تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
الغارة المزدوجة

الغارة المزدوجة

عندما تعمدوا استهداف المدنيين السوريين

كثيرةٌ هي الصيحات التي كانت تعلو من أفواههم، عندما تبدأ هذه الطائرة طلعاتها. "الحربي في الأجواء". "الحربي يحلّق بشكل دائري". "الحربي نفّذ".

لكن إحدى الصيحات لها معنى خاص، فعندما تتردد عبارة: "انتباه رح يرجع الحربي"، يكون ذلك نذيرا باقتراب "ضربة مزدوجة"، أو كما تسمى أيضا بـ"الضربة المترادفة".

يوصف هذا النوع من الضربات بأنه "تكتيك وحشي" استخدمته روسيا ومن قبلها نظام الأسد على نطاق أضيق، من خلال الضربات الجوية التي استهدفت منذ سبتمبر 2015 المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في سوريا.

يعتمد هذا النوع من القصف على توجيه ضربة جوية على موقع ما، ثم إعادة قصف الموقع المستهدف ذاته بعد مضي عدة دقائق، بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية، إذ يكون موقع الضربة عادة مكانا لتجمع المدنيين وفرق الإنقاذ، لانتشال الجرحى والمصابين.

ولم يقتصر استخدام هذه الضربات على منطقة بعينها دون أخرى، بل انسحب على معظم المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة ومن بينها الغوطة الشرقية بريف دمشق ومحافظة درعا والريف الشمالي لمدينة حمص ومحافظة إدلب والأحياء الشرقية لحلب.

عندما تعود الطائرات مجددا

تختلف "الضربات المزدوجة" عن غيرها من أنواع القصف الذي تنفذه القوات الروسية والسورية. تستهدف هذه الضربات قتل أكبر عدد من المدنيين والمسعفين وفرق الإنقاذ والطوارئ، وحتى سيارة الإسعاف التي تهرع لانتشال الضحايا ونقل المصابين من مسرح الجريمة.
 
وثقت مراكز حقوقية سورية وتقارير إعلامية محلية وغربية خلال سنوات الحرب في سوريا الكثير من تفاصيل هذه الاستراتيجية، ورغم إثبات ما ارتكبته روسيا والنظام السوري الذي تدعمه، إلا أن طريق "المحاسبة والعدالة" لم يصل حتى الآن إلى النقطة التي يتمناها كثيرون، حسب ما يقول حقوقيون لموقع "الحرة".

يوثّق "المركز السوري للعدالة والمساءلة" في أحد أحدث تقاريره 58 "هجوما مزدوجا" استهدف مناطق سكنية خارج الأراضي التي تسيطر عليها "الحكومة السورية" بين عامي 2013 و2021.

ويبين التقرير أن طبيعة هذه الهجمات التي تستخدم لإلحاق أذى متعمد بالمدنيين وليس لضرب عدو محدد، تشكّل "انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني الدولي، يرقى لمستوى جرائم حرب".

التقرير سعى للتحقق من ثلاثة عناصر: موقع الضربة الأولي، وصول فرق الاستجابة أو المدنيين إلى الموقع إثر الضربة، وقوع ضربة ثانية على الأقل في نفس الموقع خلال ساعة من وصول المستجيبين الأوائل أو المدنيين بعد الضربة الأولية.

توضّح هذه الخريطة وقائع لضربات مزدوجة نفذتها روسيا والنظام السوري، في مناطق متفرقة من سوريا:

من بين الهجمات الـ58 التي وثقها التقرير، غارة استهدفت دوما في ريف محافظة دمشق في 18 مارس 2018. تقاطع الإحداثيات وصور وتسجيلات مصورة وشهود أشار لتصنيف الغارة ضمن "تكتيك الضربة المزدوجة". الضربة أسفرت عن مقتل مدنيين بلغ عددهم 15.

هجوم آخر وقع في أغسطس 2015 نفذته هذه المرة قوات النظام السوري.

تظهر مقارنات وتقاطعات لصور وتسجيلات مصورة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي كيف أن طائرة سورية أغارت على المدنيين في الغنطو بريف محافظة حمص، ملقية قنابل فراغية.

تجمع المدنيون قرب مبنى مقصوف في إحدى مناطق الحي المأهولة بالسكان. كانت أعمدة الدخان والغبار المتصاعدة دليلا على أن المبنى قد استهدف في عهد قريب.

وبينما شرعت الحشود المتزايدة بتقييم الوضع، ومحاولة انتشال المدنيين من تحت الركام، سمع صوت طائرة تحلق فوق رؤوسهم. بدأت الجموع بالهرع في جميع الاتجاهات، فاستهدفت ضربة ثانية مبنى آخر خلف المبنى الأول.

قتل لا لبس فيه

بالاستناد إلى حجم التوثيق والمواد البصرية التي اعتمد عليها التقرير يوضح مدير مركز "العدالة والمساءلة"، محمد العبد الله أن "تكتيك الضربة المترادفة استخدم قبل دخول القوات الروسية إلى سوريا. لكن نطاقه كان ضيقا".

بعد التدخل العسكري لموسكو، في سبتمبر 2015، تطور التكتيك ليتم تنفيذه عبر أسلحة أكثر فعالية ودقة، مثل الطائرات الحربية الروسية.

يقول العبد الله لموقع "الحرة": "منذ ذلك الوقت صعّدت روسيا من هذا التكتيك، وأصبح جزء من استراتيجيتها العسكرية في سوريا".

وسائل إعلام غربية كانت قد تطرقت إلى هذه السياسة التي تتبعها روسيا في قتل المدنيين بسوريا، واستنسختها أيضا في إطار حربها ضد أوكرانيا، والتي بدأت في 24 فبراير 2022.

لكن الحقوقي السوري يشير إلى أن التوثيقات السابقة "لم يتم التعامل مع مضمونها كجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية".

"وثقنا الحالات واستخرجنا الفيديوهات من يوتيوب وحفظناها، فيما أخذنا شهادات من ضحايا وناجين وأهالي ضحايا، ومن ثم قمنا بتجميع الملفات، وبناء ملف لكل ضربة على حدة. ذلك ما عزز وأكد أن ما حصل هو استراتيجية وأمر ممنهج ومدروس من روسيا، وفيه تعمد لقتل المدنيين، وليس خطأ عسكري".

ويركّز تقرير مركز "العدالة والمساءلة" على نقطة قانونية وتقنية، وهي عدم وجود أي هدف عسكري مشروع أو قريب من الأهداف، التي طالها القصف الروسي المزدوج.

ويؤكد العبد الله: "كل الحالات وبشكل قاطع بعيدة عن أي هدف عسكري. نحن نتحدث عن جرائم حرب واضحة وجرائم ضد الإنسانية، دون أي لبس".

مراوغة مع الموت

في تصريحات منفصلة لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو أعلن أن بلاده اختبرت جميع الأسلحة الروسية الحديثة في عملية "مكافحة الإرهاب" في سوريا، حسب تعبيره.

بين عامي 2020 و2021 قال شويغو إنه "تم اختبار أكثر من 320 نوعا من الأسلحة"، وإن "صناعة الدفاع الروسية عززت مواقعها بشكل كبير في السنوات الأخيرة".

وبالتوازي مع ذلك كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين اعتبر في أبريل 2020 أن "الزيادة الحاصلة في تصدير الأسلحة الروسية إلى دول العالم، رغم المنافسة الشديدة في هذا المجال، يقف وراءها الاختبار العملي لهذه الأسلحة في سوريا"، وبسبب "التجربة الناجحة في استخدام الأسلحة الجديدة".

رائد الصالح مدير "الدفاع المدني السوري"، وهي المنظمة الإنسانية الأبرز في سوريا التي تلقت فرقها النصيب الأكبر من الضربات الروسية الجوية، وبالأخص "المزدوجة" يشير إلى أن "نظام الأسد وحليفه الروسي استخدموا أكثر التكتيكات الوحشية، التي عرفها العالم في حربهم على السوريين".

ولم تقتصر التكتيكات على استهداف المدنيين والبنى التحتية وقتل كل أشكال الحياة واتباع سياسة الأرض المحروقة، لتتطور لأن تكون أشد خطرا، بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا المدنيين ومن المنقذين والمسعفين الأوائل".

يوضح الصالح لموقع "الحرة" أن "الضربات المزدوجة" هي من "أكثر أساليب الهجمات دموية".

"عندما تشن الطائرات غارة جوية على سوق أو نقطة طبية أو منازل المدنيين يهرع المسعفون والعمال الإنسانيون للإنقاذ، ويتجمع السكان بأغلب الأحيان بطبيعتهم الفطرية للمساعدة، لكن غارة ثانية تستهدف نفس المكان بالضبط".

ويتابع الصالح: "المكان أصلا مدمر بالغارة الأولى. فالهدف هذه المرة القتل وفقط القتل وخاصة للمستجيبين الأوائل (الخوذ البيضاء)".

فقدت المنظمة الإنسانية 296 متطوعا، منذ بداية تأسيسها في 2013، أغلبهم كانوا ضحايا هجمات روسية "مزدوجة"، في أثناء إنقاذهم المدنيين من هجمات أولى.

ويشرح الصالح أنه "من الصعوبة التعامل مع هذه الهجمات، وأيضا التوفيق بين تجنبها وبين الاستجابة بالوقت المناسب. فرقنا مع الخبرة التي اكتسبتها تمتلك القدرة على المناورة والمراوغة نوعا ما لتجنبها، لكن هي مراوغة للموت ولا يكتب دائما النجاح لهم".

"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تصف سياسية الضربة المزدوجة بأنها "تهدف إلى قتل المسعفين وعناصر الدفاع المدني، وإيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا المدنيين".

يقول مدير الشبكة، فضل عبد الغني: "القصف الأول يتبعه وصول فرق الإسعاف، بينما يهب الناس لنجدة المصابين وانتشال الجثث. ضرب هؤلاء ينم عن وحشية، ويجمع ما بين الدناءة، وإنهاء حياة من يحاول مساعدة الضحايا".

يضيف عبد الغني لموقع "الحرة": "التكتيك يستهدف بشكل أساسي المناطق المكتظة بالسكان. روسيا تحاول من خلاله نشر حالة من الترهيب والإرهاب بين صفوف المجتمع. تريد أن لا يتعالج المصابين. القصف الأول متعمّد والثاني أشد تعمدا. هي لا تكترث للقانون الدولي. دولة فوق المحاسبة، وتتصرف بهذا الأسلوب السادي العنصري"، حسب تعبيره.

ماذا يقول القانون الدولي؟


يهدف القانون الدولي الإنساني إلى حماية ضحايا النزاعات المسلحة، ومن هم خارج دائرة المعارك في أثناء هذه النزاعات، كما يقيّد حق أطراف النزاع في استخدام القوة العسكرية لحماية الممتلكات المدنية، التي ليست لها صلة مباشرة بالعمليات العسكرية.


كما يمنح القانون الحد الأعلى من الحماية للأفراد في النزاعات المسلحة، وتعد قواعده ملزمة للدول ولأفراد القوات المسلحة على حد سواء، إلا أن هناك كثيرا من الانتهاكات بحق تلك القواعد، بحجة "الضرورة العسكرية".


مدير مركز "العدالة والمساءلة"، محمد العبد الله يوضح أن كل حالات "الضربات المزدوجة" التي تم توثيقها بين عامي 2013 و2021 "لم يكن فيها أي هدف عسكري قريب أو موجود بمنطقة قريبة، أو يتم التذرع به".

حسب قواعد القانون الدولي الإنساني، هناك ستة مبادئ لتحديد قانونية الضربة العسكرية، هي:

التمييز: يميّز أطراف النزاع ما بين المدنيين والمقاتلين وعليهم احترام الأعيان المدنية.

النسبية: يتوجب احترام المدنيين والأعيان المدنية إلى حد أبعد ممكن عند الهجوم على أهداف عسكرية.

الضرورة العسكرية: للأطراف أن تعمل على إضعاف قوة العدو، ولكن أفعالها يجب أن تعكس القوة اللازمة ولكن المعقولة.

عدم التسبب بالمعاناة غير الضرورية: يحظر استخدام الأسلحة والتكتيكات إن كانت تسبب معاناة أو إصابات لا داعي لها.

حسن النوايا: على الأطراف إبداء حسن النوايا في تفسيرها للقانون الدولي الإنساني.

المعاملة الإنسانية وعدم التمييز: يجب أن يعامل جميع الناس بإنسانية ودون تمييز بناء على الجنس أو الجنسية أو العرق أو الدين أو المعتقدات الدينية.

يقول مدير "الدفاع المدني" رائد الصالح إن حاجة النظام السوري وروسيا لتطبيق "تكتيك القصف المزدوج" يقف ورائها سببان مرتبطان ببعضهما البعض.

الأول أن "روسيا اتبعت سياسة الضربات المزدوجة بهدف قتل المستجيبين الأوائل (الخوذ البيضاء). لكن لماذا تريد قتلهم؟ الهدف الأول هو القتل لمجرد القتل، والهدف الثاني هو خلق حالة من الصدمة واليأس عند المتطوعين لثنيهم عن الاستجابة".

"لا يمكن إخفاء خطورة هذا الأمر"، حسب حديث الصالح، موضحا: "عندما يكون احتمال استهداف المكان بغارة ثانية ويتحول المنقذ إلى ضحية قد تدفعه فطرته البشرية للتراجع والانسحاب، وترك المدنيين تحت الأنقاض. مع ذلك لم تنجح روسيا أبدا بخلق هذه الحالة عند المتطوعين".

من جانب آخر ترتبط "النقطة الثانية" بالحرب الإعلامية والتوثيق.

"المتطوعون هو المستجيبون الأوائل ويتم توثيق أغلب الاستجابات عبر كاميرات مثبتة على خوذ المتطوعين".

ويشرح مدير "الدفاع المدني" أن "الخوذ البيضاء تمتلك توثيقات لأغلب الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها روسيا ونظام الأسد، ولا تدخر جهدا في عرض هذه الوثائق في أي محفل دولي لإدانة نظام الأسد و روسيا".

"الهدف من هذه الغارات والهجمات المزدوجة، لأن الهجمات قد تكون بالمدفعية أو بالصواريخ. يريدون قتل المتطوعين وقتل الحقيقة التي يعملون على توثيقها، ومنعهم من توثيق هذه الانتهاكات". 

وقد تبلورت "الحرب الإعلامية" التي يتحدث عنها الصالح "مع تبلور دور الخوذ البيضاء في نهاية عام 2014 وتوسع أعمالها وانتشارها بأغلب المناطق السورية".

"ماكينة البروباغندا التابعة لنظام الأسد ومن خلفه روسيا لم تتوقف يوما عن نشر الادعاءات الكاذبة عن عمل الخوذ البيضاء، ومحاولة تشويه صورته والتي تزايدت طردا مع الضربات المزدوجة. لذلك لا يمكن الفصل أبد بين الحرب الإعلامية والتضليل الإعلامي المميت والضربات المزدوجة".

من القاعدة حتى التنفيذ

منذ سبتمبر 2015، تاريخ التدخل العسكري الروسي في سوريا، انطلقت معظم الطائرات الحربية لقصف مناطق المعارضة من قاعدة "حميميم" الموجودة في ريف محافظة اللاذقية.

إضافة إلى ذلك كانت الطائرات الحربية التابعة للنظام السوري- ذات الطراز الروسي أيضا- تنطلق من المطارات العسكرية الأخرى المنتشرة في مختلف مناطق البلاد.

ودفعت الكثافة النارية التي فرضتها تلك الأسلحة منذ اليوم الأول للحرب جهات في مناطق المعارضة لإحداث "مراصد عسكرية"، فيما اتجهت منظمة "الدفاع المدني" لإطلاق خدمات عبر مواقع التواصل الاجتماع تحمل اسم "راصد"، واستهدفت من خلالها رصد حركة الطائرات قبل إقلاعها من القواعد والمطارات.

يشرح "أبو أمين" وهو أحد الأشخاص العاملين في مرصد للطيران في محافظة إدلب السورية آلية القصف المزدوج الذي تنفذه الطائرات الروسية، بصورة متواترة على مناطق الشمال السوري.

يقول لموقع "الحرة": "الضربة المزدوجة تتم أحيانا من طائرة واحدة وفي بعض الأحيان بطائرتين وصولا إلى ست".

ويوضح "أبو أمين" أن "طيران الاستطلاع له دور أساسي في عملية التنفيذ، وهو الذي لا يغادر أجواء المناطق نهارا وليلا. الاستطلاع يحدد الهدف ويوجه الطيار الذي يقود الطائرة، وبعد عملية التنفيذ يراقب هل تدمّر أم لا؟".

"في بعض الأحيان تنفذ طائرة واحدة صاروخين بمدة زمنية لا تذكر، وهي في الغالب من نوع سوخوي 34 أو سوخوي 35".

"الأمر كله يتعلق بالاستطلاع، بينما يكون هناك تنسيق من غرفة العمليات الموجودة في القواعد والمطارات العسكرية".

ويوضح العقيد المنشق عن النظام السوري، إسماعيل أيوب أن الطيران الحربي يتّبع عدة طرق في الأعمال القتالية، منها ما تكون محضّرة مسبقا بقوام طائرات إفرادية أو أزواج أو 4 وما فوق ذلك.

في حين هناك طرق تعتمد على تنفيذ ضربات متتالية على عدة أهداف وبأوقات مختلفة، ويضيف أيوب لموقع "الحرة": "هاتان الطريقتان تكون مقرات القيادة على علم فيها"، بمعنى يتم توجيه الطيران بالنقطة التي يراد قصفها لأكثر من مرة.

وثائق داخل الأدراج

رغم حجم التوثيق المدعوم بالأدلة والشهود الذي عملت عليها مراكز حقوق الإنسان السورية والدولية أيضا، إلا أن "المجرم في سوريا" لا يزال طليقا، سواء إن كان النظام السوري المتهم بارتكاب جرائم وانتهاكات لا تحصى، أو حلفائه على رأسهم روسيا.

في المقابل وبعد السنوات الطويلة من الحرب لم يحصل الضحايا المدنيون على "العدالة"، الأمر الذي يراه حقوقيون دافعا لما تقدم عليه موسكو في ساحات أخرى، مثل أوكرانيا، بعدما بقيت خارج نطاق "المحاسبة".

يقول الحقوقي السوري، محمد العبد الله إن "تكتيك الضربة المزدوجة الذي استخدم في سوريا استنسخته روسيا في أوكرانيا بشكل مكثف، إما عبر الصواريخ أو الطيران"، وإنه تم اعتقال ضباط وعساكر روس من قبل أوكرانيا، ووضعهم أمام القضاء الأوكراني.

ويضيف: "باعتبار ليس هناك اختصاص لمحكمة الجنايات الدولية حتى الآن في سوريا، فإن الفرصة الأكبر للعدالة في مثل هذه الملفات (توثيق الضربات المزدوجة) هي في حال التعرف على بعض الطيارين الروس ممن شاركوا في الضربات، وتم لاحقا سفر أي منهم إلى دولة أوروبية، وملاحقة أي منهم أمام القضاء الأوروبي".

"في حال تم اعتقال طيارين وحصلنا على أدلة وتأكيد أن الطيار شارك في ضربات بسوريا يمكن أن يحاكم بجرائم حرب وضد الإنسانية إما القضاء الأوكراني أو الأوروبي بناء على الاختصاص العالمي لحقوق الإنسان".

بدوره يشير مدير "الدفاع المدني" إلى أن المنظمة تمتلك "الكثير من الأدلة على الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وروسيا، ولاسيما أن متطوعيها هم المستجيبون الأوائل لحالات القصف".

ويوثق المتطوعون عمليات القصف عبر كاميرات مثبتة على خوذهم.

ويضيف الصالح: "لن يتوانى الدفاع المدني السوري عن تقديم الأدلة والشهادات حول جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد وروسيا حتى تتحقق العدالة ويحاسب المجرمون".

وكانت المنظمة قد شاركت جزء من الأدلة التي تمتلكها مع المنظمات الحقوقية، ومنظمات تتبع للأمم المتحدة كمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أو في الاجتماعات كما حصل عند مشاركتها في تقرير الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وفق ذات المتحدث.

ويتابع: "الأدلة التي نمتلكها تشكل مستند قوي وهي ملك للعدالة ولكل السوريين، وسيكون لها دور كبير في محاكمة نظام الأسد وجميع من دعمه. هذا ما نأمل أن يتحقق في القريب العاجل ونسعى إليه بكل ما أوتينا من قوة".

من جانبه يقول مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني متسائلا: "كيف سترتدع روسيا دون أن يكون هناك أي تحرك بالفظائع شديدة الخطورة؟".

ويشير: "لا يوجد تحرك ضد موسكو في سوريا على عكس أوكرانيا. لم يحصل في السابق أي عقوبة ضدها بخصوص الجرائم التي ارتكبتها في البلاد".

"إثبات الضربات أنها جرائم حرب وضد الإنسانية تعني أن النظام الروسي متورط بهذا النوع عالي الخطورة. هذه الجرائم لم تسقط بالتقادم"، وفق عبد الغني.