سودانيون يسيرون بجوار جرافيتي يرفع شعار الثورة
سودانيون يسيرون بجوار جرافيتي يرفع شعار الثورة

كشف تجمع المهنيين السودانيين أحد أبرز مكونات (قوى الحرية والتغيير) الذي يقود الاحتجاجات في السودان عن أن الوثيقة الدستورية المسربة هي "أطروحة المجلس العسكري كرد فعل على رؤية وطرح قوى الحرية والتغيير"، مشيرا إلى أن هذا ما أجل الاجتماع مع المجلس العسكري. 

وأكد تاج أن "قوى الحرية والتغيير تقدمت بمسودة للإعلان الدستوري، وقدم المجلس العسكري مسودة أخرى من جانبه، وعندما وصلتنا هذه المسودة لنا لوضع ملاحظاتنا عليها، تم تسريب هذه الوثيقة لتبدو وكأنها في شكل اتفاق على وشك التوقيع عليه، وبالتالي نحن نعتذر للشعب السوداني عن أي لبس". 

وقال المتحدث باسم التجمع إسماعيل تاج في مؤتمر صحفي الثلاثاء، "تم نشر وثيقتين واحدة تتعلق بالاتفاق السياسي وأخرى تتعلق بالمسار الدستوري أو الوثيقة الدستورية أو المرسوم الدستوري". 

وأوضح تاج: "بالنسبة للاتفاق السياسي يتماشى تماما مع ما جاءت به الوساطة الأثيوبية الأفريقية فيما يتعلق بشكل السلطات الثلاث وهياكلها وصلاحياتها ولم تكن لنا ملاحظات كثيرة سوى ما يتعلق بتكوين لجنة تحقيقات مستقلة".

وأضاف أن التجمع رأى أن يكون هناك نوع من الدعم الأفريقي من خلال مفوضية حقوق الإنسان "حتى نستطيع أن نؤكد على استقلاليتها".

وحول الوثيقة الدستورية قال تاج: "أحب أن أؤكد أنه ليست اتفاق وإنما هي أطروحة المجلس العسكري كرد فعل لرؤية وطرح قوى الحرية والتغيير، هي ذات الوثيقة ولكن المجلس العسكري أضاف إليها بعض البنود، بعضها يتعلق بمسألة الحصانة".

جلسة مفاوضات بين المجلس العسكري الحاكم وقياديين في تحالف الحرية والتغيير في الخرطوم
"حصانة العسكر" في السودان بين العدالة والاتفاق
عاد الدم إلى شوارع السودان قبيل ساعات من اجتماع كان مرتقبا يجمع بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، لكن تم إعلان تأجيله مجددا إلى الثلاثاء، في ظل تشكك بعقد الاجتماع في النهاية والتوقيع على الإعلان السياسي والدستوري، في حين يرجح البعض العودة إلى نقطة الصفر.

​​وأضاف: "الحصانة التي جاء بها المجلس العسكري هي حصانة مطلقة، بمعنى أنه لا يجوز ملاحقة أي عضو في مجلس السيادة طيلة الفترة عن أي إجراء أو جرم أو ما يتعلق بممتلكاتهم بدون أن تكون هناك إجراءات واضحة لرفع هذه الحصانة".

وقال إن التجمع يرى في "أن هذا النص بهذه الكيفية سوف يهدم كل الوثيقة الدستورية، وحتى كل ما جاء فيها من حقوق لأن المادة الرابعة في الوثيقة تؤكد خضوع كل الأفراد والهيئات تحت سيادة حكم القانون".

وأضاف: "سمعنا كثيرا أن الاجتماع سيكون جاهز الجمعة ولكن لم يكن هو الاتفاق الذي كان يتوقعه الجميع وخاصة فيما يتعلق بالنقاط الخلافية".  

وأكد تاج أنهم لن يوقعوا على اتفاق لا يرضي الشارع السوداني قائلا: "نحب أن نؤكد للشعب السوداني بأن أي اتفاق لا يؤدي إلى سلطة مدنية ننشدها جميعا ولا يرضي الشعب السوداني المتطلع لحياة كريمة ولا يرضي أسر الشهداء فلن نوقع عليه نحن في تجمع المهنيين السودانيين، هذا هو عهدنا للمواطنين جميعا ونحن أوفياء لدماء الشهداء". 

واستنكر التجمع قرار المجلس العسكري بتمديد حالة الطوارئ لثلاثة أشهر.

وقال تاج "نرى عدم ضرورة تمديد حالة الطوارئ 3 أشهر لأنها تتنافى مع حق المواطن السوداني في الحرية، كما أنه لم يذكر أي أسباب موضوعية" للتمديد.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".