قبل 20 عاما، أزاح الجيش الأميركي حركة طالبان من السلطة بعد سماحها للقاعدة بتخطيط اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية من أراضي أفغانستان
قبل 20 عاما، أزاح الجيش الأميركي حركة طالبان من السلطة بعد سماحها للقاعدة بتخطيط اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية من أراضي أفغانستان

خيارات "محدودة" لدى الولايات المتحدة لمنع عودة تنظيم القاعدة إلى أفغانستان واتخاذه منطلقا لشن هجمات ضد واشنطن في المستقبل، وفقا لمحللين تحدثوا عن صعوبة مهمة الردع بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، الشهر الماضي.

وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قال في تصريحات، الخميس، إن تنظيم القاعدة، الذي استخدم أفغانستان من أجل إطلاق هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة قبل 20 عاما، قد يحاول التواجد هناك من جديد، بعد الانسحاب الأميركي.

أوستن أكد أيضا أن هذه العودة "ستشكل تهديدا للولايات المتحدة"، لكنه أشار إلى أن واشنطن مستعدة لمنع عودة القاعدة في أفغانستان، وذلك باستخدام طائرات مراقبة، وطائرات حربية متمركزة في أماكن أخرى بما فيها دول الخليج.

وأكملت القوات الأميركية انسحابها الكامل من أفغانستان في 31 أغسطس الماضي بالتزامن مع اجتياح حركة طالبان لكامل أراضي البلاد وإعلان سيطرتها مجددا على أفغانستان.

وخلال حرب الولايات المتحدة التي استمرت 20 عاما، تقلص حجم القاعدة إلى حد كبير، لكن طرحت تساؤلات حول آفاق أنشطة التنظيم الإرهابي المستقبلية، مع عودة طالبان إلى السلطة في كابل.

ويرى محللون أميركيون أن الخروج من أفغانستان ستكون له انعكاسات سلبية على الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد الشبكات الإرهابية في العالم، وعلى رأسها تنظيم القاعدة.

يعتقد الكولونيل السابق في الجيش الأميركي، بيتر منصور، أن الولايات المتحدة "ستواجه وقتا عصيبا في تعقب عناصر القاعدة في المنطقة من دون قواعد عسكرية أو استخباراتية في آسيا الوسطى على الأرض".

ويضيف منصور في حديثه لموقع "الحرة" "لا مفر من تقليل ضربهم (القاعدة) لأن الطائرات بدون طيار التي تحلق من قواعد بعيدة في الخليج سيكون لها وقت محدود في المجال الجوي فوق أفغانستان وباكستان".

وأدى انسحاب القوات الأميركية وعملاء المخابرات من أفغانستان إلى تدمير شبكة المخابرات الأميركية في المنطقة، وفقا لمنصور. 

ويتفق الباحث المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، ماثيو برودسكي، مع رأي منصور، ويرى أن "مستوى التهديد للولايات المتحدة ولكل الحلفاء في المنطقة ازداد مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، التي يمكن أن تعود مجددا كملجأ آمن لتنظيم القاعدة كما في السابق".

يقول برودسكي لموقع "الحرة" إن "الوجود الأميركي على الأرض في أفغانستان منع كثيرا من الهجمات"، مضيفا أن "معرفة أن هناك قوات أميركية يمكن أن ترد أي نوع من التهديدات كان كافيا لمنع حصول هجمات".

في مفاوضاتها مع الأميركيين، وعدت حركة طالبان بعدم حماية مقاتلي تنظيم القاعدة الذي أسسه أسامة بن لادن، المسؤول عن أكبر اعتداء شهدته الولايات المتحدة، في 11 سبتمبر 2001.

قبل 20 عاما، طردت حركة طالبان من السلطة بعد سماحها للقاعدة بتخطيط اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية من أراضي أفغانستان، ومن المتوقع الآن أن تعتمد الحركة بعد استعادتها السيطرة على البلاد نهجا أكثر حذرا، ولو أنها تبقي روابط وثيقة مع التنظيم الجهادي.

وتأسس تنظيم القاعدة على أيدي متشددين من العرب تدفقوا على أفغانستان لقتال الاحتلال السوفيتي في ثمانينيات القرن الماضي. وازدهر التنظيم تحت حكم حركة طالبان لأفغانستان في الفترة من 1996 إلى 2001.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قال في تصريحات منتصف الشهر الماضي إن الولايات المتحدة تجري "مهام فعالة لمكافحة الإرهاب ضد الجماعات الإرهابية في العديد من البلدان حيث ليس لدينا وجود عسكري دائم".

وأشار إلى أن بلاده ستقوم "بالشيء عينه في أفغانستان إذا لزم الأمر"، مضيفا "لقد طورنا القدرة على مكافحة الإرهاب عبر الأفق، مما سيتيح لنا التنبه لأي تهديدات مباشرة للولايات المتحدة في المنطقة والتصرف بسرعة وحسم".

يقول الكاتب والمحلل السياسي حسين عبد الحسين لموقع "الحرة" إن "الدرس الأبرز الذي تعلمته واشنطن من الحربين في العراق وأفغانستان هو أن مواجهة الشبكات الإرهابية لا تتطلب جيشا تقليديا أو التواجد في دولة دون أخرى".

ويضيف عبد الحسين، الذي يقيم في واشنطن، أن الولايات المتحدة، وبعد 20 عاما من الحرب في أفغانستان، باتت تمتلك اليوم شبكة علاقات أقوى بكثير مما كانت عليه قبل الحرب".

ويتابع أن "الولايات المتحدة لديها خيارات ربما تكون محدودة، لكنها مهمة لمنع عودة القاعدة، من خلال الحرب الاستخبارية ومراقبة التحويلات المصرفية عبر العالم ومكافحة الإرهاب وغيرها من أساليب".

في المقابل، يرى بيتر منصور أن "الولايات المتحدة تتمتع ببعض النفوذ المالي على حكومة طالبان في أفغانستان من الممكن أن تستغل لتشجيعها على الوفاء بوعدها باستبعاد القاعدة من البلاد".

ويشير منصور مع ذلك إلى أنه "ليس لدى الولايات المتحدة خيار سوى الاعتماد على النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي لإغراء طالبان بالوفاء بوعدها"، مضيفا "على أي حال يجب علينا أن نرى ما إذا كانت طالبان ستفعل ذلك".

والجمعة، حذر مسؤول بريطاني من أن سيطرة حركة طالبان مجددا على أفغانستان قد تكون "شجعت" المتطرفين في بريطانيا وأعطتهم "دفعة من المعنويات".

وقال المدير العام لجهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني "أم آي 5" كين ماكالوم، "لا شك أن الأحداث في أفغانستان شجعت ... بعض هؤلاء المتطرفين وزادتهم جرأة، والبقاء متيقظين حيال هذا النوع من المخاطر فضلا عن مخاطر أخرى هو ما تركز منظمتي جهودها عليه".

واعتبر أن الخطر الإرهابي لا يتبدل "بين ليلة وضحاها"، لكن قد يتلقى "الإرهابيون الموجودون هنا أو في دول أخرى دفعة من المعنويات".

وجاءت تحذيرات ماكالوم عشية إحياء ذكرى اعتداءات 11 سبتمبر التي نفذها تنظيم القاعدة ضد برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن، وكانت الأكثر دموية في التاريخ.

مقتل الظواهري يكشف قدرة الاستخبارات الأميركية على رصد النشاط الإرهابي في أفغانستان
مقتل الظواهري يكشف قدرة الاستخبارات الأميركية على رصد النشاط الإرهابي في أفغانستان

عدت مجلة "تايم"مقتل زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، أيمن الظواهري، في كابل إنجازا كبيرا لأجهزة الاستخبارات الأميركية ودليل واضح على مدى نفوذها رغم مرور عام على خروج قوات التحالف الدولي من أفغانستان.

ولكن المجلة نقلت عن خبراء في مكافحة الإرهاب أن العملية أظهرت أن التنظيم الإرهابي لا يزال يتمتع بمكانة خاصة لدى حركة طالبان مما يثير الكثير من القلق والترقب.

ونفت طالبان، الخميس، معرفتها بأن الظواهري كان في كابل، في حين أوضح الخبراء للمجلة أن تواجد الظواهري مع عائلته في العاصمة يكشف إلى أي مدى قد منحت طالبان تنظيم القاعدة رخصة للعمل داخل البلاد، وأنها وضعت قادة منها متعاطفين ومتعاونين مع الجماعة الإرهابية في مناصب حكومية عالية.

وكان مستشار الأمن القومي في الإدارة الأميركية، جيف سولفان قد كشف لشبكة "إن بي سي نيوز" عن اعتقاده بأن هناك "أعضاء بارزين في شبكة حقاني ينتمون إلى طالبان يعرفون أن الظواهري كان في كابلل".

ولعب الظواهري دورًا رئيسيًا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر 2001 ، بالإضافة إلى مشاركته في التخطيط للتفجيرات التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في العام  1998، وقد تولى زعامة تنظيم القاعدة بعد مصرع المؤسس، أسامة بن لادن، في العام 2011. 

وقال مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن الظواهري كان مسؤولا عن قيادة تلك الجماعة الإرهابية حتى لحظة مقتله.

وأوضح مايكل آلن، الذي شغل  منصب مدير موظفي لجنة المخابرات بمجلس النواب الأميركي من 2011 إلى 2013 إن ظروف عملية التخلص من الظواهري تعيد إلى الأذهان الخط الحازم الذي اتخذته إدارة  الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، تجاه البلدان التي سمحت للإرهابيين بالدخول إلى حدودها في أعقاب هجوم 11 سبتمبر. 

وأضاف آلن: "كانت عقيدة بوش تتمحور فيما إذا كنت تؤوي إرهابياً، فسوف نعاملك كما لو كنت إرهابياً.. والظواهري لم يكن يكن إرهابيا عاديا، فقد كان متورطا في هجمات سبتمبر، والاعتداء على سفارات أميركية".

وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، قد أكد  في بيان يوم الاثنين أن حركة طالبان "من خلال استضافة وإيواء" زعيم القاعدة في كابول قد خرقت شروط اتفاق الدوحة الذي وقعته في فبراير 2020 مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. 

وكان ترامب قد تعهد بموجب ذلك الاتفاق بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان خلال العام 2021، مقابل عدم سماح حركة طالبان باستخدام الجماعات المتطرفة لأراضيها بغية شن هجمات إرهابية  تهدد المصالح الأميركية والغربية.

وأوضح بلينكين أن "طالبان قد انتهكت بشكل صارخ اتفاق الدوحة ولم تحترم تأكيداتها للعالم بأنها لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل الإرهابيين لتهديد أمن الدول الأخرى".

طالبان تنفي

وقال مسؤول في طالبان، الخميس، إن الحركة تحقق في "إدعاءات" أميركية بأن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري قُتل في غارة بطائرة مسيرة في كابل، مؤكدا أنها لم تكن على علم بوجوده في المدينة. 

وذكر مسؤولون أميركيون أن واشنطن قتلت الظواهري بصاروخ أطلقته طائرة مسيرة بينما كان يقف في شرفة مخبأه في كابل يوم الأحد الماضي، في أكبر ضربة للتنظيم منذ مقتل أسامة بن لادن بالرصاص قبل أكثر من عقد.

وقال سهيل شاهين، ممثل طالبان المُعين لدى الأمم المتحدة ومقره الدوحة، للصحفيين في رسالة: "لم تكن الحكومة أو القيادة على علم بهذه المزاعم"، وأضاف "التحقيق جار الآن لمعرفة مدى صحة الإدعاءات"، مشيراً إلى أنه سيتم نشر نتائج التحقيق علناً.

والتزم قادة طالبان الصمت إلى حد كبير بشأن غارة يوم الأحد ولم يؤكدوا وجود أو مقتل الظواهري في كابل، وقالت ثلاثة مصادر في الحركة إن كبار قادة طالبان أجروا مناقشات مطولة بشأن كيفية الرد على الضربة الأمريكية.

وقال شاهين إن إمارة أفغانستان الإسلامية، الاسم الذي تستخدمه طالبان للبلاد وحكومتها، ملتزمة بالاتفاق الموقع في العاصمة القطرية الدوحة، بينما قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن طالبان "انتهكت بشكل صارخ الاتفاق باستضافة الظواهري وإيوائه".

لكن بروس هوفمان، الخبير في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في "مجلس العلاقات الخارجية" المختص بدراسة الإرهاب وتطور تنظيم القاعدة على مدى عقود، قال إن الظواهري "كان يتلقى معاملة كبار الشخصيات كابل وأنه يمكن للمرء أن يتخيل نوع المعاملة التي يتلقاها مسؤولو ومقاتلو القاعدة الآخرون".

ونبه هوفمان إلى أنه كان قد جرى إطلاق سراح 36 من كبار قادة القاعدة من السجن عندما وصلت طالبان إلى سدة الحكم في منتصف أغسطس من العام الماضي، مشيرا إلى أن وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، سراج الدين حقاني، يعد حليفا مقربا منذ فترة طويلة للتنظيم الإرهابي.

ولفت هوفمان إلى أن حلفاء آخرين للقاعدة من حركة طالبان قد جرى تعيينهم  مسؤولين عن أجهزة المخابرات وخدمات اللاجئين في البلاد وأعطوا مناصب إدارية مهمة في مختلف مقاطعات أفغانستان.

تحذيرات.. ومخاوف

ويحذر خبراء مكافحة الإرهاب من أن دعم طالبان للقاعدة قد يتجاوز مجرد تمكين قادتهم، إذ يقول الباحث البارز في معهد الدفاع عن الديمقراطيات، بيل روجيو، إن الحركة الأصولية قد تسمح مرة أخرى للقاعدة بإقامة معسكرات تدريب في البلاد، وأن أفغانستان قد تصبح منطلقا لتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية،بالإضافة إلى إدارة فروعها في اليمن وسوريا وجميع أنحاء أفريقيا.

وزاد روجيو: "مقتل الظواهري في كابول يكشف إلى أي مدى يعتقد تنظيم القاعدة أن أفغانستان قد أصبحت آمنة بما يكفي لقادتها لتجميع صفوفهم هناك وأنهم بإمكانهم أن يحصلوا على قسط من الراحة هناك".

ويرى روجيو أنه وحتى قبل أن تستعيد طالبان السيطرة على كابول في الصيف الماضي، فإنه قد كان هناك أدلة على أنها سمحت سابقًا للقاعدة بتدريب مقاتلين في مناطق أفغانستان الخاضعة لسيطرتها.

وأوضح أنه في العام 215، "وبينما كانت قوات التحالف الدولي تتواجد داخل البلاد، فقد سمحت الحركة الأصولية لذلك التنظيم الإرهابي بإقامة معسكرات تدريب في مقاطعة قندهار".

وقال روجيو، نقلاً عن وثائق وزارة الخارجية الأميركية، إن الجيش الأميركي قد أغار على المعسكر في أكتوبر من ذلك العام، مما أسفر عن مقتل العشرات من المتدربين في القاعدة.

ووصف الظروف في أفغانستان بأنها ناضجة لإنشاء معسكرات تدريب مماثلة، مضيفا: "لدى الجماعة الإرهابية الآن الوقت والمساحة لإعادة التنظيم والتجمع واستئناف الهجمات ضد الغرب".

وقدر تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 15 يوليو أن القاعدة لديها "ملاذ آمن" في أفغانستان، وأن لديها طموحات "ليتم الاعتراف بها مرة أخرى كزعيمة للتنظيمات الأصولية" في باقي أصقاع الكرة الأرضية..

وقال التقرير إن الجماعة، "لا يُنظر إليها على أنها تشكل تهديدًا دوليًا فوريًا من ملاذها الآمن في أفغانستان لأنها تفتقر إلى القدرة التشغيلية الخارجية ولا ترغب حاليًا في التسبب في أي مصاعب أو إحراج دولي لطالبان".

من جانب آخر، أوضح مسؤولو البيت الأبيض أن بايدن أرسل إشارة قاتلة بمقتل الظواهري، ويجب ألا يشعر قادة القاعدة بالأمان في العمل في أفغانستان.

وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم الإدارة الأميركية، جون كيربي، أمس الثلاثاء:  "أعتقد أنه إذا كنتم سوف تسألون بعض أعضاء القاعدة  عن مدى شعورهم بالأمان في أفغانستان في الوقت الحالي فسوف يجيبون أنها ليست ملاذا آمنا".