلال استضافة وإيواء" زعيم القاعدة في كابول قد خرقت شروط اتفاق الدوحة الذي وقعته في فبراير 2020 مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. 

وكان ترامب قد تعهد بموجب ذلك الاتفاق بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان خلال العام 2021، مقابل عدم سماح حركة طالبان باستخدام الجماعات المتطرفة لأراضيها بغية شن هجمات إرهابية  تهدد المصالح الأميركية والغربية.

وأوضح بلينكين أن "طالبان قد انتهكت بشكل صارخ اتفاق الدوحة ولم تحترم تأكيداتها للعالم بأنها لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل الإرهابيين لتهديد أمن الدول الأخرى".

طالبان تنفي

وقال مسؤول في طالبان، الخميس، إن الحركة تحقق في "إدعاءات" أميركية بأن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري قُتل في غارة بطائرة مسيرة في كابل، مؤكدا أنها لم تكن على علم بوجوده في المدينة. 

وذكر مسؤولون أميركيون أن واشنطن قتلت الظواهري بصاروخ أطلقته طائرة مسيرة بينما كان يقف في شرفة مخبأه في كابل يوم الأحد الماضي، في أكبر ضربة للتنظيم منذ مقتل أسامة بن لادن بالرصاص قبل أكثر من عقد.

وقال سهيل شاهين، ممثل طالبان المُعين لدى الأمم المتحدة ومقره الدوحة، للصحفيين في رسالة: "لم تكن الحكومة أو القيادة على علم بهذه المزاعم"، وأضاف "التحقيق جار الآن لمعرفة مدى صحة الإدعاءات"، مشيراً إلى أنه سيتم نشر نتائج التحقيق علناً.

والتزم قادة طالبان الصمت إلى حد كبير بشأن غارة يوم الأحد ولم يؤكدوا وجود أو مقتل الظواهري في كابل، وقالت ثلاثة مصادر في الحركة إن كبار قادة طالبان أجروا مناقشات مطولة بشأن كيفية الرد على الضربة الأمريكية.

وقال شاهين إن إمارة أفغانستان الإسلامية، الاسم الذي تستخدمه طالبان للبلاد وحكومتها، ملتزمة بالاتفاق الموقع في العاصمة القطرية الدوحة، بينما قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن طالبان "انتهكت بشكل صارخ الاتفاق باستضافة الظواهري وإيوائه".

لكن بروس هوفمان، الخبير في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في "مجلس العلاقات الخارجية" المختص بدراسة الإرهاب وتطور تنظيم القاعدة على مدى عقود، قال إن الظواهري "كان يتلقى معاملة كبار الشخصيات كابل وأنه يمكن للمرء أن يتخيل نوع المعاملة التي يتلقاها مسؤولو ومقاتلو القاعدة الآخرون".

ونبه هوفمان إلى أنه كان قد جرى إطلاق سراح 36 من كبار قادة القاعدة من السجن عندما وصلت طالبان إلى سدة الحكم في منتصف أغسطس من العام الماضي، مشيرا إلى أن وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، سراج الدين حقاني، يعد حليفا مقربا منذ فترة طويلة للتنظيم الإرهابي.

ولفت هوفمان إلى أن حلفاء آخرين للقاعدة من حركة طالبان قد جرى تعيينهم  مسؤولين عن أجهزة المخابرات وخدمات اللاجئين في البلاد وأعطوا مناصب إدارية مهمة في مختلف مقاطعات أفغانستان.

تحذيرات.. ومخاوف

ويحذر خبراء مكافحة الإرهاب من أن دعم طالبان للقاعدة قد يتجاوز مجرد تمكين قادتهم، إذ يقول الباحث البارز في معهد الدفاع عن الديمقراطيات، بيل روجيو، إن الحركة الأصولية قد تسمح مرة أخرى للقاعدة بإقامة معسكرات تدريب في البلاد، وأن أفغانستان قد تصبح منطلقا لتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية،بالإضافة إلى إدارة فروعها في اليمن وسوريا وجميع أنحاء أفريقيا.

وزاد روجيو: "مقتل الظواهري في كابول يكشف إلى أي مدى يعتقد تنظيم القاعدة أن أفغانستان قد أصبحت آمنة بما يكفي لقادتها لتجميع صفوفهم هناك وأنهم بإمكانهم أن يحصلوا على قسط من الراحة هناك".

ويرى روجيو أنه وحتى قبل أن تستعيد طالبان السيطرة على كابول في الصيف الماضي، فإنه قد كان هناك أدلة على أنها سمحت سابقًا للقاعدة بتدريب مقاتلين في مناطق أفغانستان الخاضعة لسيطرتها.

وأوضح أنه في العام 215، "وبينما كانت قوات التحالف الدولي تتواجد داخل البلاد، فقد سمحت الحركة الأصولية لذلك التنظيم الإرهابي بإقامة معسكرات تدريب في مقاطعة قندهار".

وقال روجيو، نقلاً عن وثائق وزارة الخارجية الأميركية، إن الجيش الأميركي قد أغار على المعسكر في أكتوبر من ذلك العام، مما أسفر عن مقتل العشرات من المتدربين في القاعدة.

ووصف الظروف في أفغانستان بأنها ناضجة لإنشاء معسكرات تدريب مماثلة، مضيفا: "لدى الجماعة الإرهابية الآن الوقت والمساحة لإعادة التنظيم والتجمع واستئناف الهجمات ضد الغرب".

وقدر تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 15 يوليو أن القاعدة لديها "ملاذ آمن" في أفغانستان، وأن لديها طموحات "ليتم الاعتراف بها مرة أخرى كزعيمة للتنظيمات الأصولية" في باقي أصقاع الكرة الأرضية..

وقال التقرير إن الجماعة، "لا يُنظر إليها على أنها تشكل تهديدًا دوليًا فوريًا من ملاذها الآمن في أفغانستان لأنها تفتقر إلى القدرة التشغيلية الخارجية ولا ترغب حاليًا في التسبب في أي مصاعب أو إحراج دولي لطالبان".

من جانب آخر، أوضح مسؤولو البيت الأبيض أن بايدن أرسل إشارة قاتلة بمقتل الظواهري، ويجب ألا يشعر قادة القاعدة بالأمان في العمل في أفغانستان.

وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم الإدارة الأميركية، جون كيربي، أمس الثلاثاء:  "أعتقد أنه إذا كنتم سوف تسألون بعض أعضاء القاعدة  عن مدى شعورهم بالأمان في أفغانستان في الوقت الحالي فسوف يجيبون أنها ليست ملاذا آمنا".