
في الرابع من يوليو لعام 2023 تتم الولايات المتحدة 247 عاما من الاستقلال عن التاج البريطاني.
وفي هذا اليوم، وأينما تواجدت في الولايات المتحدة، ستجد طريقة مميزة للاحتفال، بين عروض الألعاب النارية ومواكب الاحتفال والفعاليات الاحتفالية على اختلاف أشكالها.
ويتجدد الاحتفال بعيد الاستقلال ليذكر بالحرية والأمل غير المحدود الذي تمثله الولايات المتحدة، إذ يرى كثيرون حول العالم أن الولايات المتحدة لا تزال تعتبر "أرض الفرص" وواحدة من أكثر البلدان المرغوبة للانتقال إليها، لما تقدمه من أسلوب حياة ومعيشة ممتازة بين الاقتصادات المتقدمة من حيث التكنولوجيا والترفيه والتعليم. فكيف بدأ كل ذلك؟

قانون "الطوابع" و"حفلة شاي بوسطن"
شرارة الثورة الأميركية التي ظهرت في مستعمرة ماساتشوستس كانت وليدة أعوام من الاضطرابات في العلاقات مع بريطانيا، والتي كان من أشهرها ما عرف باسم قانون "الطوابع" و"حفلة شاي بوسطن".
قانون الطوابع الذي أصدرته بريطانيا عام 1765، استهدف تعظيم الموارد المالية لدعم الجيش البريطاني في أميركا الشمالية وعملياتها العسكرية الأخرى، بفرض شراء طوابع على سكان المستعمرات لتمرير معاملاتهم المختلفة.
وبدأت الاحتجاجات تظهر حينها من قبل البعض الذين رفعوا شعارات "لا ضرائب من دون تمثيل" ما أجبر البرلمان البريطاني على سحب القانون في 1766.
وفي عام 1773 أقر البرلمان البريطاني قانون الشاي، والذي أعطى ميزة لشركة بريطانية هي شركة الهند الشرقية التي تتحكم بتجارة هذه السلعة، ومنحها ما يشبه الإعفاء عن الرسوم المفروضة عليها بنسبة 25 في المئة، وجاء هذا على حساب التجار المحليين في المستعمرات الأميركية.
وردا على هذا القانون، بعدما رست ثلاث سفن تابعة لشركة الهند الشرقية في ميناء بوسطن، تنكر ناشطون بملابس أشخاص من هنود "الموهوك" وصعدوا على متن هذه السفن، وأفرغوا الشاي في مياه المرفأ كاحتجاج سياسي على ممارسات بريطانيا ضدهم، لتصبح تعرف باسم حادثة "حفلة شاي بوسطن".
لكن الأسباب الاقتصادية وحدها ليست ما حفز الثورة الأميركية. رجال الدين في أميركا لعبوا دورا هاما في التحفيز للحرب ضد التاج البريطاني، بحسب ما يؤكد مؤرخون اعتبروا أن "الشكاوى الدينية في تلك الفترة كانت حافزا مهما للحرب".



ما هي قصة الاستقلال؟
قصة استقلال الولايات المتحدة بدأت في فبراير 1775، حيث اشتعل غضب الأميركيين خاصة في مستعمرة ماساتشوستس بعد سنوات مضطربة، أقر فيها البرلمان البريطاني ضرائب وإجراءات تعسفية.
وفي هذا الشهر اعتبرت بريطانيا ماساتشوستس مستعمرة في حالة تمرد. وفي أبريل من العام ذاته، اندلعت المعارك الأولى في الثورة ضد القوات البريطانية بمدينة بوسطن، التي شارك فيها عدد قليل من المستعمرات، ولكن بحلول منتصف العام التالي، انضمت معظم المستعمرات للثورة.
في تلك الفترة كانت "المستعمرات" التي يبلغ عددها 13 مستعمرة شكلت "كونغرس" يضم ممثليها بعد بدأ الاحتجاجات على الضرائب التي كانت مجبرة على دفعها للتاج البريطاني، رغم عدم وجود تمثيل لهذه المستعمرات في البرلمان البريطاني.
ومع تنامي الاعتراضات على دفع الضرائب دفع هذا الملك جورج الثالث لإرسال حملة لإخماد ما قد يصبح تمردا على الاحتلال البريطاني حينها.
ومع تسارع الأحداث، اجتمع ممثلو المستعمرات في الكونغرس، وكلفوا الجنرال المتقاعد جورج واشنطن بتشكيل جيش يمثل المستعمرات الـ13، التي أصبحت فيما بعد الولايات المؤسسة للدولة.
الجيش الأميركي الجديد حاصر بوسطن وطرد القوات البريطانية منها، كما اشتبك مع القوات البريطانية في مختلف أنحاء القارة من كندا شمالا إلى ساوث كارولينا جنوبا.

وفي 7 يونيو عام 1776، اجتمع الكونغرس في مدينة فيلادلفيا بولاية بنلسفانيا، فيما أصبح يعرف لاحقا بقاعة الاستقلال. هناك، قدم مندوب فرجينيا ريتشارد هنري لي اقتراحا يدعو إلى استقلال المستعمرات عن بريطانيا.
وبعد جدل، أرجأ الكونغرس التصويت على قرار لي، لكنه عين لجنة من خمسة أعضاء هم: توماس جيفرسون من فيرجينيا، وجون آدامز من ماساتشوستس، وروجر شيرمان من ولاية كونيتيكت، وبنجامين فرانكلين من بنسلفانيا، وروبرت آر ليفينغستون من نيويورك، لصياغة إعلان الاستقلال عن بريطانيا.
وفي 2 يوليو من نفس العام، صوت الكونغرس القاري في شبه إجماع لصالح قرار الاستقلال. وفي الرابع من يوليو، اعتمد الكونغرس رسميا إعلان الاستقلال، وهي الوثيقة التي كتبها جيفرسون.
وكانت من أهم مواد إعلان الاستقلال أن جميع الأشخاص "خُلقوا متساوين، وأنهم يمتلكون حقوقا بديهية لا يمكن التصرف فيها"، من بينها "الحق في الحياة، والحرية، والسعي وراء السعادة".
بعد نشر الإعلان خرج الأميركيون في ولايات عدة وقطعوا لافتات وهدموا تماثيل تعبر عن السيادة البريطانية.
من جانبها، ردت بريطانيا بإصدار منشورات ترفض إعلان الاستقلال. واستمرت المعارك لمدة 5 سنوات بعد إعلان الاستقلال، تحالف فيها الأميركيون مع فرنسا وإسبانيا والقبائل السكان الأصليين، وتغلبوا على البريطانيين في الشمال قبل أن تتركز المعارك في الجنوب.
وفي أكتوبر 1781، حقق الأميركيون الانتصار في آخر المعارك في يوركتاون بولاية فيرجينا.
بعد عامين على هذا الانتصار، في 3 سبتمبر 1783، وقعت بريطانيا والولايات المتحدة اتفاقية سلام في باريس، اعترفت فيها بريطانيا بالاستقلال الأميركي.
وكتب جيفرسون الوثيقة المعروفة بـ"إعلان الاستقلال"، ووافق الكونغرس عليها وفعلها كقانون في العام ذاته، ليقام أول احتفال بعيد الاستقلال في العام اللاحق، 1777، في مدينة فيلادلفيا



وثيقة إعلان الاستقلال
تتكون وثيقة إعلان الاستقلال من سبع مواد أساسية ومبادئ عامة، وأحد أهم مبادئها التي أصبحت من أهم حقوق الإنسان والتي تقول "إن جميع البشر خلقوا متساوين، وأنهم وهبوا من خالقهم حقوق غير قابلة للتصرف، وأن من بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية والسعي وراء السعادة".
وتركز أول ثلاث مواد من الوثيقة على الصلاحيات الممنوحة للسلطات والحكومة الفيدرالية والتي تضم: السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
أما المادة الرابعة تنظيم العلاقات بين الولايات المختلفة، والمواد الخامسة والسادسة والسابعة تتحدث عن الدستور وتشكيله والمصادقة عليه.
وتوجد نسخة الوثيقة الأساسية التي تعود إلى عام 1776 في الأرشيف الوطني بالعاصمة واشنطن.
وكانت قد أعلنت المكتبة البريطانية في عام 2017 عن عثورها على نسخة نادرة من إعلان استقلال الولايات المتحدة ضمن أرشيف في جنوب إنكلترا.
وخزنت المخطوطة المكتوبة بخط اليد، لأكثر من 60 عاما في غرفة وسط مجموعة كبيرة من الوثائق في مكتب سجلات وست ساسكس، إلى أن كشفت دانييل ألين وإميلي سنيف وهما باحثتان بجامعة هارفارد النقاب عن أهميتها.
وقالت ويندي ووكر مسؤولة الأرشيف في مكتب السجلات بشيشستر لوكالة رويترز حينها "هذه الوثيقة تثير تساؤلات أكثر مما تجيب.. كيف وصلت إلى ساسكس وكيف انتهى بها الحال إلى هنا؟".


قصة الرابع من يوليو

والاحتفال بعيد الاستقلال من كل عام يوافق الرابع من يوليو رغم أنه لم يكن اليوم الذي أعلن فيه الاستقلال عن التاج البريطاني، وهو يوم 2 من يوليو 1776.
كما لم يكن هذا اليوم الذي بدأت فيه الثورة الأميركية، والذي كان في أبريل 1775، كما أنه لم يكن اليوم الذي خط فيه توماس جيفرسون، المسودة الأولى لإعلان الاستقلال، فقد كان ذلك في يونيو 1776.
كما أنه ليس اليوم الذي تم فيه تسليم إعلان الاستقلال إلى بريطانيا، بل حدث ذلك في نوفمبر 1776.
اختيار الرابع من يوليو ليوم الاستقلال جاء لأنه اليوم الذي وافق فيه الكونغرس الذي يضم ممثلو 13 عشر مستعمرة بريطانية، على الصياغة النهائية لإعلان الاستقلال، بعد مناقشات دامت يومين.
في المئة عام الأولى، لم يكن الأميركيون يحتفلون بهذا اليوم، ولكن في عام 1870، أعلن الكونغرس لأول مرة يوم 4 يوليو وطنية كجزء من مشروع قانون للاعتراف رسميا بالعديد من العطلات.

الاستقلال والعبودية

في الخامس من يوليو عام 1852 ألقى فريدريك دوغلاس خطابا بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال في كورينثيان هول في روتشستر بنيويورك سأل فيه " ماذا يعني الرابع من يوليو بالنسبة للعبيد؟".
ودوغلاس كان عبدا ثم أصبح كاتبا وأحد انصار التحرر من العبودية والدفاع عن حقوق ذوي البشرة السوداء.

وينص إعلان الاستقلال على أن "جميع الناس خلقوا متساوين. خالقهم منحهم حقوقا معينة غير قابلة للتصرف، ومن بينها الحياة والحرية وتحقيق السعادة"
وأضاف دوغلاس في خطابه "اللاذع" أن "الرابع من يوليو هذا لك، وليس لي، يمكنك أن تفرح يجب أن أحزن"، معربا في الوقت ذاته عن تقديره لإعلان الاستقلال والتزامه بـ"الحياة والحرية والسعادة"، ومعتبرا أن الأباء المؤسسين كانوا يعلون من مثلهم العليا في الحرية، ولكن هذا الأمر فيه نوع من "النفاق" باستمرار وجود العبودية على الأراضي الأميركية.
ويسأل دوغلاس عن معنى "الاستقلال للأميركيين الأفارقة المستعبدين الذين يعانون من عدم المساواة والظلم"، وقال في كلمته "أيها المواطنون. عفوا. أسمحوا لي أن أسأل. لماذا أنا مدعو للتحدث هنا اليوم؟ ما علاقتي أنا ومن أمثلهم باستقلالكم الوطني؟ هل المبادئ العظيمة للحرية السياسية والعدالة الطبيعية المتجسدة في إعلان الاستقلال تمتد إلينا؟".



ويقول إعلان الاستقلال "إن جميع الرجال خلقوا متساوين"، على الرغم من أن "النساء والأشخاص المستعبدين والأميركيين الأصليين لم يكونوا متساوين في ذلك الوقت"، وفق تقرير نشرته شبكة "أن بي أر".
ويرجح تقرير سابق نشره موقع "فوكس" أن استقلال الولايات المتحدة كان ربما خطأ لثلاثة أسباب: لو بقيت المستعمرات الأميركية تابعة للأمبراطورية البريطانية كانت العبودية ستلغى في وقت أبكر، إذ أنها ألغيت في عام 1834 في بريطانيا والمناطق التابعة لها، فيما صدر إعلان تحرير العبيد في الولايات المتحدة في عام 1863.
السبب الثاني، أن استقلال الولايات المتحدة كان سيئا للأميركيين الأصليين، إذ أن بريطانيا قبل ذلك كانت تفرض قيودا صارمة على الاستيطان الغربي في مختلف المناطق لتجنب النزاعات الحدودية مع "الهنود الأميركيين"، وهو ما جعل المستعمرين الأميركيون ينظرون إليهم كـ"رعايا للتاج البريطاني" الذين يمثلون عقبة أمام تملك الأراضي.
أما السبب الثالث، يتوقع التقرير أنه لو بقيت الولايات المتحدة تابعة لبريطانيا ربما لأصبح النظام السياسي "ديمقراطيا برلمانيا" بدلا من "ديمقراطي رئاسي".

الألعاب النارية وعيد الاستقلال

رغم تنوع طرق الاحتفال بعيد الاستقلال إلا أن إطلاق الألعاب النارية يعتبر أمرا مشتركا أساسيا في جميع المدن.
خلال أول أحتفال بمرور عام على إعلان الاستقلال أطلقت 13 طلقة نارية مرتين خلال اليوم، صباحا ومساء، والتي تبعتها مأدبة عشاء للكونغرس وألقيت الخطب والصلوات وتبعها استعراض للألعاب النارية.
وتشير تقديرات الرابطة الأميركية للألعاب النارية إلى أن الولايات المتحدة تشهد خلال هذا اليوم إطلاق الألعاب النارية في 16 ألف فعالية، فيما يختلف الإنفاق عليها في كل مدينة وبما يتراوح بين 8 إلى 15 ألف دولار، فيما تنفق بعض الولايات أكثر من مليوني دولار بحسب تقديرات تعود لعام 2014.

وخلال الرابع من يوليو تقوم بعض المتاجر الكبيرة بعروض خاصة بها، حيث تطلق مجموعة متاجر "ميسز" في عرض مميز كل عام أكثر من 75 ألف طلقة ألعاب نارية تقدر تكلفتها بنحو 6 ملايين دولار.
ورغم المظاهر الاحتفالية بالألعاب النارية إلا أنها تسببت في بعض الآحيان بحدوث مآسي، وخلال الأعوام 1903 وحتى 1910 أدت حوادث في هذا اليوم بوفاة أكثر من 1500 شخصا وإصابة أكثر من 5 آلاف شخص بجروح، بحسب بيانات الجمعية الطبية الأميركية.
ووفق هيئة سلامة المنتجات الاستهلاكية في الولايات المتحدة لا تزال عطلة الرابع من يوليو من أخطر الأيام التي تتسبب في إرسال أشخاص للمستشفيات بسبب إصابات الألعاب النارية، إذ تسببت في إصابة أكثر من 9000 شخص في 2018 غالبيتهم من الذكور وأعمارهم تتراوح بين 10 إلى 30 عاما.
وبسبب هذه الحوادث تحاول بعض الولايات فرض قيود على استخدام الألعاب النارية، ومنها ولاية ماساتشوستس التي أعلنت حظرا على استخدام الألعاب النارية التجارية في قرار حمل عنوان "اترك الألعاب النارية للمحترفين".
وتنتقد تقارير إعلامية خلال السنوات الماضية الاحتفالات بعيد الاستقلال التي لا يستفيد منها أحد سوى المصانع في الصين، والتي تقوم بتوريد كميات مهولة من الألعاب النارية، ومعدات الشواء، وحتى الأعلام الأميركية.

تمثال الحرية ويوم الاستقلال

وفي عام 1886 واحتفالا بمئة عام على استقلال الولايات المتحدة، أهدت فرنسا لأميركا تمثال الحرية والذي أصبح معلما تاريخيا في نيويورك، ليعكس المبادئ التي تأسست عليها البلاد.
ووضع التمثال في منتصف جزيرة أليس، وهو من نحت الفنان الفرنسي فريديريك أوغست بارتولدي والذي أنجزه بمساعدة المهندس غوستاف إيفل، ليصبح حينها أطول بناء أو مجسم في مدينة نيويورك.
ويجسد التمثال المرأة التي تتحرر من قيود العبودية والاستبداد، وهي تمسك في يدها اليمنى مشعلا يرمز للحرية، وفي يدها اليسرى كتابا عليه أحرف باللغة الرومانية تحمل تاريخ الرابع من يوليو 1776، موعد إعلان استقلال الولايات المتحدة.

والتمثال يجسد الآلهة الرومانية "ليبرتاس"
واسمه بالكامل Liberty Enlightening the World وتعني
"الحرية تنير العالم"، ويبلغ طوله من القاعدة وحتى
الشهلة حوالي 92 مترا، ووزنه يتجاوز الـ 225 طنا.

غطيت شعلة التمثال أثناء عملية ترميمه في 1986 بصفائح رقيقة من الذهب، وعلى التاج سبعة رؤوس مدببة ترمز للقارات السبع، في إشارة لملائمة معاني التمثال لجميع دول العالم.

بالقرب من إحدى قدمي التمثال توجد سلاسل محطمة ترمز للانتصار على القمع،
بينما تتخذ القدم الأخرى وضع الحركة.
