تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
الناخبون العرب في أميركا

الناخبون العرب في أميركا

أسابيع قليلة تفصلنا عن ذهاب الأميركيين إلى صناديق الاقتراع.

والتوتر بين ناخبين اعتادوا التصويت لمرشحي الحزب الديمقراطي وبين حملة الحزب الرئاسية لا يزال قائما.

حكاية الناخبين الأميركيين العرب

تبدأ جذورها في القرن التاسع عشر

أنطونيو بشعلاني خاض رحلة مرهقة دامت شهرين أخذته من مرفأ بيروت إلى ميناء بوسطن بولاية ماساتشوستس

حيث وصل في أحد أيام أكتوبر الباردة من عام 1854.

توفي بشعلاني بعد نحو عامين فقط بداء السل عن عمر ناهز ٢٩ عاما وأصبح، حسب عدد من المؤرخين، أول مهاجر عربي إلى الولايات المتحدة.

من بعد رحلة بشعلاني توافد العرب، أو سكان من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذا أردنا الدقة، على أميركا في أربع موجات هجرة رئيسية

أولها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تشكل أغلبها من مهاجرين قدموا من سوريا ولبنان ودول أخرى كانت تشكل وقتها جزءا من السلطنة العثمانية، واستقر معظمهم قرب المدن الكبرى في شمال شرق الولايات المتحدة كنيويورك وبوسطن وشيكاغو وديترويت.

ثم حدثت الموجة الأكبر في مطلع القرن العشرين مدفوعة، ضمن أسباب أخرى، بنهضة صناعة السيارات في الولايات المتحدة، وتحديدا في ولاية ميشيغان، والتي اجتذبت مهاجرين من شتى أرجاء العالم.

عدم الاستقرار في الشرق الأوسط والنزاع العربي الإسرائيلي والحرب العراقية الإيرانية والحروب الأهلية، وأبرزها الحرب الأهلية اللبنانية - على سبيل المثال لا الحصر - إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المترتبة عليها، كانت وقود الموجة الثالثة منذ نهاية الستينيات وحتى بداية التسعينيات.

أما الموجة الرابعة والتي يعدها مؤرخون مستمرة منذ بداية القرن الجاري وحتى الآن، فيبرز منها اللاجئون من مناطق صراع كالصومال وسوريا والسودان والعراق.

كل هؤلاء تركوا آثارا مختلفة وشكلوا مجتمعا اندمج في البوتقة الأميركية من المحيط إلى المحيط.

لكن عند محاولة إجابة سؤال بسيط كـ:

"كم عدد الأميركيين من أصل عربي؟"

لا أحد يستطيع تقديم إجابة دقيقة.

عملية الإحصاء ليست عملية سهلة ولا توجد أرقام رسمية بالنسبة للعرب

يقول حسين دباجة الذي أسس شركة الاستشارات السياسية The House العاملة في إدارة الحملات الانتخابية.

حسب دباجة فإن إجابة سؤال عدد الأميركيين العرب "يختلف حسب من تسأل"، ويوضح "عندما تعمل بناء على الإحصائيات الرسمية فالأرقام تكون غير دقيقة، لذلك عندما تجد شخصا على التلفاز يقول إن تعداد العرب في أميركا من 100 إلى 125 ألف فهو أميركي أبيض في واشنطن يستقي معلوماته من شخص أبيض آخر، بينما على الأرض نحن نعرف أن الأرقام أكبر بكثير".

يضرب دباجة مثالا على ما يقول استنادا إلى عمله في الحملات الانتخابية في ولايته ميشيغان: "من الأرقام الدقيقة أن 55 بالمئة من الناخبين المسجلين في مدينة ديربورن هم من الأميركان العرب، وهناك قرابة 75 ألف ناخب مسجل في مدينة ديربورن.. وإذا نظرنا إلى عموم ولاية ميشيغان نجد قرابة ربع مليون ناخب (أميركي عربي) مسجل"، ويستدل دباجة بذلك على أن الأرقام المتداولة عن تعداد الأميركيين من أصول عربية أقل بشكل كبير من الأرقام الحقيقية.

الحصول على بيانات موثوقة 100% في عموم الولايات المتحدة مستحيل تقريبا إلا في حال تم وضع خيار في الإحصاء العام

ويضيف "الحصول على بيانات موثوقة 100% في عموم الولايات المتحدة مستحيل تقريبا إلا في حال تم وضع خيار في الإحصاء العام". البحث فيما يقوله الإحصاء العام الذي يجري في الولايات المتحدة على رأس كل عقد كان الخطوة المنطقية عند محاولة الإجابة على السؤال.

لكن الرقم المذكور أعلاه لا يخبرنا بعدد الأشخاص الذين يحق لهم الاقتراع، لماذا؟ هذا الرقم يشمل كافة السكان: المواطنون والمقيمون (حملة الإقامة الدائمة ومن ملفاتهم قيد الدرس وحالات أخرى) وغيرهم.

إذا لجأنا إلى مصدر رسمي أيضا وأحدث من الإحصاء العام، سنصطدم بمشكلة مختلفة. مسح المجتمع الأميركي لعام 2021 يستخدم أيضا تصنيف "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، ويحدد تعداد هذه الشريحة السكانية بـ 3.806.903 نسمة ويخبرنا بأن 3.099.371 منهم يحملون الجنسية الأميركية، لكننا نصطدم بأنه لا يوفر تعداد من يحق لهم التصويت (فوق 18 عاما).

كما أن البيانات المتاحة من المسح لا تحدد عدد من ينحدرون من إسرائيل وإيران مثلا من بين هذه الشريحة.

فما جذور الخلاف بشأن تصنيف المنحدرين من دول عربية وهويتهم؟

سؤال الهوية

جورج شيشم كان رجل شرطة في ولاية كاليفورنيا. مهاجر جاء من لبنان إلى أميركا بحثا عن حياة غير التي عرفها. وقف شيشم عام 1909 أمام القضاء خصما للحكومة الفدرالية للولايات المتحدة.

في ذلك الوقت كانت الجنسية الأميركية للمهاجرين المولودين خارجها مقصورة على العرق الأبيض، أما المهاجرون من آسيا وأفريقيا وحتى السكان الأصليين لأميركا لم يكن لديهم الحق في الحصول عليها، وعندما تقدم شيشم بطلب التجنس رُفض طلبه باعتباره حسب إرشادات مكتب التجنيس وقتئذ ينتمي للعرق الصيني - المنغولي كونه ولد في قارة آسيا.

شيشم قال في إحدى جلسات قضيته "إذا كنت منغوليا فإن يسوع كان كذلك أيضا، لأننا جئنا من نفس الأرض". الحكم في النهاية جاء في صالح شيشم وكافة المهاجرين القادمين من لبنان وباقي البلدان العربية.

منذ ذلك الوقت أصبح شيشم ومن معه في نظر الأوراق الرسمية من العرق الأبيض. وعند إجراء الإحصاء العام، حتى سنة 2020، كان السكان العرب أو ذوي الأصول العربية مشتتين بين اختيار "أبيض" عند خانة العرق أو كتابة "عرق آخر"، ما جعل مسألة تحديد تعداد العرب الأميركيين وحجمهم وتأثيرهم أمرا شبه مستحيل.

بعد قرن من ذلك الزمان لم يعد الأميركيون العرب يرغبون في هذا التصنيف. يقول دباجة: "أتمنى لو أنه في التعداد السكاني لعام 2020 وُضع خيار للسؤال إن كان الشخص من الشرق الأوسط، لكن ذلك لم يكن موجودا مع الأسف".

منذ بداية الألفية كانت هناك جهود حثيثة لإضافة تصنيف جديد إلى الإحصاء للمنحدرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكن بداخله تحديد أكثر لجذور الشخص الذي يملأ استمارة الإحصاء، كخطوة - وإن كان البعض يريدها أكثر تحديدا بوضع التصنيف العرقي "عرب" داخل الإحصاء - نحو تمثيل أفضل لهذه العرقية.

لم يسفر هذا الجهد، حتى الآن، سوى عن توصية من إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بوضع هذا التصنيف في الإحصاء لكن لم تنفذها إدارة خلفه دونالد ترامب التي أشرفت على إجراء إحصاء 2020.

حسب ذلك الإحصاء يتحدر أغلبية سكان الولايات المتحدة من أصول عربية من لبنان (685,672 نسمة) ومصر (396,854 نسمة) وسوريا (222,196 نسمة) والعراق (212,875 نسمة) وفلسطين (174,887 نسمة).

ويسكن أغلبية هذه الشريحة السكانية في كاليفورنيا (740,219 نسمة) وميشيغان (310,087 نسمة) ونيويورك (304,379 نسمة) وتكساس (249,362 نسمة) وفلوريدا (204,069 نسمة).

الأنظار ستتجه في نوفمبر 2024 بحلول موعد الانتخابات إلى من يقطنون ميشيغان على وجه الخصوص، بعد احتدام الشقاق بين الناخبين الأميركيين العرب في عموم الولايات المتحدة وبين إدارة الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة.

من يملك التأثير؟