تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
الصين... ترسانة الأسلحة المقلّدة (COPY)

في الأول من أكتوبر 2019، أثناء الاحتفال بالذكري السبعين لإعلان جمهورية الصين الشعبية، وقف الرئيس الصيني شي جينبينغ، وسط ساحة تيان آن من بالعاصمة بكين، متباهيا بقوة بلاده العسكرية، وقال :"ما من قوة يمكنها أن تهز دعائم أمتنا العظيمة. ما من قوة يمكنها أن تمنع الشعب الصيني والأمة الصينية من المضي قدما".

خلف هذا العرض العسكري الضخم، الذي ضم أكثر من 15 ألف جندي ومئات الدبابات والصواريخ والطائرات الحربية، تاريخ طويل من التقليد والاستيلاء على تصميمات لأسلحة شرقية وغربية، ومليارات الدولارات الأميركية من النفقات العسكرية سنويا، دشنت بها الصين لنفسها موطئ قدم في سوق بيع السلاح عالميا.

"إجمالي إنفاق الصين الدفاعي عام 2021 نحو 300 مليار دولار أميركي هناك زيادة ثابتة متتالية على الأقل في الـ30 سنة الأخيرة".
المصدر: معهد ستوكهولم لأبحاث السلام

 وحدة التحقيقات الاستقصائية "الحرة تتحرى"، تشرح كيف تحوّلت الصين من مستورد للسلاح إلى مصنّع ومصدّر له، وتكشف دور  القرصنة الإلكترونية في تطوير صناعة بكين العسكرية اعتمادا على تصميمات مسروقة.

من الرفيق الشيوعي إلى الغرب

في أكتوبر  1949، عندما أعلن ماو تسي-تونغ تأسيس جمهورية الصين الشيوعية، لم يكن لدى بلاده قدرات عسكرية ضخمة تسمح بتأسيس جيش يلبي طموحاته.

 لم يجد مؤسس الدولة، أفضل من الاتحاد السوفييتي، صاحب الفكر العقائدي المشترك. وقتها، كان السلاح الصيني وإلى حد كبير، مصمما على غرار النموذج السوفييتي بكل أنواعه بما في ذلك الطائرات والسفن، بحسب المحلّل السياسي الصيني، فيكتور غاو.

يقول سيمون ويزمان، الباحث في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، إنه في البداية كان كل شيء مستوردا من الاتحاد السوفيتي وببطء جرى تصنيع الأسلحة السوفيتية في الصين"مضيفا لـ"الحرة"، أن بكين  حصلت على ترخيص بتصنيع أسلحة سوفيتية متنوعة كقاذفات إليوشن وتوبوليف ومقاتلات ميغ ودبابات تي، ولكن بعد أن أعطتها أسماء محلية صينية.

بعد نشوب خلاف عقائدي مع موسكو في مطلع الستينيات، وبحثا عن أسلحة وتكنولوجيا أكثر تقدما مما ينتجه السوفيت، لجأت الصين إلى دول غربية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في محاولة لتحديث جيشها

لم يدم هذا التعاون العسكري طويلا ، بسبب سجل الصين السيئ في حقوق الإنسان، إذ فرضت دول أوروبية ،حظرا على توريد الأسلحة إلى بكين في عام 1989 في أعقاب القمع الدموي للاحتجاجات الشعبية في ساحة "تيان آن من"، لكن وفقا لخبراء استمرت الصين في إنتاج أسلحة غربية بناء على ترخيص بتصنيعها أو باستخدام الهندسة العكسية، لنماذج حصلت عليها بالفعل.

يؤكد سيمون ويز، أن بعض هذه الأسلحة لاتزال الصين تصنعه محليا، مضيفا "من غير الواضح حجم التغيير الذي أُدخل عليها ولأي مدى يمكن للمصنعين الأساسيين الاعتراض على سرقة التصميمات أو تعديلها بشكل لم يعد يراعي اتفاقية الترخيص أو حقوق الملكية الفكرية".

بعد أقل من 3 سنوات على الحظر الغربي، انهار الاتحاد السوفييتي، عام 1991، وعادت الصين إلى حليفها القديم، روسيا التي  ورثت صناعة أسلحة ضخمة، وأزمة اقتصادية طاحنة، فتلاقت طموحات بكين العسكرية مع حاجة روسيا للمال.

يقول سيمون ويزمان، الباحث في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام "بحثت روسيا بيأس عن سوق لسلاحها وكانت الصين على الجانب الآخر متلهفة على مورد للأسلحة والتكنولوجيا لذا كان ذلك زواجا سعيدا".

استغلت الصين أزمة روسيا الاقتصادية الطاحنة عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، واشترت أسلحة حديثة، وتفاوضت  للحصول على ترخيص لتجميع الطائرات محليا، ما سمح لها لاحقا بسرقة تصميمات الطائرات الروسية، بحسب المعهد البحري الأميركي.

عملت روسيا في بعض الأحيان كقسم للبحث والتطوير في الصين عن غير قصد
المصدر: المعهد البحري الأميركي

ويضيف المعهد المتخصص في التحليلات العسكرية "باعت روسيا العشرات من أحدث مقاتلاتها من طراز سوخوي – 27 للصين التي تفاوضت للحصول على ترخيص لتجميع الطائرات محليا وفي غضون بضع سنوات ادعت بكين أن المقاتلة لم تلب احتياجاتها وألغت العقد، قبل أن يستشيط الروس غضبا عندما أعلن الصينيون عن المقاتلة الجديدة شنيانغ J – 11 ... المصنوعة محليا والتي كانت نسخة طبق الأصل من سوخوي – 27".

الصين في سوق تصدير السلاح

منذ ستينيات القرن الماضي، واعتمادا على الاستنساخ وسرقة التصميمات، دخلت الصين قائمة الدول المصدرة للسلاح ، قدمت إنتاجها العسكري المقلّد لدول محددة لاعتبارات سياسية وبشروط غاية في السخاء، بحسب مؤسسة RAND للأبحاث.

وتضيف المؤسسة الأميركية أن سياسة الصين الخارجية في ذلك الوقت كانت أيديولوجية للغاية وأهم عمليات الإمداد بالسلاح جرت لأسباب أمنية، مشيرة إلى أنها قدمت أسلحة ومساعدات عسكرية لألبانيا وكوريا الشمالية لإبقائهما مستقلتين عن موسكو كما تقاربت مع باكستان كونها خصما إقليميا رئيسيا للسوفييت وعلى الرغم من أن أيديولوجيتها ... لا علاقة لها بالماوية".

لكن في أواخر السبعينيات، حدث تحول جوهري في نهج الصين تجاه عمليات تصدير الأسلحة، عندما بدأت في البيع لعملاء جدد. ظهر ذلك أثناء حرب الخليج الأولى عندما باعت سلاحا لطرفي النزاع، العراق وإيران، بقيمة تفوق 6 مليارات دولار أميركي، بحسب بيانات معهد ستكهولم للسلام.

لكن جودة الأسلحة التي صدرتها الصين للعراق وإيران، كانت ذات تقنية منخفضة وتتكون من نسخ من معدات سوفيتية تنتمي للخمسينيات والستينيات وغالبا ما استُخدمت لتجهيز وحدات الخط الثاني في الجيشين، بحسب مؤسسة RAND للأبحاث.

رغم جودة الأسلحة الصينية المشكوك فيها، فإنها تقدمت على لائحة الدول المصدّرة للأسلحة لتصبح بحلول عام 2016 ضمن الخمسة الكبار بنسبة تجاوزت 5 بالمئة من حجم تجارة السلاح العالمية وبقائمة عملاء بلغت 51 دولة، بحسب بيانات معهد ستكهولم للسلام.

يفسر سيمون ويزمان توسع بكين في حجم مبيعات الأسلحة، بتساهلها في شروط التصدير "إذا كنت ترغب في شراء أسلحة من الصين فلا مانع لديها ولن تسبّب لك أي مشكلة سواء كنت تقوم بانقلاب عسكري أو لديك قضايا تتعلّق بحقوق الانسان".

خلال السنوات الماضية، اقتحمت الصين أسواقا جديدة في الشرق الأوسط، وباعت عشرات الطائرات بدون طيار للسعودية والامارات ومصر والعراق والأردن، وجرى استخدامها بكثافة في نزاعات المنطقة مثل الحرب في اليمن والنزاع المسلح في ليبيا، وفق موقع Defense News.

خلال عام 2022، شهدت قائمة عملاء الصين تحولا دراميا، وقلبا للأدوار في العلاقة العسكرية بين بكين وموسكو والتي بدأت قبل أكثر من سبعة عقود، إذ طلبت روسيا مساعدة عسكرية لمواصلة غزوها لأوكرانيا، كصواريخ أرض جو وطائرات بدون طيار ومركبات مدرعة ولوجستية، بحسب صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.

هذا الخطوة، وفق الباحث في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، سيمون ويزمان، قد تؤدي إلى قفزة كبيرة في حصة الصين من سوق بيع الأسلحة عالميا، مشيرا إلى أن تطوير بكين للأسلحة يفوق ما تقدر عليه موسكو ومن الممكن جدا أن تكسب الصين جزءا من حصة روسيا في سوق السلاح العالمي.

القرصنة الإلكترونية

لم تكتف الصين باستنساخ العشرات من نماذج الأسلحة العالمية، وبيعها محققة مكاسب مادية، لكنها توسعت بخطوة جديدة وفق تقارير دولية، بالاستيلاء على حقوق الملكية الفكرية لكبرى شركات تصنيع السلاح في العالم عبر القرصنة الإلكترونية.  

تفضل بكين سرقة التصميمات والتكنولوجيا بدلا من استثمار سنوات وإنفاق الكثير من المال في تطويرها، وفق الخبير العسكري الأميركي بيتر بروكس. 

بحسب المعهد البحري الأميركي، نقلا عن مسؤولي دفاع في الولايات المتحدة، فإن قراصنة عسكريين صينيين نجحوا في سرقة وثائق فائقة السرية في عدد من المناسبات من بينها بيانات تقنية وحساسة تعرضت للاختراق وظهرت نتائجها واضحة في الإصدارات الأخيرة للعديد من الأسلحة الصينية .

وبينما تُنكر بكين تلك الاتهامات، كشفت شركة مانديانت الأميركية، التي تعد واحدة من أكبر كيانات الأمن السيبراني في العالم عن نشاط متواصل لمجموعات قراصنة صينين منذ عام 2006، بحسب كريستيانا كيتنر محللة التجسس السيبراني في الشركة.

من بين وحدات التجسس التي تتبعتها شركة مانديانت للأمن السيبراني، كانت Advanced Persistent Threat، أو التهديد المتطور والمستمر والمعروفة اختصارابـ APT، وهي مجموعات عنقودية من القراصنة يتغير رقمها التسلسلي بحسب استراتيجياتها وأهدافها من APT واحد و حتى APT واحد واربعون،  وتعمل وغيرها من مجموعات القرصنة الصينية تحت الإشراف الكامل لحكومة بكين.

تربط محللة التجسّس السيبراني في شركة مانديانت، كريستيانا كيتنر بين تولى شي جينبينغ، زمام الحكم في الصين، والتوسع في القرصنة على شركات تصنيع الأسلحة. وتقول كيتنر إن الرئيس الصيني كان بحاجة إلى السيطرة على عمليات التجسس، و توحيدها تحت وكالة واحدة، هي قوة الدعم الاستراتيجي التي ترفع تقاريرها مباشرة إليه. لسنوات طويلة لاحقت وزارة العدل الأمريكية العديد من أعضاء APT ، ووضعتهم ضمن قوائم المطلوبين بتهم التجسس الإلكتروني.

سرقة الأسلحة الأميركية

في مارس 2016، كشفت وزارة العدل الأميركية اعترافات مواطن صيني بمشاركته في مؤامرة استمرت لسنوات لاختراق شبكات الكمبيوتر الخاصة بشركات السلاح في الولايات المتحدة.

بحسب بيان وزارة العدل، اتهمت شكوى جنائية ولوائح اتهام لاحقة في مدينة لوس أنجلوس، رجل الأعمال الصيني المتخصص في مجالي الطيران والفضاء، سو بين، لدوره في مؤامرة إجرامية لسرقة بيانات تقنية وعسكرية لطائرة النقل الاستراتيجي C 17 وبعض المقاتلات المُنتَجة لحساب القوات المسلحة الأميركية.

في نفس العام الذي أُعلن فيه عن تلك القضية، دخلت طائرة النقل العسكرية (Xi’an Y 20) الخدمة في سلاح الجو الصيني، وهي نسخة مقلدة من (C 17  الأميركية) التي اعترف رجل الأعمال الصيني بسرقة تصميماتها.

بين عامي 2007 و2008، رجحت تقارير صحفية احتمال مسئولية الصين عن تعرض شركة لوكهيد مارتن الأميركية لهجمات إلكترونية متكررة، نتج عنها سرقة معلومات خاصة بالمقاتلة F 35 التي تصنعها الشركة.

شكوك مسؤولي البنتاغون حول مدى مسؤولية الصين عن تلك الهجمات ، ازدات عام 2016 عندما قدمت بكين طائرتها الجديدة "تشنغدو J 20"، الملقبة بالتنين الجبار، بسبب التشابه الواضح في التصميم مع F 35 والتطابق في واجهة الأجنحة الأمامية وأنابيب العادم المدمجة داخليا، بحسب مجلة ناشيونال إنترست الأميركية.

لائحة سرقة الصين للمعدات الأميركية، امتدت لتشمل مروحيات هجومية وطائرات بدون طيار وأسلحة أخرى متعددة، وفقا للمعهد البحري الأميركي.

رغم التوسع، في تقليد وسرقة تكنولوجيا الأسلحة، يشكك خبراء، وتقارير دولية، في فعالية الأسلحة المصنوعة في الصين، ويقول الخبير العسكري الأميركي، بيتر بروكس إن جودة الأسلحة الصينية  ليست بكفاءة أو اعتمادية الأسلحة الأميركية أو الروسية أو الأوروبية.

ويرى المعهد البحري الأميركي أن مشكلة جميع الأسلحة الصينية بما في ذلك نسخ المعدات الغربية، أنها لا تزال غير مختبرة في ظروف حرب حقيقية، ومن غير المعروف كيف سيكون أداؤها، مضيفا أنها قد تكون أقل تكلفة من نظيراتها الغربية لكن العديد من الدول مترددة في المخاطرة بالحصول على منتجات لم تجتاز اختبار القتال النهائي.

شاهد النسخة التلفزيونية من التقرير: