خاص بـ"موقع الحرة"/ مصطفى هاشم
عاد الدم إلى شوارع السودان قبيل ساعات من اجتماع كان مرتقبا بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، لكن تم إعلان تأجيله مجددا إلى الثلاثاء، في ظل شكوك في إمكانية عقد الاجتماع التوقيع على الإعلان السياسي والدستوري.
فبينما كان الطرفان يستعدان للاجتماع، المؤجل من الأمس بناء على طلب قوى الحرية والتغيير، سقط قتيل في مظاهرات تجددت الأحد، وعدد من المصابين على أيدي قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وذلك بعد يوم من نزول عشرات آلاف السودانيين إلى شوارع مدن عدة في أنحاء البلاد السبت لإحياء ذكرى مرور 40 يوما على فض قوات الأمن اعتصام المحتجين في العاصمة الخرطوم.
الحصانة تسبب الخلاف
وطالب تجمع المهنيين السودانيين العضو في قوى الحرية والتغيير بمحاسبة المسؤولين عن سقوط قتيل في مظاهرات السبت، وقال في بيان إنه "دم لا دية له إلا الاقتصاص ممن يظنون أنهم محصنون ضد العدالة والمحاسبة ويد القانون"، مضيفا أن هذا العنف المفرط تقوم به مليشيات مجرمة وغير مسؤولة وجرمها سيوثق لحين تقديمهم للعدالة وهو لا مهادنة فيه أو تنازل".
وفي الوقت الذي تكشفت فيه بنود من الإعلان الدستوري، ومنها "منح حصانة للمجلس السيادي حتى من الملاحقات القانونية"، حسب ما أدلى به الكاتب الصحفي خالد ماسا لـ"موقع الحرة"، رفع عشرات آلاف المتظاهرين السبت شعار "العدالة أولا" أثناء إحياء ذكرى مرور أربعين يوما على مجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم في الثالث من يونيو الماضي، وأسفرت عن مقتل نحو 129 شخصا.
وقال ماسا لـ"موقع الحرة" إن رغبة المجلس العسكري في منح الحصانة لأعضاء المجلس السيادي يتعارض مع فكرة قيام لجنة تحقيق مستقلة لها صلاحيات كاملة، لأنها بالتأكيد ستريد التحقيق مع أعضاء المجلس العسكري حول الأحداث.
وتقول المتحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين الدكتورة سارة عبد الجليل لـ"موقع الحرة" إن "هذه ثورة الشعب السوداني وهو يريد العدالة ونحن نحتكم لما يريد لأننا لسنا إلا ممثلين له، وليس هناك تراجع أبدا عن العدالة الانتقالية وسيتم الإعلان عن الكيفية بعد مراجعة الوثيقة".
لماذا تأخر التوقيع على الاتفاق؟
يشير مراسل الحرة في الخرطوم غلى أن هناك خلافات جوهرية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير خاصة في ما يتعلق بلجنة التحقيق المستقلة وصلاحيات كل من مجلس السيادة والمجلس التشريعي، بالإضافة إلى أن المجلس العسكري طلب مراجعة النسبة الممنوحة لقوى الحرية والتغيير في المجلس التشريعي رغم أن الاتفاق كان يشمل ما تم الاتفاق عليه مسبقا وهي 67% لقوى الحرية والتغيير و33% للقوى السياسية الأخرى.
وأعلن تحالف قوى الإجماع الوطني عن "التزامه بكامل الاتفاق السابق مع المجلس العسكري الانتقالي، وما عبر عنه القرار الصادر من مجلس السلم والأمن الأفريقي في اجتماعه بالرقم 854 وبتاريخ 6 يونيو 2019، والذي ينص على ضرورة التزام الطرفين بما توصلا إليه من اتفاق فيما مضى، وإكمال مالم يتم الاتفاق عليه وليس بداية التفاوض من جديد بمسلسل لا ينتهي".
وأعلن تجمع المهنيين السودانيين أن "الاتفاق مرفوض إذا لم يتم التأكيد على نسبة ٦٧٪ لقوى الحرية والتغيير من عضوية المجلس التشريعي".
يشير المحلل السياسي السوداني عثمان ميرغني إلى أن هناك خلافات كبيرة جدا بين مكونات قوى الحرية والتغيير، "هناك من يوافق على الوثيقة وهناك من يرفض الوثيقة تماما".
ويرى ميرغني في حديثه مع "الحرة" أن هناك مشكلة في ترتيب الأولويات لدى قوى الحرية والتغيير، "البعض لديه اعتراض على أن يكون المجلس العسكري الحالي شريكا في المرحلة الانتقالية، وهذا يعني انهيار المفاوضات تماما، والبعض الآخر لديه تحفظات".
وأضاف "أثناء جلسات التفاوض يطالب البعض بالتوقف بحجة الحاجة إلى العودة إلى حزبه أو كتلته، وهذا يعني عمليا إلغاء التفويض للمفوضين، وهو ما عطل التوقيع الخميس الماضي".
وتؤكد الدكتورة سارة عبد الجليل المتحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين لـ"موقع الحرة أن هناك خلافات، بقولها "نعم هناك تباين وهو أمر متوقع، لكن الرؤية العامة هو أنه لابد أن تكون السلطة مدنية وانتقال سلمي وعدالة انتقالية وإحلال كامل وشامل للسلام".
وتبرر الخلافات قائلة "إن الوثيقة مهمة جدا والمسؤولية تاريخية فهي ليست عقد شراء ولا بيع بيت، وبالتالي هذه الأمور لا يجب أن نسرع فيها وخصوصا إذا كانت لا تعكس الرؤية الكاملة لقوى الحرية والتغيير، ولذا كل الجهد مبذول لتقييمها تقييما كاملا وهناك بعض التحفظات التي رفعت".
وتضيف سارة: "نحن أمام معضلة تشبث المجلس العسكري بالسلطة، ونحاول بقدر الإمكان أن نجد الحل الأمثل وفي نفس الوقت عدم التنازل عن الاستحقاقات التي مات من أجلها السودانيون".
ويخشى مراقبون أيضا أن تكون أحداث الأحد صورة مكررة من أحداث سابقة كلما كان الطرفان يقتربان من التوصل لاتفاق حول القضايا الخلافية.
وكانت المحادثات بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، قد انهارت بعد فض الاعتصام بالقوة في أوائل يونيو، لكن جرى إحياء المحادثات المباشرة بين الجانبين بوساطة من الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا.