المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير يوقعان الاتفاق السياسي - 17 يوليو 2019
المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير يوقعان الاتفاق السياسي - 17 يوليو 2019

​​خاص بموقع "الحرة"-  حمدي السيد

 

 

​​​توقع القيادي في قوى الحرية والتغيير السودانية بابكر فيصل، توقيع الاتفاق النهائي الذي تم التوصل إليه قبل ساعات مع المجلس العسكري يوم غد الأحد.

وقال بابكر في حديث خاص لـ "موقع الحرة" إن المفاوضين من الجانبين دخلا المفاوضات "بتصميم للتوصل إلى اتفاق حول كافة بنود الوثيقة الدستورية.

"أعتقد أنه لم يبق أي شيء عالق يخص المرحلة الانتقالية" يوضح بابكر قبل أن يكشف "في الغالب سيتم التوقيع على الاتفاق هذا الأحد "

وكان الطرفان قد توصلا صباح السبت برعاية الوسيط الأفريقي محمد الحسن لبات إلى "اتفاق كامل" حول الإعلان الدستوري، ما يمهد الطريق لتشكيل حكومة مدنية تشرف على المرحلة الانتقالية.

فيصل بابكر عضو قوى الحرية والتغيير السودانية

​​العسكر وقادة الاحتجاج توصلوا، وفق المتحدث، إلى الاتفاق على مجموعة من الأولويات وعلى رأسها "تثبيت نسبة الـ 67 في المئة لقوى الحرية والتغيير في المجلس التشريعي وغيرها من الأمور التي تحقق التحول الديمقراطي خلال فترة الانتقال".

ولفت بابكر إلى أن الاتفاق درس مجموعة من النقاط المتعلقة بالسلام وتحقيق الإجماع، وكيفية إلحاق الجبهة الثورية (حركات متمردة خارجة عن إطار قوى الحرية والتغيير) بالاتفاق لاحقا.

إذ تم الاتفاق، وفقه، على إلحاق النقاط المتفق عليها في أديس أبابا مع الجبهة الثورية ( تجمع حركات مسلحة)  بالوثيقة الدستورية "مع العمل على إقناع بقية الحركات الرافضة مثل حركتي الحلو وَعَبَد الواحد نو ر بالانضمام للاتفاق".

إذ اتفق الجانبان على تعزيز السلام والأمن في السودان، وجعله على رأس الأولويات خلال السداسي الأول من عمر الفترة الانتقالية، ثم تكوين مفوضية للسلام.

حصانة إجرائية ولجنة لتقصي أحداث الاحتجاجات

​​وفي إجابته عن طبيعة الاتفاق حول مسألة حصانة بعض المسؤولين، والذي أثار الشارع السوداني مؤخرا قال بابكر "هناك اتفاق على أن تكون الحصانة إجرائية غير مطلقة".

كيف؟ "الحصانة غير المطلقة يمكن سحبها من الشخص المدان بواسطة المجلس التشريعي وفق إجراءات تم التوافق عليها في الوثيقة الدستورية".

يذكر أن مسالة الحصانة كانت إحدى العقبات في المفاوضات بين الطرفين.

​​وخلال حديثه عن ضحايا الاحتجاجات، قال فيصل إن الجانبان اتفقنا على تشكيل لجنة مستقلة مع بدء أول شهر لعمل الحكومة الانتقالية، للتحقيق في ضلوع أعوان الأمن في جرائم قتل عمدي للمحتجين.

مجلس السيادة مرآة السودان الجديد

​​القيادي في قوى الحرية والتغيير، أكد في سياق حديثه أن الهيئة التي يمثلها، اختارت خمسة شخصيات لقيادة مجلس السيادة بالشراكة مع تلك التي يعينها المجلس العسكري، لكنه فضل عدم الكشف عنها.

بالمقابل، كشف بابكر أن "التشاور جار لتسمية الشخصية السادسة" والتي من المرجح أن تكون من الحركات المسلحة "شريطة أن تكون شخصية تكنوقراطية" حسب تعبيره.

متظاهرون يلوحون بعلم السودان احتفالا بالتوصل لاتفاق بين المجلس العسكري وقوى المعارضة حول تسلم السلطة في 5 يوليو 209

​​فيصل بابكر أوضح كذلك أن قوى الحرية والتغيير راعت معايير التمثيل المناطقي والتنوع العرقي والديني والجندري في اختيار الشخصيات التي ستمثلها في المجلس السيادي.

وقال في الصدد "مجلس السيادة سيكون المرآة التي يرى بها العالم السودان الجديد".

ويأتي الاتفاق على الوثيقة الدستورية بعد أيام من الاتفاق على وثيقة الإعلان السياسي ومن بين ما تنص عليه تشكيل مجلس سيادي من 11 شخصا، خمسة من المجلس العسكري، وخمسة من المدنيين، والأخير مدني أيضا يتم اختياره بالتوافق بين الجانبين.

الخطوة التالية، بحسب المتحدث نفسه، ستكون "تسمية" رئيس مجلس الوزراء، على أن يعرض عليه ثلاثة أو أربعة مرشحين لكل وزارة "وهذا الأمر سيتم وفق جدول زمني يتم التوافق عليه" يؤكد بابكر.

تجدر الإشارة إلى أنه من الضروري تنصيب مجلس السيادة أولا، لأن رئيس مجلس الوزراء سيؤدي القسم أمامه قبل أن يشرع في تشكيل حكومته.

اللافت، في حديث بابكر هو كون وزارتي الدفاع والداخلية ستؤولان إلى العسكر، لكنهما ستكونان تحت سلطة مجلس الوزراء، حسب الوثيقة الدستورية.

وبحسب بابكر فيصل فإنه من بين ما تم الاتفاق عليه السبت أن "تتبع  قوات الدعم السريع إلى القوات المسلحة، على أن يكون جهاز الأمن والمخابرات تحت إشراف مجلسي السيادة والوزراء". 

للإشارة فإن الاتفاق الموقع بين العسكر والقوى السياسية ينص على فترة انتقالية من 39 شهرا يتولي الـ 21 شهرا الأولى منها العسكر.

لا مانع من تقديم البشير للجنائية الدولية

​​أما بخصوص متابعة الرئيس السابق عمر البشير المتهم بارتكاب جرائم فظيعة في دارفور غربي السودان، أو تقديمه لمحكمة الجنايات الدولية، قال بابكر "هذا أمر متروك للحكومة القادمة وتوجهاتها، ولما سيؤول إليه المصير من إعادة هيكلة للأجهزة القضائية والعدلية" ثم استدرك قائلا "وثيقة الدستور لا تمنع ذلك".

تظاهرات السودان

​​كما استبعد المتحدث صدور عفو عن البشير خلال الفترة الانتقالية وقال "الفترة القادمة ستكون لسيادة القانون، لا نريد تكرار ما عنيناه طوال الـ 30 سنة الماضية".

وخلال حديثه عن القوات السودانية التي تحارب في اليمن، وإمكانية إرجاعها للبلاد بعدما أطاح الحراك الشعبي بالرئيس السابق، قال بابكر إن البت في مصير القوات السودانية في اليمن ليس من صلاحيات فترة الانتقال وأن "الحكومة الانتقالية لا تستطيع إلغاء الاتفاقيات التي تمت قبل قيامها، وفق الوثيقة الدستورية".

بوادر إيجابية لخروج السودان من حظيرة الدول الراعية للإرهاب

​​ألمحت الإدارة الأميركية إلى إمكانية رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب المشمول فيها منذ التسعينيات، إذا توصل الفرقاء إلى اتفاق سياسي.

وقال فيصل في هذا الصدد "وصلتنا مؤشرات قوية وتأكيدات من المسؤولين الأميركيين بذلك، والأمر أصبح أكثر احتمالا، بعد التوصل إلى اتفاق".

يشار إلى أن رفع اسم السودان من الإرهاب يفتح الباب لمسح ديونه الخارجية التي تمثل عبئا كبيرا على اقتصاد البلاد.

لا مكان لأحزاب "الفكة" في الفترة الانتقالية

​​وبالرغم من أن المرحلة الانتقالية التي تقبل عليها السودان لا تقصي أحدا، إلا أن بابكر أبدى تحفظا بخصوص إشراك بعض القوى التي عرفت بتعاونها مع نظام البشير ولو لفترات متفاوتة.

وقال بابكر في هذا الشأن إن حزب المؤتمر الوطني وشركاءه السابقين في الحكم حتى سقوطه في 11 أبريل، أو ما يعرف اصطلاحا في السودان بأحزاب الفكة لن يسمح لهم بالمشاركة في الفترة الانتقالية، لكن يمكنهم المشاركة في للانتخابات القادمة".

متظاهرون السودان

​​يذكر أن هناك أحزابا إسلامية انسلخت عن نظام البشير، بعدما ساندته لفترات طويلة مثل حزب "حركة الإصلاح الآن" الذي يرأسه غازي صلاح الدين متولي محمد العتباني وهي اليوم تبحث عن موطئ قدم لها في السودان الجديد فهل يمكن لها ذلك؟

فيصل بابكر يرد بالسلب ويقول "صلاح الدين كان ضد البشير، لكنه من عرابي النظام السابق وظل 25 عاما داخل أجهزة النظام، فإذا كان عنده نوع من الحياء فلن يتجرأ للعمل مرة أخرى في العمل العام".

هذا ومن المقرر أن تعقد ​قوى الحرية والتغيير في الساعة العاشرة من صباح اليوم السبت بالخرطوم مؤتمرا صحفيا لشرح بنود وتفاصيل الاتفاق على وثيقة الإعلان الدستوري.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".