معتصمون قرب القيادة العامة للجيش في الخرطوم
معتصمون قرب القيادة العامة للجيش في الخرطوم

خاص بـ"موقع الحرة"/ مصطفى هاشم

بعد أحداث دامية مساء الاثنين في محيط مقر اعتصام السودانيين الذين يطالبون بنقل السلطة للمدنيين، حمل المجلس العسكري المسؤولية إلى طرف ثالث وصفه بـ"المسلحين المندسين"، نافيا إطلاق "رصاصة واحدة" ضد المعتصمين.

مصادر متعددة روت ما حدث لـ"موقع الحرة" من بينها أحد الثوار الذين كانوا في قلب الحدث ولواء سابق بالجيش موال للمجلس العسكري.

مناوشات متبادلة

فوجئ أحمد البدوي وزملاؤه المعتصمون صباح الاثنين بإغلاق قوات الدعم السريع جسر النيل الأزرق تماما أمام الثوار.

ويربط الجسر بين بحري والخرطوم، وهو طريق القادمين لمقر الاعتصام من سكان أم درمان.

يقول البدوي لـ"موقع الحرة": "كان القادمون للاعتصام يعبرونه على أقدامهم لكنهم فوجئوا بمنع أي شخص من الوصول إلى مقر الاعتصام عبره، فقام الثوار بإغلاق شارع النيل في الاتجاه الشمالي من الاعتصام قبل كوبري النيل الأزرق وهو ما يعني إغلاق شريان رئيسي للحياة في الخرطوم، فبدأت المناوشات".

اعتداءات ضد المعتصمين

قبل غروب شمس الاثنين وصل كثير من الثوار للإفطار في مقر الاعتصام. "تم ضرب القادمين عبر شارعي القيادة والجامعة، منهم أصحابي حيث تم إنزالهم من السيارات من قبل قوات الدعم السريع وضربهم بالأيدي"، بحسب البدوي.

ويضيف "مع أذان المغرب وعند استعدادي مع عدد من الأصدقاء والأسر للإفطار في مقر الاعتصام بالقرب من مدخل الميدان، سمعنا إطلاق نار من شوارع البلدية والجمهورية والجامعة، تحركت حول مقر الاعتصام، ولم أعثر على من قام إطلاق النيران، لكني رأيت عناصر من قوات الدعم السريع وهم يضربون الثوار بالعصا".

​​كانت هذه هي البداية، لكن في العاشرة مساء تقريبا سمع الثوار صوت طلقات نارية مرة أخرى، "توجهت إلى أصوات النار، فرأيت عربات الجيش تصد محاولة لإطلاق النار ومعهم عربات الدعم السريع" يقول البدوي.  

ونشر كثير من المتظاهرين، ومن بينهم أحمد البدوي صورا وفيديوهات تتهم عناصر قوات الدعم السريع التي يرأسها نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، بإطلاق النار على المحتجين.

​​​وتشكلت قوات الدعم السريع منذ نحو سبع سنوات من ميليشيا الجنجويد التي استخدمها البشير في قمع الحركات المتمردة غير العربية في دار فور، ثم وسع صلاحياتها وأعطى عناصرها رتبا عسكرية وأضافهم إلى الجيش في 2017، وهي متهمة بارتكاب تجاوزات في دارفور. 

اقرأ أيضا: السودان.. لماذا غيّر 'حميدتي' موقفه؟

ونفى المجلس العسكري أن تكون أي من قواته أطلقت النار على المعتصمين.

​​ويؤكد اللواء متقاعد يونس محمود والموالي للمجلس العسكري لـ"موقع الحرة" أن هناك قوى أمنية ذهبت لفتح الطريق الذي أغلقه المتظاهرون لكن تم اعتراضها من قبل المتظاهرين بل والهجوم عليها، ما أدى إلى هذه الفوضى ومقتل أربعة أشخاص منهم ضابط.

واتهم محمود المعتصمين بالتحرش بالناس وتفتيشهم وإغلاق الشوارع وإيقاف الحياة في الخرطوم، "وهذا ليس حقا لهم ولا يصح في دولة فيها قانون ومؤسسات أمنية، وهو ما يؤدي لاستفزاز آخرين ليسوا على وفاق مع قوى إعلان الحرية والتغيير".

وأتت الأحداث بعد ساعات من الإعلان عن اتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير حول هياكل السلطة الانتقالية، وأشار بيان المجلس العسكري إلى وجود "جهات تتربص بالثورة، أزعجتها النتائج المتقدمة التي تم التوصل إليها اليوم الاثنين مع قوى إعلان الحرية والتغيير وتعمل على إجهاض أي اتفاق يتم الوصول إليه وإدخال البلاد في نفق مظلم". 

من جهته رفض حزب المؤتمر الوطني الذي كان حاكما في السودان الاتهامات الموجهة إليه بتسببه في أحداث الاثنين، وطالب المجلس العسكري الانتقالي بإجراء تحقيقات والقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة.

اتهامات للمجلس العسكري

عضو تجمع المهنيين السودانيين منتصر أحمد قال لـ"الحرة" إن "كل المؤشرات تشير إلى قوات الدعم السريع، فالعناصر كانت ترتدي زي الدعم السريع وتتحرك عبر آلياته، وهذا في حد ذاته يتطلب المساءلة". 

واتهم معتصم محمد صالح المتحدث باسم حركة العدل والمساواة المسلحة أحد مكونات قوى الحرية والتغيير المجلس العسكري الانتقالي بأنه وراء تلك الأحداث المأساوية "لأنه يريد فض الاعتصام ويعمل على ذلك"، بحسب حديثه لـ"موقع الحرة". 

واستبعد صالح أن تمر أي قوى مسلحة عبر كل مراكز التفتيش والقوات المسلحة والدعم السريع المتواجدة في محيط الاعتصام ومداخل الخرطوم والطرق المؤدية إلى مكان الاعتصام بسيارات محملة بالأسلحة.

من جانبها قالت السفارة الأميركية في الخرطوم إن "الهجمات المأساوية أمس على المتظاهرين.. من الواضح أنها كانت نتيجة لمحاولة المجلس العسكري الانتقالي فرض إرادته على المتظاهرين بمحاولته إزالة المتاريس". 

التقدم للأمام

وطالبت السفارة الأميركية في بيانها بألا تقف تلك الأحداث عقبة من "البناء على التقدم الذي أحرز لإتمام المفاوضات بسرعة لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية".

وقال عضو تجمع المهنيين منتصر أحمد لـ"الحرة" إن ​"التفاوض مع المجلس العسكري مستمر ولكنه مرتبط بسقف زمني آخره الأربعاء، ولن تخيفنا هذه المداهمات لفض الاعتصام، بل إنها فقط تزيد من قائمة الذين ستطولهم المحاسبة".

وتعهد الفريق ياسر عطا، أحد أعضاء المجلس​ في مؤتمر صحفي مشترك مع قوى الحرية والتغيير بعد جلسة طويلة من المفاوضات الثلاثاء بالتوصل إلى اتفاق خلال أقل من 24 ساعة.

وأعلن مدني عباس مدني القيادي بتحالف المحتجين خلال المؤتمر نفسه ​تشكيل لجنة تحقيق مشتركة "فيما تم من استهداف للمعتصمين".

أدى الصراع في السودان إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 12 مليون شخص
أدى الصراع في السودان إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 12 مليون شخص

أوقعت أعمال عنف ضد سودانيين 12 قتيلا خلال يومين في جنوب السودان، حيث عاد الهدوء النسبي خلال الساعات الـ24 الماضية، على ما أعلنت القوات الأمنية في البلاد التي تعاني انعداما مزمنا للأمن.

وقد تحولت تظاهرة في العاصمة جوبا احتجاجا على تقارير عن مقتل 29 مواطنا من جنوب السودان في ود مدني بولاية الجزيرة في السودان المجاور، مساء الخميس إلى عمليات نهب استهدفت محال تجارية مملوكة لمواطنين سودانيين.

وأطلقت الشرطة النار لتفريق التجمع، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة سبعة آخرين، وفرضت السلطات الجمعة حظر تجوال ليلي مع تمدد الاحتجاجات إلى مدن أخرى.

وقالت الشرطة في تقرير أصدرته السبت إن "تسعة أشخاص لقوا حتفهم في مدينة أويل" في شمال البلاد الجمعة، مشيرة إلى أن اثنين من جنوب السودان وسبعة سودانيين كانوا من بين الضحايا.

والجمعة أيضا، أصيب 13 شخصا من جنوب السودان بالرصاص في تبادل لإطلاق النار في أماكن مختلفة في جوبا، وفق الشرطة.

وقال الناطق باسم الشرطة جون كاسارا في بيان السبت إن الوضع الأمني "هادئ ومستقر نسبيا في كل أنحاء البلاد خلال الساعات الـ24 الماضية".

وعادت الأمور إلى طبيعتها في العاصمة بحلول المساء، باستثناء متاجر سودانية بقيت مغلقة، وسط انتشار كثيف لقوات الأمن.

ونقلت شرطة ولاية وسط الاستوائية 278 سودانيا، بينهم 35 طفلا، إلى أماكن آمنة. وفي العاصمة، لا يزال 551 سودانيا في ملاجئ آمنة.

ودعا الرئيس سلفا كير إلى "ضبط النفس".

المعارك تحتدم في السودان.. ماذا بعد حديث "القتال 21 عاما"؟
"سنقاتلهم 21 عاما".. هكذا توعد قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) الجيش السوداني، بعد اعترافه بخسارة مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة.

رأي محللون أن هذه الكلمات لا تعبر سوى عن حجم الهزائم التي تتلقاها قوات دقلو خلال الأسابيع الأخيرة أمام الجيش، وخصوصا في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وفي الخرطوم أيضًا.

ويعيش السودان منذ أبريل 2023 حربا يتواجه فيها الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان مع قوات الدعم السريع بقيادة حليفه السابق الفريق أول محمد حمدان دقلو.

وقد أدى الصراع إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 12 مليون شخص، كما ترك مئات الآلاف تحت رحمة الجوع.

وتستضيف جنوب السودان عددا كبيرا من السودانيين المقيمين أو اللاجئين. وقد نالت البلاد استقلالها عن السودان المجاور عام 2011، وتعاني مذاك من عدم استقرار مزمن.

وفي عام 2013، انزلقت البلاد إلى حرب أهلية دامية بين سلفا كير ورياك مشار، ما أسفر عن مقتل أكثر من 400 ألف شخص ونزوح الملايين.

ورغم توقيع اتفاق السلام في عام 2018، لا تزال البلاد تعاني من صراعات على السلطة، مع استشراء الفساد والصراعات العرقية المحلية.

وأعلنت جنوب السودان العام الماضي تأجيل أول انتخابات في تاريخها الحديث لمدة عامين، والتي كان من المفترض أن تنهي الفترة الانتقالية المنصوص عليها في الاتفاق.

وأعلن وفد حكومي على تلفزيون جنوب السودان أنه غادر السبت إلى العاصمة الكينية نيروبي، حيث من المقرر أن تُستأنف محادثات السلام الاثنين مع جماعات مسلحة لم توقّع على اتفاق العام 2018.

ولا تزال هذه المفاوضات تراوح مكانها منذ اتفاق لوقف إطلاق النار في 2020 لم يتم احترامه.