تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
شبكة سعودية في قبضة التدقيق

"بدأت الحرب، الحوثيون يفرون من معسكراتهم في الحديدة".

"مبعوث كبير من قبل الحوثيين يطلب زيارة عاجلة إلى الرياض لطلب التوسط في وقف الحرب".

"القوات الحوثية ترد بقوة على البوارج الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر".

"إسقاط طائرة F22 الأمريكية فوق صنعاء."

ما سبق لم يحصل منه أي شيء على أرض الواقع، إنما هي نماذج لأخبار زائفة نشرها حساب إخباري يتابعه مئات الآلاف على منصة "إكس" في الثاني عشر من يناير، بالتزامن مع الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا للحوثيين.

في يوم واحد استطاع الحساب أن يضخ لمتابعيه هذا الكم الهائل من المعلومات الزائفة ويضعهم في أجواء حرب عالمية، متلاعباً بانطباعاتهم، ومشوهاً الحقائق حول ما جرى، في وقت تمارس فيه العشرات من هذه الحسابات هذا النوع من التضليل بشكل يومي على مدى سنوات.

"الحرة ديجيتال"، وفي إطار العمل على مكافحة انتشار الأخبار الزائفة، أجرت سلسلة تحقيقات رصدت من خلالها أبرز أدوات وأنماط التزييف الرائجة، فضلاً عن تدقيق عشرات الأخبار المزيفة التي لاقت انتشاراً واسعاً، وكان لافتاً ظهور متكرر لصفحات محددة على منصة "إكس"، شكلت على مدى سنوات مصدراً رئيسياً لخلق ونشر الأخبار الزائفة والمضللة، بتوجه تحريري يخدم أجندات سياسية محددة. 

 صفحات "الأحداث" الزائفة  

يعود نشاط تلك الصفحات وظهورها كمصدر للأخبار المزيفة إلى ما قبل الحرب في غزة بفترة طويلة، حيث لعبت أدواراً بارزة في نشر الأخبار المضللة خلال أحداث عالمية مفصلية منذ العام 2020، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 وأحداث اقتحام الكابيتول في الولايات المتحدة عام 2021، والانتخابات الأميركية عام 2020، مروراً بمعظم أحداث عام 2023 التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، كونها تستهدف الجمهور الناطق باللغة العربية.  

 أبرز تلك الصفحات المعروفة على نطاق واسع بين مستخدمي منصة "إكس" الناطقين بالعربية هي حسابات شبكة "الأحداث"، وعلى رأسها صفحة "الأحداث الأمريكية" التي أنشأت عام 2020، وتقدم نفسها على أنها "المنصة العربية الأولى لتغطية الأخبار الأمريكية أولاً بأول من شبكة الأحداث الإعلامية" بحسب التعريف المرفق.
 
يمثل حساب الأحداث الأمريكية "الصفحة الأم" لشبكة حسابات "الأحداث"، وهو أكثرها متابعةً مع ما يزيد عن مليون و800 ألف متابع، يروج من خلالهم لباقي الحسابات التابعة لهذه الشبكة.

كان للحساب توأم في الأسلوب والمحتوى تحت اسم "الأحداث الروسية"، نشط على مدى سنتين لاسيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وكان يتجاوز عدد متابعيه الـ 700 ألف متابع، قبل أن يختفي في ظروف غامضة في سبتمبر 2023، ويظهر مكانه حساب جديد بالمسمى والتعريف نفسه، ولكن مع 4 آلاف متابع فقط.

إلى جانب الحسابين الكبيرين، تغص منصة "إكس"، بالحسابات الناطقة بالعربية التي تحمل اسم "الأحداث" إلى جانب اسم الدولة المعنية، أو موضوع المحتوى، مثل: "الأحداث الإيرانية، الأحداث الصينية، الأحداث الأوروبية، الأحداث السعودية، الأحداث العربية، الأحداث الدولية، الأحداث اللبنانية، الأحداث العقارية، الأحداث الحربية، الأحداث الرياضية..."

وعلى الرغم من تمايز الحسابات بالأسماء والصور المستخدمة والتعريفات، يجتمع معظمها على بث المحتوى الإخباري نفسه وتناقله فيما بينها، بالأسلوب ذاته وبشكل منظم إلى حد كبير.

ومن العدد الكبير لهذه الحسابات، تبرز 5 حسابات على وجه التحديد، تبدو أكثر ارتباطا وتنسيقا فيما بينها، وتجمعها علاقة عضوية أكثر وضوحاً، فرغم اختلاف المحتوى، تتشارك الشعار نفسه (اللوغو) والتصميم ذاته لكلمة "الأحداث"، كما تدعم بعضها البعض في نشر وترويج المحتوى لإيصاله إلى النسبة الأكبر من الجمهور، وزيادة عدد المتابعين للصفحات الأقل متابعة بينهم، وهي: "الأحداث الأمريكية، الأحداث السعودية، الأحداث العقارية، الأحداث الرياضية"، وحديثاً نشأت صفحة "الأحداث اللبنانية".

كيف تعمل؟

تقوم استراتيجية هذه الصفحات على نشر عدد كبير من الأخبار يوميا، ويقتصر الخبر في كثير من الأحيان على العنوان فقط دون تفاصيل أو إيضاحات.

تحقيق "الحرة ديجيتال"، ركز في بحثه على تواريخ محددة ومتفرقة شهدت ذروة في التطورات والأحداث، مثلت عينات عما تمارسه تلك الصفحات بصورة يومية.

وعليه تركز التدقيق على صفحة "الأحداث الأمريكية" كنموذج، من أجل تبيان مدى التزييف والآليات المعتمدة فيه، إضافة إلى تأثر وتيرته بالأحداث الجارية. وتمحورت التواريخ المختارة حول حرب غزة، بهدف تقريب الأمثلة زمنياً وتوضيح الفروقات.

اليوم الأول الذي واكبه التحقيق كان الخامس من أكتوبر 2023، أي قبل يومين من هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل.

نشرت الصفحة 27 خبراً بينها 4 أخبار مزيفة، و8 أخبار تروج لتصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاجم خلالها الولايات المتحدة والدول الغربية وهدد بالأسلحة النووية، فيما نشرت فيديو يقتطع حديثاً للرئيس الأميركي جو بايدن ويضعه في سياق مختلف ليزعم تردداً أميركياً في دعم أوكرانيا.

هذا العدد كان يمثل قبل اندلاع الحرب في غزة، المعدل اليومي تقريباً لنشاط الحساب في الأيام التي لا تشهد أحداثاً فريدة، من ناحية عدد الأخبار ونسبة المزيف منها.

لكن في السابع من أكتوبر، وبالتزامن مع هجوم حماس المفاجئ، تغيرت استراتيجيات النشر، وفي ظل عاصفة المعلومات والأخبار المرافقة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي نشرت صفحة "الأحداث الأمريكية" 168 خبراً في سياق تغطيتها للأحداث.

وكما هو الحال بالنسبة لبقية الأيام، أجرت "الحرة ديجيتال"، تدقيقاً لكافة الأخبار الواردة في ذلك اليوم، ليتبين أن 14 منها كانت عارية عن الصحة، تمحورت حول تفاصيل الهجوم والخسائر الناتجة عنه وهويات الرهائن، وردود الفعل اللاحقة للهجوم، فضلاً عن تحريف العديد من التصريحات ووضعها في سياقات مختلفة.

اللافت في ذلك اليوم، أنه وعلى الرغم من عدم كون الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شخصية رئيسية في الحدث، خصصت الصفحة لموقف زيلينسكي من هجوم حماس 6 منشورات، ركزت على موقفه الداعم لإسرائيل، حتى بعد مضي ساعات على تصريحه حول الهجوم.

كما قامت في هذا السياق بالتلاعب بتصريحات زيلينسكي وتحريف ترجمتها إلى العربية، ونسبت له استعدادا لتقديم دعم عسكري لإسرائيل، لم يرد في تصريحه، فيما بدا كمحاولة لتحريض المتابعين، المعادين لإسرائيل، على الرئيس الأوكراني، في سبيل خدمة الدعاية الروسية.

تكرر ذلك مع استمرار الحرب، بالإضافة إلى انتقاء التصريحات الروسية وإظهارها بمظهر الداعم المطلق للفلسطينيين، مع مقارنتها بالتصريحات الأميركية والغربية، للتأثير على القراء الداعمين لفلسطين.

في 27 أكتوبر، الذي تزامن مع إعلان إسرائيل بدء عملياتها البرية في غزة، نشر الحساب 65 خبراً بينها 10 أخبار زائفة، تركزت على تزييف تصريحات لعدد من الشخصيات، مثل سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة وهنري كسينجر وحسن نصرالله وغيرهم، ونسب أخبار ميدانية وعسكرية لوسائل إعلامية غربية وإسرائيلية زوراً، وفبركة أخبار لا أساس لها، تمحورت حول خسائر الجيش الإسرائيلي، وانتشار القوات الأميركية والتطورات الميدانية.

وتظهر الرسوم البيانية كيف ارتفع نشاط الحساب في بث الأخبار مع بدء الحرب في غزة في السابع من أكتوبر، وفي الوقت نفسه كيف ارتفعت أعداد المتابعين مع توالي أيام الحرب.

في اليوم التالي، بتاريخ 28 أكتوبر، نشرت الصفحة خبراً زائفاً روجت له وسائل الدعاية الروسية حول تكبد القوات الأميركية خسائر فادحة في غزة أثناء محاولتها تحرير رهائن في قبضة حماس. وكان مصدر هذا الخبر قناة "روسيا اليوم" ووكالة "سبوتنيك"، التابعتين للحكومة الروسية.

فضلاً عن ذلك، حرص الحساب على إبراز مواقف السعودية تجاه الحرب، لحد تصوير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أنه "العربي الوحيد الذي وقف بجانب فلسطين" حسب ادعاء منسوب لوسائل إعلام أميركية.

وفي الأيام التالية وفي سبيل تمجيد الرئيس الروسي، استعادت الصفحة تصريحات قديمة له تتحدث عن استعداده للتعاون مع العالم الإسلامي، بينما نسبت تصريحات لترامب يقول فيها ان حماس كانت على تنسيق دائم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

في 10 نوفمبر: 43 خبراً، بينها 8 أخبار مزيفة، كان أبرزها خبر يستهدف شركة قهوة تركية، ادعى الحساب أنها أرسلت إمدادات للجيش الإسرائيلي من منتجاتها، وهو ما عادت ونفته الشركة التركية بعد انتشار الخبر بشكل واسع. وهذه ليست المرة الوحيدة التي حاولت فيها شبكة "الأحداث" التأثير على صورة تركيا لدى المتابعين العرب عبر علاقاتها بإسرائيل.

الأمر نفسه بالنسبة لقطر، التي نال مسؤولوها نصيبهم من التزييف والتحريف، وكان من بينهم تصريح لرئيس الوزراء القطري، ورد منقولاً عنه كانطباع عن لسان الكاتب في مقال رأي في صحيفة "واشنطن بوست"، عمل الحساب على إبرازه كتصريح رسمي يتضمن موقفاً يعتبر ما قامت به حماس مروعاً.

انتقالاً إلى 22 ديسمبر، نشر الحساب في هذا اليوم 10 أخبار مزيفة، تمحور العدد الأكبر منها حول تطورات البحر الأحمر والاشتباكات الحدودية بين لبنان وإسرائيل، ونقلت مواقف إسرائيلية لم تكن واردة في حينها، تدعي نفاد الوقت أمام الحلول الدبلوماسية مع حزب الله، كما نقلت عن حزب الله تصريحات لم تصدر عنه.

أبرز ما ركزت عليه الصفحة عبر 4 منشورات موزعة في وقتها، كان "تجاهل الصين لدعوة الولايات المتحدة لحماية الشحن البحري في البحر الأحمر". ورغم عدم وجود تصريحات رسمية صينية أو حتى تسريبات إعلامية لهذا الموقف في حينها، نسج الحساب أحداثاً حول هذا الموقف، وادعى أن سفناً حربية صينية رفضت مساعدة سفن شحن إسرائيلية وتجاهلت نداءات استغاثة، وهو ما يشكل دعاية سياسية للصين على حساب الولايات المتحدة، عبر عنه الحساب بشكل واضح في انتقائه للصور المرفقة، والتي عادة ما تتم وفق استراتيجية وأهداف، وليس بطريقة عبثية، كما سيوضح التحقيق لاحقاً.

بين الثامن والتاسع من يناير نشر الحساب أيضاً 8 أخبار زائفة، هذه المرة نسبت تصريحات لفرنسا وزعيم حزب الله إضافة إلى المتحدث باسم الحوثيين، كما ادعت استئناف الولايات المتحدة استيراد النفط من روسيا، كما نشرت صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بزي السجن.

 
أما الثاني عشر من يناير فقد شهد ذروة التزييف، مع 15 خبراً مزيفاً، رافقوا الهجوم الذي نفذته الولايات المتحدة وبريطانيا على قواعد الحوثيين في اليمن. ولم يفوت الحساب استغلال هذه التطورات وإسقاطها في سبيل بث الدعاية السلبية حول الحرب الأوكرانية الروسية، أو الترويج للسعودية.  

يشكل ما سبق، مجرد أمثلة متفرقة في توقيتها عن نشاط هذا الحساب على مدار السنوات الأربع الماضية، التي كان يبث فيها بين 250 إلى 300 خبر مزيف في الشهر الواحد، وهو ما يجعله من بين المصادر الأولى للأخبار المزيفة باللغة العربية على منصة "إكس".
 

يذكر أن عديد الصفحات التي تتخذ لنفسها اسم "الأحداث" أو غيرها من الحسابات المشابهة، تتخذ من صفحة "الأحداث الأميركية" مصدراً لها، حتى أن بعض المواقع الإخبارية تعتمد الحساب كمصدر لأخبارها وتذكر ذلك في متن الخبر، ما يمنحه موثوقية أعلى، ويشير إلى حجم الخداع الذي يحققه.

توليفة سياسية غريبة

بنتيجة المراقبة، تتضح عناوين عريضة لسياسة هذه الحسابات ووجهة تزييفها وبثها للدعاية السياسية،
حيث تتكشف توليفة سياسية غريبة في اصطفافاتها. 

- تبرز المواقف الروسية أو التي تناصر روسيا وتتخذ من إعلامها الرسمي مصدراً مفضلاً لأخبارها، فتبث البروباغندا الروسية حول كل ما يتعلق بالدول العربية والحرب في أوكرانيا ومعاداة الغرب وتشويه صورة دوله.

- تناصر الصين وقراراتها وسياساتها وتمجد نظامها وجيشها، كذلك الأمر بالنسبة لكوريا الشمالية وزعيمها.

- تروج لدول البريكس وتقدم المجموعة على أنها رائدة الاقتصاد العالمي، خاصة بعد انضمام السعودية لها، وتروج للاستغناء عن الدولار كعملة عالمية للتجارة والتداول.

- تهاجم الدول الغربية وتسعى لتشويه صورتها وبث الإشاعات حولها وتلفيق تصريحات لمسؤوليها، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية. وتوهن مواقفها وتظهرها بمظهر العجز والضعف لاسيما في وجه روسيا وحلفائها، وتصورها على أنها دول كوارث وحرائق وأزمات، حيث تخصص مساحة كبيرة لمتابعة هذه الأخبار التي تعكس صورة سلبية عن تلك الدول ونظام العيش فيها، وهي استراتيجية تنتهجها البروباغندا الروسية في وسائلها الإعلامية.

- تبث الهوموفوبيا، وتروج لمحاربة المثلية الجنسية، تنتقد الغرب في هذا السياق، وتمجد الدول التي تنتهج سياسات متشددة تجاه مجتمع "الميم عين".

- لكنها وفي الوقت نفسه، تسخر من إيران وحلفائها كحزب الله والحوثيين وحماس، وتنقل عنهم تصريحات مفبركة.

- تمجد النظام المصري ورئيسه، وتسعى لتضخيم المواقف والسياسات التي يتخذها، لاسيما خلال حرب غزة الأخيرة.

- تشوه صورة تركيا وقطر، وتفبرك حولهم أخباراً تصورهم كمخادعين.

- تناصر الانقلابيين المعادين للغرب في إفريقيا، وتمجد زعمائهم وسياساتهم، لاسيما تلك التي تصب في مصلحة روسيا وتقوض مصالح الغرب في إفريقيا.

كل ما سبق، وما سيأتي في التحقيق لاحقاً، يقود إلى الاستنتاج الأبرز، والأوضح في منشوراتها، وهو أن هذه الصفحات تعكس بالتمام، السياسات والتحالفات السعودية، وتحقق مصالحها بالدعاية السياسية التي تبثها، وتواكب أخبارها بدقة عالية.

هذا الاستنتاج تعززه معطيات وأدلة تثبت الارتباط السعودي بهذه الحسابات منذ نشأتها.

ويجدر التذكير أن هذه السياسات تعتمدها معظم الصفحات المشمولة بهذا التحقيق، ولا تقتصر على حساب "الأحداث الأمريكية" الذي يشكل مجرد نموذج لعرض الأمثلة.

القصة في النشأة 

في إطار التحقق من خلفيات هذه الصفحات، أجرت "الحرة ديجيتال" بحثا متقدما على موقع "إكس"، يظهر نشأة هذا الحساب وأولى أنشطته على المنصة، وذلك في سبيل دراسة هويته وسلوكه في حينها.  

يبدأ الحساب التزوير من هويته، بحيث يقدم نفسه على أنه "الحساب العربي الأول لمتابعة أخبار أميركا" في حين أن هذه الصفحة مسروقة حتى بفكرتها عن صفحة أخرى تحمل اسم "أحداث أمريكية" ويعود تاريخها للعام 2012، بأداء مختلف في المحتوى.

بدأ الحساب أولى أنشطته في السابع عشر من يوليو 2020 حيث يكشف البحث رداً من حساب الصفحة على منشور لصحيفة عكاظ السعودية، عبارة عن قلوب خضراء مرفقة بعلم السعودية.

ثم وفي 21 يوليو رد الحساب على منشور عبر صفحة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على منصة "إكس"، يتمنى فيه الشفاء العاجل للملك سلمان بن عبد العزيز، وذلك بقلب أحمر وأعلام السعودية مجدداً.

ثم غاب النشاط عن الحساب حتى 15 أغسطس 2020، حين عاد ليثني على منشور لوزارة التعليم السعودية حول إجراءات بدء العام الدراسي عبر التعليم عن بعد.

بتاريخ السابع عشر من أغسطس 2020 نشر الحساب تغريدته الأولى: "حمدالله على نعمة السعودية بلدي العظيم". وهو منشور قام الحساب بإزالته في وقت لاحق. وفق ما يظهر موقع "إكس".

وكان لافتاً أن أول إعجاب حصل عليه الحساب يعود لحساب آخر باسم "محمد mfu"، تشير تفاصيل حسابه أنه انضم هو الآخر إلى منصة "إكس" في شهر يوليو عام 2020 أيضاً، ويقدم نفسه كذلك، على أنه "مطلع ومهتم بالشأن الأميركي"، يتابعه اليوم أكثر من 200 ألف شخص، ويقوم بنشر محتوى خاص بالشأن الأميركي بالأسلوب نفسه الذي تنشره صفحات "الأحداث".

رافقت إعجابات محمد الوحيدة كافة المنشورات اللاحقة للصفحة، التي كشفت عن هويتها الفعلية في السادس والعشرين من أغسطس 2020 مع إطلاقها لـ "ثريد" خاص بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وأرفقته برسوم بيانية واستطلاعات منقولة عن وكالات ووسائل إعلام أميركية وعالمية، مرفقة بتحليل وترجمة الحساب.

وتابعت الصفحة نشر وتحليل التطورات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، حيث قدم الحساب نفسه كمتخصص بها، يقدم تحليلاته الشخصية، ويستعرض الأرقام والإحصاءات والتقارير المرتبطة، ويزود متابعيه بآخر التطورات والمستجدات معتمداً على ما ينشره الإعلام الأميركي.
 

ويكشف البحث في منشورات سابقة للمتابعين وردودهم أن الصفحة كانت تحمل اسم "الانتخابات الأمريكية"، مع وسم @election2020p حيث استمرت لفترة طويلة على هذا النحو قبل أن تغير اسمها إلى "الأحداث" الحالي.

ولم يتوان الحساب في ذلك الحين عن الانخراط في بث الأخبار الزائفة حول الانتخابات ومرشحيها والتي كانت منتشرة بكثافة في ذلك الوقت.

استمر ذلك حتى السادس من نوفمبر 2020، وبعدما ظهرت نتائج الانتخابات الأميركية وانفض الاهتمام الواسع بأخبارها وتحليلاتها، الأمر الذي انعكس توجها للصفحة نحو نشر الأخبار المتعلقة بالتطورات العالمية، وتنامت هذه الهوية بشكل خاص بعد اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في 27 نوفمبر 2020.

تابع الحساب نشاطه وتوسع في تغطيته للأخبار العالمية، وكان من الحسابات المروجة للعديد من الأخبار الزائفة على نطاق ضيق، كخبر سقوط طائرة تركية على مطار الخميني في طهران، ودخل إلى الشأن السعودي من بابه العريض عبر متابعته التفصيلية لقضية سعد الجبري المستشار السابق في الداخلية السعودية، وبات يستضيف محللين سياسيين سعوديين عند كل مناسبة في بث صوتي مباشر عبر الحساب.

كان للحساب دور بارز خلال الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير من عام 2022، إلى جانب الحساب التوأم "الأحداث الروسية" الذي اختفى لاحقاً، وذلك في نشر الدعاية العسكرية والسياسية الروسية ومهاجمة أوكرانيا وإضعاف موقفها ومعها دول حلف الناتو والدول الغربية الداعمة، فضلاً عن بث كم هائل من الأخبار المزيفة في هذا السياق حتى أنها وصلت إلى حد التغريد باللغة الروسية مع انطلاق الغزو الروسي.

وبالتزامن مع اندلاع هذه الحرب، وسع الحساب من نشاطاته وأعلن في اليوم الثاني للحرب عن افتتاح حساب بالاسم نفسه على تطبيق سناب تشات، ويظهر اليوم أن الصفحة غيرت وسمها من @us_wold1 إلى @newsnow4usa.

ويستمر هذا التوجه حتى اليوم، وقد تعزز بصورة أكبر مع التقارب السعودي الروسي خلال الحرب.

وبالعودة إلى صلات هذه الصفحات بالسعودية، تفرد على غير العادة مساحات أوسع للأخبار المحلية السعودية لاسيما الرسمية منها، كالإعلانات الصادرة عن الوزارات والتعاميم والتوجيهات العامة، فضلاً عن الأخبار الاقتصادية وإعلانات الأعمال الفنية، وهو ما لا تخصصه لدول أخرى، لاسيما الولايات المتحدة، التي تدعي الصفحة اختصاصاً في تغطية اخبارها على وجه التحديد.

إضافة إلى ذلك، يعلن الحساب بشكل واضح وظاهر في رأس الصفحة، أنه يحظى برعاية من تطبيق "مرسول" السعودي، وهو تطبيق لخدمات التوصيل مشهور في السعودية ويعمل كذلك في مصر.

رعاية وتسويق.. الحسابات الشقيقة 

في الوقت نفسه وبصورة منتظمة ويومية، ينشر الحساب ويعيد تغريد ما تنشره الصفحات المرتبطة به بشكل وثيق، والتي بدورها تهتم بشكل خاص بالشأن السعودي، وهي:  
  

- الأحداث العقارية: 

يهتم الحساب بالصفقات العقارية ويتابع أخبار انتقال ملكيات العقارات والقصور في السعودية، كما يجري جولات في منازل وقصور شخصيات سعودية بارزة.

@newsnow4RE موجود كحساب على "إكس" منذ العام 2019، وبالبحث في أول وأبرز داعميه والذين أعادوا نشر تغريدته الأولى، ظهر حساب جديد باسم Gorgeous @gorgeous4ew إلى جانب حساب "الأحداث الامريكية".

تبين بالبحث أيضاً أن هذا الحساب يقع ضمن الشبكة نفسها، فهو يعيد نشر ما تنشره صفحتا الأحداث العقارية والسعودية، ولديه 2.4 مليون متابع. اللافت أيضاً أنه يحظى برعاية من تطبيق مرسول على غرار صفحة "الأحداث الأميركية". وإلى جانب المنوعات الترفيهية، يركز محتوى الحساب على الشؤون الداخلية السعودية والإعلانات الرسمية الحكومية.

- الأحداث الرياضية:  

هي الأخرى تعلن وجودها على منصة إكس منذ العام 2017، فيما رصدنا أولى موادها المنشورة في دعاية لنادي الهلال السعودي مع إطلاقه لعطر جديد في 14 سبتمبر 2023. ومن بعدها بدأت بتغطية الأخبار الرياضية في الدوري السعودي، مع إطلالات على الرياضة الدولية إضافة إلى تغطية حركة اللاعبين الأجانب في الأندية السعودية مثل كريستيانو رونالدو ونيمار.

في مراجعة لأول المتفاعلين مع الصفحة، يظهر مجدداً حساب @gorgeous4ew، ثم يتكرر ظهور حساب آخر يواكب أخبار المشاهير باسم Celebs Arabic @CelebsArabic، كان قد ظهر سابقاً من بين أول الداعمين بالإعجاب وإعادة التغريد لحساب الأحداث العقارية، اللافت أن كلا الحسابين يضعان رابطاً للتواصل عبر "واتساب"، وعند الضغط عليه يتم تحويل الزائر إلى رقم شركة ideation السعودية والتي يظهر عبر "لينكد إن" أنها تعمل على إنتاج وإدارة المحتوى عبر منصات رقمية مختلفة. أما المشترك بين صفحات الأحداث والصفحتين الداعمتين هو رعاية تطبيق "مرسول" التي تظهر مجدداً على حساب Celebs Arabic.

- الأحداث السعودية (الروسية):

ظهر الحساب عام 2017 كحساب شخصي واستمر على هذا النحو حتى 16 يوليو 2020، عندما توقف عن التغريد والنشاط نهائياً طيلة عام كامل، ليعاود النشاط في التاسع من يوليو 2021 بتغيير شامل في الأسلوب والمحتوى من الطابع الشخصي إلى نشر الأخبار العاجلة والعناوين الإخبارية العالمية المنوعة والتعليق عليها، وذلك بالأسلوب نفسه الذي تنتهجه صفحة "الأحداث الأمريكية"، ورغم أن ظهوره بشكله الحالي لا يتعدى الأشهر، يقترب عدد متابعي هذا الحساب من المليون متابع.

مع مزيد من التدقيق والملاحقة العكسية لمنشورات الحساب، تبين أن مشغلي الحساب غيروا اسمه من "الأحداث الروسية" بوسم @soldir2017kg إلى صفحة "الأحداث السعودية" بوسم @NewsNow4KSA المستوحى من وسم صفحة "الأحداث الأمريكية" @NewsNow4USA.
 

صفحة الأحداث "الروسية/السعودية" تهتم حاليا بالشأن الداخلي السعودي ونشر الأخبار، وتولي عناية خاصة بالأخبار الرسمية والإعلانات الحكومية، وتساهم في بث الدعاية الرسمية للسلطات.
 

هذا الواقع يطرح تساؤلاً حول آلية عمل هذه الصفحة على الأراضي السعودية، ومقابلتها لشخصيات أمنية واجتماعية وسياسية، وهو ما لا يمكن أن يتم دون حصول الصفحة على ترخيص رسمي بالعمل من وزارة الإعلام، التي تطلق سنويا برامج ومبادرات لمكافحة الإشاعات والأخبار المضللة.

"الحرة ديجيتال" راسلت وزارة الإعلام السعودية، مستفسرة عن كل ما سبق، وعن دور الوزارة والإجراءات التي يمكنها اتخاذها في هذا السياق، وذلك في سبيل حفظ حق الرد وسعياً للحصول على توضيحات، إلا أنه وحتى تاريخ نشر هذا التقرير لم يصل منها أي رد.

كذلك حاولت "الحرة ديجيتال" التواصل مع إدارة تطبيق "مرسول" السعودي، للاستعلام عن الرعاية التي يقدمها للصفحات المذكورة، ومنحه حق الرد على ما ورد في التحقيق، دون أن يصل رد أو توضيح حتى تاريخ نشر التحقيق.

شاهد تحقيق "الحرة ديجيتال" بالفيديو حول "شبكة الأحداث الزائفة":