مشاعر الألم والوجع والصدمة والهلع كانت الحاضر الأكبر في موقع الهجمات
مشاعر الألم والوجع والصدمة والهلع كانت الحاضر الأكبر في موقع الهجمات

لم تتوقف النتائج الوخيمة للهجمات الإرهابية التي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001، على الحصيلة المؤلمة للضحايا، بل تركت وراءها أجسادا مثقلة بأمراض مزمنة وأزمات صحية، تتعلق بما يصفه المختصون بـ"أزمات ما بعد الصدمة".

لأسابيع بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، تصاعد عمود داكن من الدخان السام، من الكومة التي نتجت عن انهيار مركز التجارة العالمي، مما أدى إلى تعريض رجال الإطفاء والشرطة والعاملين المحليين والسكان لمواد مسرطنة و غبار قلوي للغاية "في هجوم بيئي من شأنه أن يكون مميتا للمئات" يؤكد تقرير لمجلة "فورين بوليسي".

قامت الهيئة المكلفة بالمراقبة الصحية في مركز التجارة العالمي في نيويورك ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بمراقبة مجموعات مختارة من الذين شهدوا الأحداث لأكثر من عقد من الزمان، وسجلوا المشكلات الصحية التي يعانون منها وتمتد من الاكتئاب الشديد إلى إدمان الكحول، إلى السرطان وأمراض الجهاز التنفسي.

وقد أطلق على أحد الأعراض الرئيسية اسم "سعال مركز التجارة العالمي"  وهو سعال جاف ناتج عن تسلل جزيئات الغبار شديدة القلوية من المبنى إلى رئتي الضحايا.

وبينما صمم جسم الإنسان لطرد الجزيئات الحمضية التي قد تدخله إثر الكوارث الطبيعية مثل الحرائق والبراكين، لا يمكنه مواجهة جسيمات الحجر الجيري المستنشقة ذات درجة الحموضة القلوية العالية البالغة 11، ولا الألياف الزجاجية المجهرية التي يمكن ان تستقر في الرئتين. 

كما أن بإمكان الحويصلات الهوائية، داخل مجرى الدم، أن تشكل أورامًا في القناة الهضمية بعد سنوات من التعرض لتلك المواد التي ابعثت غثر انهيار المبنى. 

في عام 2021 ، أشار أحد التقارير إلى أن أكثر من ثلثي رجال الإطفاء وأفراد الطاقم الطبي في حالات الطوارئ الذين عملوا على الحطام المحترق والأرضي الذي أطلق عليه اسم "الكومة" في عام 2001 واستنشقوا الدخان، يعانون الآن من أعراض تتعلق بالصحة البدنية والعقلية. 

المجلة كتبت في الصدد: "حتى لو لم يتمكن سكان نيويورك من رؤية الرعب أياما بعد الحادثة بسبب تطويق المكان، فقد اشتموا رائحته، وشعر كثيرون بحرقة في عيونهم، وسعال لا يمكن السيطرة عليه".

دراسة أجريت في 2019، ربطت كلا من الربو، ومرض الارتداد المعدي المريئي (GERD) واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والاكتئاب بالتعرض لهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية على مركز التجارة العالمي.

وقامت الدراسة بمتابعة 36897 مشاركًا في السجل الصحي لمركز التجارة العالمي، وهم مجموعة من عمال الإنقاذ  وأفراد آخرون من مختلف فئات المجتمع.

الدراسة تمكنت من إيجاد رابط سببي بين الصدمة التي تعرض لها هؤلاء وبين الأمراض التي أصبحوا يعانون منها بعد الحادثة بسنوات.

وخلال تلك الفترة كان نحو 20 في المئة من الرجال و26 في المئة من النساء يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة.

وإجمالا زاد معدل إصابتهم بالنوبات القلبية 2.22 مرة وبالسكتة الدماغية 2.51 مرة مقارنة بمن لا يعانون من هذا النوع من الاضطراب، وفق تقرير سابق لوكالة رويترز للأنباء.

وهذه الأرقام، استقتها رويترز من دراسة أخرى أجريت سنة 2018.

مقتل الظواهري يكشف قدرة الاستخبارات الأميركية على رصد النشاط الإرهابي في أفغانستان
مقتل الظواهري يكشف قدرة الاستخبارات الأميركية على رصد النشاط الإرهابي في أفغانستان

عدت مجلة "تايم"مقتل زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، أيمن الظواهري، في كابل إنجازا كبيرا لأجهزة الاستخبارات الأميركية ودليل واضح على مدى نفوذها رغم مرور عام على خروج قوات التحالف الدولي من أفغانستان.

ولكن المجلة نقلت عن خبراء في مكافحة الإرهاب أن العملية أظهرت أن التنظيم الإرهابي لا يزال يتمتع بمكانة خاصة لدى حركة طالبان مما يثير الكثير من القلق والترقب.

ونفت طالبان، الخميس، معرفتها بأن الظواهري كان في كابل، في حين أوضح الخبراء للمجلة أن تواجد الظواهري مع عائلته في العاصمة يكشف إلى أي مدى قد منحت طالبان تنظيم القاعدة رخصة للعمل داخل البلاد، وأنها وضعت قادة منها متعاطفين ومتعاونين مع الجماعة الإرهابية في مناصب حكومية عالية.

وكان مستشار الأمن القومي في الإدارة الأميركية، جيف سولفان قد كشف لشبكة "إن بي سي نيوز" عن اعتقاده بأن هناك "أعضاء بارزين في شبكة حقاني ينتمون إلى طالبان يعرفون أن الظواهري كان في كابلل".

ولعب الظواهري دورًا رئيسيًا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر 2001 ، بالإضافة إلى مشاركته في التخطيط للتفجيرات التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في العام  1998، وقد تولى زعامة تنظيم القاعدة بعد مصرع المؤسس، أسامة بن لادن، في العام 2011. 

وقال مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن الظواهري كان مسؤولا عن قيادة تلك الجماعة الإرهابية حتى لحظة مقتله.

وأوضح مايكل آلن، الذي شغل  منصب مدير موظفي لجنة المخابرات بمجلس النواب الأميركي من 2011 إلى 2013 إن ظروف عملية التخلص من الظواهري تعيد إلى الأذهان الخط الحازم الذي اتخذته إدارة  الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، تجاه البلدان التي سمحت للإرهابيين بالدخول إلى حدودها في أعقاب هجوم 11 سبتمبر. 

وأضاف آلن: "كانت عقيدة بوش تتمحور فيما إذا كنت تؤوي إرهابياً، فسوف نعاملك كما لو كنت إرهابياً.. والظواهري لم يكن يكن إرهابيا عاديا، فقد كان متورطا في هجمات سبتمبر، والاعتداء على سفارات أميركية".

وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، قد أكد  في بيان يوم الاثنين أن حركة طالبان "من خلال استضافة وإيواء" زعيم القاعدة في كابول قد خرقت شروط اتفاق الدوحة الذي وقعته في فبراير 2020 مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. 

وكان ترامب قد تعهد بموجب ذلك الاتفاق بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان خلال العام 2021، مقابل عدم سماح حركة طالبان باستخدام الجماعات المتطرفة لأراضيها بغية شن هجمات إرهابية  تهدد المصالح الأميركية والغربية.

وأوضح بلينكين أن "طالبان قد انتهكت بشكل صارخ اتفاق الدوحة ولم تحترم تأكيداتها للعالم بأنها لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل الإرهابيين لتهديد أمن الدول الأخرى".

طالبان تنفي

وقال مسؤول في طالبان، الخميس، إن الحركة تحقق في "إدعاءات" أميركية بأن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري قُتل في غارة بطائرة مسيرة في كابل، مؤكدا أنها لم تكن على علم بوجوده في المدينة. 

وذكر مسؤولون أميركيون أن واشنطن قتلت الظواهري بصاروخ أطلقته طائرة مسيرة بينما كان يقف في شرفة مخبأه في كابل يوم الأحد الماضي، في أكبر ضربة للتنظيم منذ مقتل أسامة بن لادن بالرصاص قبل أكثر من عقد.

وقال سهيل شاهين، ممثل طالبان المُعين لدى الأمم المتحدة ومقره الدوحة، للصحفيين في رسالة: "لم تكن الحكومة أو القيادة على علم بهذه المزاعم"، وأضاف "التحقيق جار الآن لمعرفة مدى صحة الإدعاءات"، مشيراً إلى أنه سيتم نشر نتائج التحقيق علناً.

والتزم قادة طالبان الصمت إلى حد كبير بشأن غارة يوم الأحد ولم يؤكدوا وجود أو مقتل الظواهري في كابل، وقالت ثلاثة مصادر في الحركة إن كبار قادة طالبان أجروا مناقشات مطولة بشأن كيفية الرد على الضربة الأمريكية.

وقال شاهين إن إمارة أفغانستان الإسلامية، الاسم الذي تستخدمه طالبان للبلاد وحكومتها، ملتزمة بالاتفاق الموقع في العاصمة القطرية الدوحة، بينما قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن طالبان "انتهكت بشكل صارخ الاتفاق باستضافة الظواهري وإيوائه".

لكن بروس هوفمان، الخبير في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في "مجلس العلاقات الخارجية" المختص بدراسة الإرهاب وتطور تنظيم القاعدة على مدى عقود، قال إن الظواهري "كان يتلقى معاملة كبار الشخصيات كابل وأنه يمكن للمرء أن يتخيل نوع المعاملة التي يتلقاها مسؤولو ومقاتلو القاعدة الآخرون".

ونبه هوفمان إلى أنه كان قد جرى إطلاق سراح 36 من كبار قادة القاعدة من السجن عندما وصلت طالبان إلى سدة الحكم في منتصف أغسطس من العام الماضي، مشيرا إلى أن وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، سراج الدين حقاني، يعد حليفا مقربا منذ فترة طويلة للتنظيم الإرهابي.

ولفت هوفمان إلى أن حلفاء آخرين للقاعدة من حركة طالبان قد جرى تعيينهم  مسؤولين عن أجهزة المخابرات وخدمات اللاجئين في البلاد وأعطوا مناصب إدارية مهمة في مختلف مقاطعات أفغانستان.

تحذيرات.. ومخاوف

ويحذر خبراء مكافحة الإرهاب من أن دعم طالبان للقاعدة قد يتجاوز مجرد تمكين قادتهم، إذ يقول الباحث البارز في معهد الدفاع عن الديمقراطيات، بيل روجيو، إن الحركة الأصولية قد تسمح مرة أخرى للقاعدة بإقامة معسكرات تدريب في البلاد، وأن أفغانستان قد تصبح منطلقا لتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية،بالإضافة إلى إدارة فروعها في اليمن وسوريا وجميع أنحاء أفريقيا.

وزاد روجيو: "مقتل الظواهري في كابول يكشف إلى أي مدى يعتقد تنظيم القاعدة أن أفغانستان قد أصبحت آمنة بما يكفي لقادتها لتجميع صفوفهم هناك وأنهم بإمكانهم أن يحصلوا على قسط من الراحة هناك".

ويرى روجيو أنه وحتى قبل أن تستعيد طالبان السيطرة على كابول في الصيف الماضي، فإنه قد كان هناك أدلة على أنها سمحت سابقًا للقاعدة بتدريب مقاتلين في مناطق أفغانستان الخاضعة لسيطرتها.

وأوضح أنه في العام 215، "وبينما كانت قوات التحالف الدولي تتواجد داخل البلاد، فقد سمحت الحركة الأصولية لذلك التنظيم الإرهابي بإقامة معسكرات تدريب في مقاطعة قندهار".

وقال روجيو، نقلاً عن وثائق وزارة الخارجية الأميركية، إن الجيش الأميركي قد أغار على المعسكر في أكتوبر من ذلك العام، مما أسفر عن مقتل العشرات من المتدربين في القاعدة.

ووصف الظروف في أفغانستان بأنها ناضجة لإنشاء معسكرات تدريب مماثلة، مضيفا: "لدى الجماعة الإرهابية الآن الوقت والمساحة لإعادة التنظيم والتجمع واستئناف الهجمات ضد الغرب".

وقدر تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 15 يوليو أن القاعدة لديها "ملاذ آمن" في أفغانستان، وأن لديها طموحات "ليتم الاعتراف بها مرة أخرى كزعيمة للتنظيمات الأصولية" في باقي أصقاع الكرة الأرضية..

وقال التقرير إن الجماعة، "لا يُنظر إليها على أنها تشكل تهديدًا دوليًا فوريًا من ملاذها الآمن في أفغانستان لأنها تفتقر إلى القدرة التشغيلية الخارجية ولا ترغب حاليًا في التسبب في أي مصاعب أو إحراج دولي لطالبان".

من جانب آخر، أوضح مسؤولو البيت الأبيض أن بايدن أرسل إشارة قاتلة بمقتل الظواهري، ويجب ألا يشعر قادة القاعدة بالأمان في العمل في أفغانستان.

وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم الإدارة الأميركية، جون كيربي، أمس الثلاثاء:  "أعتقد أنه إذا كنتم سوف تسألون بعض أعضاء القاعدة  عن مدى شعورهم بالأمان في أفغانستان في الوقت الحالي فسوف يجيبون أنها ليست ملاذا آمنا".