متظاهرون سودانيون يقفون خارج مقر قيادة الأركان بالخرطوم - 20 أيار/مايو
متظاهرون سودانيون يقفون خارج مقر قيادة الأركان بالخرطوم - 20 أيار/مايو

كريم مجدي

"هناك حلول كثيرة: الإضراب السياسي الشعبي والعصيان المدني والاعتصام سواء في العاصمة أو بقية المدن،" خيارات ثورية طرحها خالد عمر يوسف، القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير، بعد وصول المفاوضات بين القوى المعارضة وبين المجلس العسكري السوداني إلى طريق مسدود.

وكانت المحادثات بين المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان وتحالف الجماعات المعارضة الممثل في قوى إعلان الحرية والتغيير قد أخفقا في إيجاد حل فيما يتعلق بالانتقال السياسي في البلاد، وذلك لليوم الثاني على التوالي.

يوسف أوضح للحرة أن المعارضة تتشاور حاليا بخصوص إعلان إضراب سياسي عام في البلاد يشمل المرافق العامة والمؤسسات، مثل البنوك والمؤسسات الحكومية، ما لم يستجب المجلس العسكري لرغبات الشعب، خاصة وأن البلاد تمر بوضع في غاية الهشاشة.

وأعلن تجمع المهنيين، أحد أبرز فصائل قوى إعلان الحرية والتغيير المعارض، منشورا عبر صفحته الرسمية، ذكر فيه تعثر المفاوضات، بجانب تهديد بالتصعيد بدءا بإعلان وقفات احتجاجية الثلاثاء.

احتجاجات سودانية أمام مقر قيادة الأركان بالخرطوم

​​​​

​​​ما هي نقاط الخلاف؟

المحلل السياسي السوداني، يوسف الجلال، أوضح تفاصيل الخلاف للحرة، والذي يتلخص في نقطتين: الأولى هي من يقود المجلس السيادي؟ والثانية هي من يشكل أغلبية هذا المجلس؟

"اتفق الطرفان على تكوين مجلس وزراء من قوى إعلان الحرية والتغيير بصلاحيات واسعة، وتم الاتفاق على تكوين مجلس تشريعي من 300 عضو على أن يكون 67 في المائة منهم من قوى إعلان الحرية والتغيير، والباقي 33 في المائة من القوى الأخرى التي لم تشارك النظام السابق في الحكم،" يقول الجلال لموقع قناة الحرة.

ولفت الجلال إلى تعيين أعضاء المجلس التشريعي بالتشاور مع قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس السيادي الذي يدور الخلاف حوله.

وقال الجلال: "قوى إعلان الحرية والتغيير اقترحت تكوين المجلس السيادي بأغلبية مدنية، على أن تكون الرئاسة الدورية (بالتناوب بين شخصية مدنية وأخرى عسكرية)، أما المجلس العسكري فيطالب بأغلبية عسكرية ورئاسة عسكرية دائمة للمجلس." 

صورة لأعضاء المجلس العسكري السوداني

و​​في حال وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، يتوقع الكاتب السوداني لجوء الطرفين إلى تنشيط لجنة الوساطة التي طرحت سابقا تكوين مجلس سيادي بأغلبية مدنية، بجانب تكوين مجلس للأمن والدفاع، بأغلبية عسكرية لإدارة شؤون الأمن والدفاع.

ولجنة الوساطة هي لجنة مكونة من شخصيات وطنية، أبرزها الخبير الإعلامي محجوب محمد صالح ورجل الأعمال أسامة داود والناشط نصر الدين شلقامي بجانب شخصيات أخرى، تتلخص مهمتها في التوسط بين القوى المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي.

ويرى الجلال أن قوى إعلان الحرية والتغيير قد تنجح في مسعاها إن أعلنت تنظيم إضراب سياسي من أجل تسليم السلطة للمدنيين، خاصة مع تنشيط النقابات العمالية في الفترة الأخيرة بصورة كبيرة.

وكان إعلان الحرية والتغيير قد هدد بتنظيم إضراب سياسي عام، وإعلان عصيان مدني بمشاركة جهات في القطاعات المهنية والحرفية والخدمية.

​​من ناحية أخرى، هناك من يشكك في أهلية القوى المدنية الثورية لقيادة البلاد منفردة بدون مشاركة عسكرية، خاصة في ظل التوترات الأمنية التي يمر بها السودان، كما يرى الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني، حنفي عبد الله.

"الوضع الأمني هش، لا بد أن يكون لدى القوات المسلحة نوع من السيطرة، هناك مناطق في السودان تحت سيطرة الحركات المسلحة، وهذه الحركات وقعت اتفاقيات يشرف عليها المجلس العسكري"، يقول عبدالله لموقع الحرة.

وأشار عبد الله إلى أن المجالس العسكرية السابقة، سواء في ثورة 1964 وثورة 1985، كانت مكونة من عسكريين فقط، ولذلك يريد المجلس العسكري الانتقالي هذه المرة أن يكون هناك نوع من السيطرة النسبية دون سيطرة كلية، كأن يكون رئيس المجلس السيادي عسكريا.

وفي عام 1985 عمت المظاهرات السودان احتجاجا على ارتفاع الأسعار ومطالبة في نفس الوقت بعزل الرئيس الراحل جعفر النميري في 6 نيسان/أبريل عام 1985 لامتصاص الموجة الثورية، وقد تولى المجلس العسكري قيادة البلاد بقيادة سوار الذهب.

نحو 3 آلاف شخص يتظاهرون دعما لنظام الرئيس السوداني جفعر النميري - 2 نيسان/أبريل 1985

​​"هناك ملفات أمنية تهدد أمن السودان، مثل وجود حركات مسلحة في جنوب ولاية النيل الأزرق وولاية كردفان، وجنوب جبال مرة بدارفور، وكذلك التوترات على الحدود، ولا زال هناك عدم استقرار على حدود السودان وحدود ليبيا وحدود جمهورية أفريقيا الوسطى"، يضيف عبدالله للحرة.

وقال الخبير الأمني إن عملية جمع السلاح التي يقوم بها الجيش السوداني لم تكتمل بعد في بعض المناطق مثل دارفور، والدليل على ذلك هو المناوشات التي اندلعت في محيط الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، جراء وجود أسلحة في أيادي بعض المتمردين الذين أتوا من مناطق عمليات إلى أماكن الاعتصامات في الخرطوم.

وكان متظاهرون سودانيون قد نشروا صورا وفيديوهات تتهم عناصر قوات الدعم السريع التي يرأسها نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، بإطلاق النار على المحتجين يوم 13 أيار/مايو.

​​وقد أسفر إطلاق النار عن مقتل ما لا يقل عن أربعة من المحتجين وضابط وإصابة نحو 200 آخرين، فيما تكرر إطلاق النار مرة أخرى بعدها بيومين والذي أسفر عن 14 جريحا.

وكان الفريق أول محمد حمدان دقلو قد أعلن السبت، إلقاء القبض على المتهمين بإطلاق النار على المعتصمين.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".