يحيي الأميركيون، السبت المقبل، ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، للمرة الأولى، بدون قوات في أفغانستان، بعد إتمام الانسحاب الذي وعد به الرئيس، جو بايدن، بحلول هذا الموعد.
ويصادف 11 سبتمبر ذكرى أكثر الهجمات دموية في تاريخ الولايات المتحدة، عندما اختطف 19 إرهابيا في مثل هذا اليوم من عام 2001 طائرات مدنية وقتل 2977 شخصا في نيويورك، وواشنطن، وبنسلفانيا.
في ذلك الوقت، تحددت مسؤولية طالبان لأنها كانت تؤوي تنظيم "القاعدة"، وزعيمه أسامة بن لادن، ورفضت تسليم قادة التنظيم لمحاكمتهم.
فقررت الولايات المتحدة ضرب الجماعة في عقر دارها، وعلى مدار 20 عاما من الحرب في أفغانستان، قُتل 2461 جنديا أميركيا وأصيب نحو 27 ألفا بالإضافة إلى مقتل نحو أكثر من 70 ألف أفغاني.
أدت هجمات سبتمبر إلى واحدة من أكبر عمليات الإنفاق العسكري في تاريخ الحكومة الفيدرالية الأميركية، بمجموع حوالي 2 تريليون دولار، منها 144 مليار دولار على قوات الأمن الأفغانية فقط، وفق تقرير المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR).
وفي الذكرى الـ20 لأحداث سبتمبر، انتهت رسميا حقبة بدأت باختطاف طائرات وانتهت بمشاهد الفوضى في مطار العاصمة الأفغانية وهجوم دموي نفذه "داعش" في كابل أودى بحياة العشرات من بينهم 13 عسكريا أميركا.
وخلال 20 عاما، سكن البيت الأبيض أربعة رؤساء، اثنان جمهوريان واثنان ديمقراطيان، آخرهم، قطع وعدا بإنهاء الوجود العسكري الأميركي بحلول ذكرى سبتمبر هذا العام، وأكد بعد إنجاز الانسحاب، أن الخيار الوحيد لديه كان "إما المغادرة أو التصعيد" وقال إنه "لم يرغب في خوض حرب إلى ما لا نهاية".
وقال بايدن إن الولايات المتحدة بقيت في أفغانستان لمدة 10 سنوات رغم تحقيق الهدف من الذهاب إلى هناك وهو القضاء على بن لادن، واعتبر أن الانسحاب "يتعلق بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى لإعادة تشكيل دول أخرى".
ويؤكد الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة "طورت قدرتها على مكافحة الإرهاب عبر الأفق والتي ستسمح لنا بإبقاء أعيننا ثابتة على أي تهديدات مباشرة للولايات المتحدة في المنطقة والتصرف بسرعة وحسم إذا لزم الأمر".
ويقول مايكل غيرسون في واشنطن بوست إن بايدن أراد استغلال الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر لإعلان "إعادة النظر في استراتيجية مكافحة الإرهاب" والتأكيد على "نهج جديد" لمحاربته وإعلان أنه "انتهى عصر الاحتلال"، وأن الولايات المتحدة تستطيع "محاربة التهديدات من بعيد".
وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلنيكن، كان قد قال إنه "منذ 11 سبتمبر 2001، نمت قدرتنا بشكل كبير على التعامل مع الإرهاب بشكل فعال في الأماكن التي ليس لدينا فيها جنود على الأرض، ونحن الآن قادرون على القيام بأشياء لم يكن بوسعنا القيام بها قبل 20 عاما. إذا ظهر هذا التهديد مرة أخرى في أفغانستان، سنتعامل معه".
ويؤكد غيرسون إنه لايزال يتعين على الرئيس أن "يوضح يمكن أن يساعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في تنفيذ هذا الأسلوب الجديد"، وكيف يمكن جمع المعلومات دون وجود قوات على الأرض.
ورغم مشاهد الفوضى التي صدمت العديد من الأميركيين، فإن مسحا لمركز بيو للأبحاث وجد أن أغلبية الأميركيين تؤيد قرار الانسحاب من أفغانستان، حتى مع انتقاد تعامل إدارة بايدن مع الموقف، ووجد الاستطلاع أن 69 في المئة يقولون إن الولايات المتحدة فشلت غالبا في تحقيق أهدافها في أفغانستان.
ويرى تمار رابينوفيتش من معهد بروكينغنز أنه بعد 20 عاما من حرب مات وجرح فيها الآلاف وأنفقت فيها واشنطن تريليونات الدولارات "قررت إدارة بايدن بشكل صحيح ضرورة إنهاء المشروع الأفغاني".
ويضيف أن قرار إدارة الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، الرد عسكريا على أحداث 11 سبتمبر وتدمير القاعدة وطالبان كان "مبررا وناجحا، لكن قرار البقاء في أفغانستان ومحاولة بناء حكومة محلية فاعلة كان أول خطأ كبير ارتكبته أميركا في صياغة سياستها لما بعد 11 سبتمبر".
وتابع أن "ترك البلاد تعمل بأجهزتها الخاصة كان من المرجح أن ينتهي بالعودة إلى الوضع السابق، لكن كان واضحا في عامي 2002 و 2003 أن فكرة بناء الدولة في أفغانستان من قبل قوة خارجية كان محكوما عليها بالفشل".
ويرفض أميركيون حضروا أحداث 11 سبتمبر طريقة الانسحاب، رغم تأييدهم للقرار، مثل روبرت دي هوغ، القائم بأعمال مساعد وزير البحرية لشؤون القوى العاملة والاحتياطي، الذي كان أحد الناجين من الهجمات. قال هوغ لوول ستريت جورنال إنه بينما أيد الانسحاب، إلا أن الطريقة التي تم بها أحدثت "ضررا بشكل غير متوقع".
وقال: "أرغب بشدة في أن يكون لنا كأمة محادثة صحية، وإن كانت عاطفية، حول كيفية محاربة مثل هذه النزاعات في المستقبل لإعادة تحديد شكل النصر".
ويقول غاي تايلور، محرر شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في صحيفة "واشنطن تايمز" لموقع الحرة إنه من المهم للغاية أن الذكرى العشرين لأحداث سبتمبر تتزامن مع الانسحاب من أفغانستان، "ومن المؤسف أن سيطرة طالبان على البلاد وإتاحة المجال للجماعات المتشددة يحدث الآن في وقت إحياء ذكرى أحداث تم تنفيذها من قبل "القاعدة" التي وجدت ملاذا في أفغانستان خلال السنوات التي سبقت الهجمات".
بيتر همفري، الدبلوماسي السابق ومحلل الشؤون الدولية قال لموقع الحرة: "المتشددون الإسلاميون قتلوا ثلاثة آلاف شخص في 11 سبتمبر. حاولنا أن نوقفهم، واستغرق الأمر وقتا طويلا، لكننا انسحبنا بهذا الشكل الخطير".
وهناك أيضا مخاوف لدى البعض من أفغانستان الجديدة في ظلم حكم طالبان. يقول بريت بومان في وول سرتيت جورنال "إن فراغ السلطة الذي تركه (بايدن) في المنطقة مثير للقلق. لم يعد هناك ما يشبه الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة، ولا توجد قوات أميركية متبقية لدرء التعاون الصيني مع طالبان".
ووصف همفري، المحلل في معهد الدراسات الاستراتيجية الوطنية، وجامعة الدفاع الوطني في واشنطن قرار الانسحاب بأنه "أسوأ قرار سياسي في تاريخ الولايات المتحدة".
ويرفض تبرير الانسحاب بأننا قضينا 20 عاما هناك وهذا يكفي، ويضيف: "لا يمكن أن تنسحب حتى تحقق الهدف حتى لو أخذ الأمر 100 عام". ويشبه هذا القرار بقرار الرئيس الأميركي الأسبق، ديفيد أيزنهاور، عندما قر وقف المعارك مع الألمان فقط "لأننا حاربنا وقتا طويلا ونشعر بالتعب الآن".
ويرى تايلور أنه "ما كان يجب الوصول إلى هذه النقطة التي نحن عليها الآن، لأن الحرب كانت بالفعل قد تباطأت خلال السنوات الأخيرة، وطالبان كانت تتراجع ولم تقاتل تقريبا في كابل، ولم يتبق إلا عدد قليل من الأراضي تحت سيطرة الولايات المتحدة وعدد القوات الدولية والناتو كان أكبر من عدد القوات الأميركية".
ويرى أن إدارة بايدن استخدمت شعارا سياسيا هو " إنهاء الحروب التي لا تنتهي"، في حين أنها لو طبقت هذا الشعار، فإنها يجب أن تسحب كل القوات من أوروبا وآسيا وغيرها من المناطق التي يتواجد فيها عسكريون أميركيون.
ويأسف همفري لأن الانسحاب جاء بعد 20 عاما من تعليم النساء والفتيات، أي حوالي نصف عدد السكان، اللواتي أصبحن قادرات على المساهمة في الاقتصاد الوطني. ويقول: "هن الآن يشعرن أن هذه الإنجازات بلافائدة تقريبا" لكنه مع ذلك توقع "ألا يستسلمن بسهولة".
وتوقع أن تكون أفغانستان الجديدة "مثل هاييتي أو أسوأ من ذلك" وأن "تواجه مجاعة هذا الشتاء، وألا تصبح لعملتها "أي قيمة بحلول العام المقبل".
وشكك في تصريحات مسؤولي طالبان بشأن أنها أصبحت أكثر انفتاحا، مشيرا إلى أن مسلحيها "ينفذون عمليات سرية" للبحث عن المسؤولين السابقين وقتلهم وقتل أفراد الأقليات الدينية.
وتوقع أن تتبنى طالبان نظاما يشبه النظام الإيراني: "مرشد أعلى وشخص مسؤول عن حكومة، أعضاؤها أشخاص ليس لديهم أي قدر من التعليم".
ويرى تايلور أن الإدارة الأميركية ليس لها تفسير واضح لكيفية الاستمرار في الحرب على الإرهاب، لكنه يؤكد أن الحرب على الإرهاب سوف تستمر "سواء بقيادة الولايات المتحدة أم لا"، لأن المعركة "أبعد ما تكون قد انتهت مع المتشددين الإسلاميين".
ويتفق معه الدبلوماسي السابق الذي يعتقد أن إدارة بايدن "ليست لديها خطة حقيقية بشأن الحرب على الإرهاب، واقترح تأسيس مجلس وطني يضم أطراف المعارضة لمقاومة حكم طالبان وتسليح هذه الجهات وتزويدها بالمعدات اللازمة، والعمل على إلحاق خسائر كبيرة بطالبان حتى تفقد مصداقيتها، مع تركيز المهام الاستخباراتية على كشف فساد نظام طالبان وإنشاء إذاعة لإعلام المواطنين بهذا الفساد، بالإضافة إلى استخدام الطائرات المسيرة والأقمار الصناعية والسفن.
ويعتقد أنه في نقطة زمنية معنية "ستعترف واشنطن بطالبان وتقيم علاقات دبلوماسية معها من أجل سلامة الأميركيين المتبقين هناك، وتوقع أن ترسل المساعدات لكن ستتم سرقتها من قبل طالبان أو توجيهها فقط لأقلية البشتون التي تنتمي إليها الحركة وليس الأقليات الأخرى.
ولا يعول همفري على وعود طالبان بأنها ستسيطر على الجماعات المتشددة مثل "داعش" في دولة مترامية الأطراف، ويلفت إلى أن طالبان أفرجت عن نحو خمسة آلاف مسلح كانوا في السجون الحكومية، وعدد كبير من هؤلاء ينتمون لتنظيم "داعش"، ما يتناقض مع تصريحات الجماعة بأنها تريد السيطرة على التنظيم.
ويخشى أنه مع حدوث أي أزمة في المستقبل، "ربما بعد خمس سنوات"، قد تصبح طالبان و"القاعدة" و"داعش" في مصاف "الأصدقاء"، ويقول "من الخطأ الظن أن هذه الجماعات مستقلة، لأنهم في الواقع يجندون بعضهم البعض. إنها حلقة لا نهاية لها".