شكك قادة الاحتجاجات الشعبية في السودان في النتائج التي توصلت إليها لجنة تحقيق وطنية حول فض الاعتصام أمام قيادة الجيش الشهر الماضي، وجددوا مطالبتهم بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لا تضم ممثلين للأجهزة الأمنية. فيما خرج محتجون، السبت، في مناطق مختلفة بالخرطوم رفضا لنتائج التحقيق.
وفي الثالث من يونيو، فرق مسلحون في ملابس عسكرية اعتصاما لآلاف المحتجين أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة، ما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة المئات.
وكان المحتجون معتصمين منذ أسابيع لمطالبة الجيش بتسليم السلطة للمدنيين بعد إطاحة الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل.
ويتهم المحتجون ومنظمات حقوقية قوات الدعم السريع، التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، بالهجوم على المعتصمين، في حين يقول حميدتي إنها مزاعم هدفها تشويه سمعة قواته.
وقال رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام، فتح الرحمن سعيد، إن عناصر من قوات الدعم السريع تورطوا مع قوات أمنية أخرى في العملية الدامية لفض الاعتصام.
القوات "خالفت الأوامر"
وقال سعيد إن أوامر صدرت في الثالث من يونيو، بتطهير منطقة كولومبيا التي "تشهد ممارسات غير قانونية" والقريبة من موقع الاعتصام، لكن جنرالا في قوات الدعم السريع "خالف التوجيهات" وأمر بفض تجمع المحتجين.
وذكر سعيد في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون الرسمي، أن الجنرال "خالف التوجيهات وقام بقيادة قوة معسكر الصالحة (التابعة لقوات الدعم السريع) إلى داخل منطقة الاعتصام وأصدر توجيهاته بإنزال القوة من العربات وقام بجلد المعتصمين".
وكشف تورط ضباط في قوات الدعم السريع عرف عنهم بالأحرف الأولى من أسمائهم في مهاجمة المعتصمين.
وقال إن "ضابطا برتبة لواء +ا س ا+ أصدر أمرا للعقيد +ع ع م+ بتحريك قوة مكافحة الشغب التابعة لقوات الدعم السريع ولم يكونا ضمن القادة المنفذين لتطهير منطقة كولومبيا، ولم تكن لديهما أي تعليمات أو أوامر بالمشاركة في خطة +نظافة+ المنطقة".
وأوضح أن ثمانية ضباط إجمالا أصدروا أوامر بفض الاعتصام.
وقالت لجنة التحقيق إن الضباط سيواجهون تهما جنائية متعلقة بجرائم "ضد الإنسانية".
وأكد سعيد مقتل 87 شخصا بين الثالث والـ10 من يونيو، بينهم 17 شخصا في ساحة الاعتصام في يوم فضه، بالإضافة لإصابة 168 شخصا، 63 منهم في ساحة الاعتصام بينهم 48 حالة إصابة بطلق ناري و15 نتيجة الاختناق.
لكن لجنة أطباء السودان المركزية المقربة من حركة الاحتجاج، كانت قد قالت إن 127 شخصا قتلوا خلال عملية فض الاعتصام.
وصرح سعيد بأنه "لم يتبين للجنة وجود أي حالات اغتصاب داخل ساحة الاعتصام أو حالات وفاة بسبب حرق بالنار"، وهي اتهامات يسوقها المحتجون منذ فض الاعتصام.
ويضم فريق التحقيق الذي ترأسه سعيد، وكلاء نيابات وممثلين للقضاء العسكري والمستشارين القانونيين للشرطة وجهاز الأمن وقوات الدعم السريع.
ومنذ فض الاعتصام، يقول المجلس العسكري الحاكم إنه لم يصدر أوامر بذلك ويصر على أنه أصدر أوامر لتطهير منطقة كولومبيا.
"صدمة" للشارع السوداني
وفي مؤتمر صحافي، السبت، أعقب ما أعلنه رئيس لجنة التحقيق، أعلن إسماعيل التاج الناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين الذي أطلق الاحتجاجات، رفض التقرير معتبرا أنه شكل "صدمة" للشارع السوداني.
وقال إن "تقرير النائب العام لم يكن ما ينتظره الشارع السوداني ونحن رفضناه منذ البداية لعدم وضوح الأعضاء ولوجود شبهة المشاركة في مجزرة الثالث يونيو"، في إشارة إلى مشاركة ممثلين للجهات الأمنية في التحقيق.
وتابع "نحن رفضنا تشكيل لجنة التحقيق من أساسه.. وبالتالي نرفض النتائج التي توصلت إليها".
كما رفض أعداد الضحايا التي أعلنها سعيد، مشددا على تمسكه بالأعداد التي أعلنتها لجنة الأطباء المقربة من حركة الاحتجاج.
مظاهرات واحتجاجات
وفي حي الحاج يوسف شرقي الخرطوم، أطلقت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرات عفوية خرجت، السبت، احتجاجا على نتائج التحقيق، بحسب ما أفاد به شهود.
وفي حي بري، أشعل محتجون الإطارات ووضعوا الحجارة وسط الطرق ورددوا هتافات مناهضة للمجلس العسكري.
بري تنتفض وترفض بقوة تحقيق حول مجزرة فض الاعتصام...اين باقي السودان؟ 1:40 بري الان #مجزرة_القيادة_العامة #توثيق_مجزرة_القياده_العامه pic.twitter.com/w3OrBBfRfB
— مآزن (@MazinIsmail5) July 27, 2019
ولاحقا امتدت الاحتجاجات إلى أم درمان في غرب الخرطوم وبحري في شمال العاصمة وعدة أحياء وسط وجنوب الخرطوم.
وقال المتظاهر إمام الطاهر الذي لف رقبته بعلم السودان إن "نتائج التحقيق لا معنى لها وأعداد الضحايا التي ذكرها كاذبة".
مواكب الأحد
ودعا تجمع المهنيين المواطنين إلى الخروج في مواكب احتجاجية الأحد رفضا لنتائج التحقيق.
وأكد التجمع تمسكه بتشكيل لجنة مستقلة حول فض الاعتصام بدعم أفريقي يضمن نزاهتها، مشيرا إلى أن تعديلات الوثيقة الدستورية شملت رفض الحصانة المطلقة عن أي عضو في المجلس السيادي والوزراء، وفق إجراءات محددة.
الأحد 28 يوليو - وقفات احتجاجية في الشوارع الرئيسية لرفض نتائج لجنة التحقيق التي كونها المجلس العسكري - تسليم التصور والرؤية النهائية للنصب التذكارى للشهداء
— تجمع المهنيين السودانيين (@AssociationSd) July 27, 2019
واعتصم آلاف السودانيين بدءا من 6 أبريل الفائت أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم للضغط على الجيش لإطاحة البشير الذي حكم البلاد نحو ثلاثين عاما وواجه احتجاجات شعبية منذ 19 ديسمبر الفائت.
وأطاح الجيش البشير في 11 أبريل وتسلم المجلس العسكري حكم البلاد، ما دفع المتظاهرين لمواصلة الاعتصام لمطالبة الجيش بتسليم السلطة لحكومة مدنية.
وأدى فض الاعتصام لانهيار المباحثات بين الجيش وقادة الاحتجاج، قبل أن تسفر وساطة إثيوبية وإفريقية عن استئنافها بعد أسابيع.
وفي 17 يوليو، وقع تحالف قوى الحرية والتغيير الذي يقود الاحتجاجات والمجلس العسكري الحاكم اتفاقا لتشكيل مجلس عسكري مدني مشترك يؤسس لمرحلة انتقالية تدير البلاد مدة 39 شهرا.
وسيشكل هذا المجلس حكومة مدنية انتقالية كما يطالب المحتجون، الذين يواصلون الضغوط من أجل تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في العملية الدامية لفض الاعتصام.
ومن المقرر أن يواصل المجلس وقادة الاحتجاجات المفاوضات من أجل التوقيع على الإعلان الدستوري الذي يتضمن مسائل خلافية معقدة.