المظاهرات مستمرة في السودان رافعة شعار "العدالة أولا"
المظاهرات مستمرة في السودان رافعة شعار "العدالة أولا"

بعد يوم من إعلان نتائج التحقيقات، وإدانة سبعة ضباط، خرجت تظاهرات في السودان مطالبة بتحقيق مستقل في عملية فض الاعتصام رافضين نتائج التحقيقات، لكن الشرطة السودانية أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

وكشف محققون سودانيون من النيابة العامة والمجلس العسكري الحاكم السبت أنّ عناصر من قوات الأمن بينهم جنرال في قوات الدعم السريع شاركوا في العملية الدامية لفض الاعتصام في الثالث من يونيو، بدون أن يتلقوا أوامر رسمية بذلك.

وأعلن رئيس فريق التحقيق فتح الرحمن سعيد أنّ التحقيقات أظهرت أنّ ثمانية ضباط تورطوا في الحملة الأمنية الدامية، ويواجهون اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

لكن قادة الاحتجاجات شككوا في نتائج التحقيق، وجددوا مطالبتهم بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لا تضم ممثلين للأجهزة الأمنية. وخرجت تظاهرات السبت في هذا السياق.

​​كذلك، تظاهر العشرات الأحد في شوارع حي بوري في شرق الخرطوم استجابة لدعوات تجمع المهنيين الذي أطلق الاحتجاجات ضد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، فضلا عن عدد من الوقفات الاحتجاجية من بينها أمام مقر النيابة العامة بولاية النيل الأزرق.

​​​وهتف المحتجون "حرية سلام وعدالة" و"مدنية مدنية"، حسب شهود العيان.
وأوضح الشهود أن قوات مكافحة الشغب فرّقت المحتجين سريعا بواسطة الغاز المسيّل للدموع، فيما رد المحتجون برشق القوات بالحجارة.

وقالت حركة "قرفنا" إنه تم فض موكب في جامعة النيلين بالغاز المسيل للدموع بعد أن تمت محاصرة المتظاهرين من قبل الأجهزة الأمنية.​

​​​وقال سعيد السبت إنّ جنرالا في قوات الدعم السريع أمر بفض الاعتصام فيما كانت قوات الأمن تقوم "بتطهير مكان على مقربة من موقع الاعتصام". 

ولفظ "تطهير" هو نفس اللفظ الذي استخدمه المجلس العسكري في بياناته وتصريحات أعضائه. 

وذكر في مؤتمر صحافي بثّه التلفزيون الرسمي أنّ الجنرال "خالف التوجيهات وقام بقيادة قوة معسكر الصالحة (التابعة لقوات الدعم السريع) إلى داخل منطقة الاعتصام وأصدر توجيهاته بإنزال القوة من العربات وقام بجلد المعتصمين". 

وأكّد سعيد مقتل 87 شخصا بين يومي 3 و10 يونيو بينهم 17 شخصا في ساحة الاعتصام يوم فضه.

لكنّ لجنة أطباء السودان المركزية المقربة من حركة الاحتجاج كانت قد قالت إنّ 127 شخصاً قتلوا في الثالث من يونيو خلال فض الاعتصام.

ورفضت قوى الحرية والتغيير التي تقود الحراك في السودان نتائج التحقيق بالكامل "لأنها كُوِّنت بتكليف من المجلس العسكري، وهذا يطعن في نزاهتها لأن المجلس العسكري نفسه متهم في هذه القضية وهو خصم فيها ولا يمكن أن يكون الخصم هو الحكم"، بحسب بيانه السبت. 

المفاوضات

أعلن الوسيط الإفريقي في سياق آخر أن المفاوضات حول الإعلان الدستوري في السودان تستأنف الثلاثاء. بعد أن تأجل اجتماع كان مقررا بين المجلس العسكري وقوى الحرية والنغيير  الأحد، للتوقيع على بنود الإعلان الدستوري. 

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".