سودانيون خرجوا للاحتفال بالتوقيع المبدئي على الاتفاق على الإعلان الدستوري لكنه كان مشوبا بالحذر
سودانيون خرجوا للاحتفال بالتوقيع المبدئي على الاتفاق على الإعلان الدستوري لكنه كان مشوبا بالحذر

تزامنا مع التوقيع بالأحرف الأولى على الإعلان الدستوري الأحد، خرج آلاف السودانيين للاحتفال بهذه المناسبة التاريخية في جميع أنحاء العاصمة.

وعقب انتشار نبأ التوصل للاتفاق بين ممثلين عن المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، تجمع المواطنون في شارع النيل الرئيسي بالعاصمة الخرطوم، وأطلقوا أبواق سياراتهم احتفالا بما تم التوصل إليه بين الفرقاء.

وهتف بعضهم قائلين "انتصرنا" وردد آخرون النشيد الوطني السوداني.

​​

​​

 

​​​​ورحب تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، وهو تحالف المعارضة الرئيسي، بالاتفاق ووصفه بأنه "خطوة أولى سيكون لها ما بعدها"، وتعهد بإكمال المسيرة إلى "الحرية والسلام والعدالة" في السودان.

لكن.. ماذا يعني الاتفاق؟

ينص الاتفاق على أن يتم التوقيع النهائي على الإعلان الدستوري في 17 أغسطس، والإعلان عن أسماء مجلس السيادة في 18 أغسطس وحل المجلس العسكري الحالي، وأن يتم تشكيل مجلس وزراء يبدأ عمله في نهاية الشهر الجاري، على أن يعقد أول اجتماع بين المجلسين في الأول من سبتمبر. 

الجدول الزمني لبدء عمل مجلسي السيادة والوزراء في السودان في الفترة الانتقالية

​​ويقضي الإعلان بتشكيل مجلس تشريعي يضم 300 عضو للعمل خلال الفترة الانتقالية. وسيكون لقوى إعلان الحرية والتغيير 67 في المئة من مقاعد المجلس بينما ستسيطر جماعات سياسية أخرى ليست مرتبطة بالبشير على باقي المقاعد.

وفور بدء الحكومة الانتقالية، أو مجلس السيادة، عملها سيبدأ السودان فترة انتقالية تستمر ثلاث سنوات من المتوقع أن تؤدي إلى انتخابات.

واتفق الطرفان الشهر الماضي على أن يتألف مجلس السيادة من 11 عضوا، هم خمسة ضباط يختارهم المجلس العسكري وعدد مماثل من المدنيين يختارهم تحالف قوى الحرية والتغيير إلى جانب مدني آخر يتفق عليه الجانبان. وسيكون رئيس المجلس الأول من الجيش.

​​​​وعندما يتشكل مجلس السيادة، سيتم حل المجلس العسكري الحاكم حاليا برئاسة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو الذي يرأس قوات الدعم السريع التي وجهت اتهامات لبعض أعضائها بالضلوع في قتل متظاهرين.

وكان دور قوات الدعم السريع نقطة محورية خلال المفاوضات، لكن الوثيقة الدستورية التي نشرتها قوى منضوية تحت قوى الحرية والتغيير أشارت إلى أن قوات الدعم السريع ستتبع القيادة العامة للقوات المسلحة. 

لكن مجدي الجزولي، وهو أكاديمي سوداني وزميل في معهد ريفت فالي، شكك في أن يؤدي هذا إلى أي تغيير لأن قوات الدعم السريع كانت دوما تحت إدارة الجيش من الناحية الرسمية.

وقال "هذه ميليشيا خاصة، لا تتبع سلطة أحد غير قائدها.. كان هذا هو الوضع في عهد البشير وسيظل كذلك الآن على الأرجح".

​​​ترحيب وتحفظ

رأى الحزب الشيوعي السوداني أحد مكونات قوى الحرية والتغيير أن الاتفاق والإطار الدستوري الذي سيحكم الفترة الانتقالية لا يلبي مطالب وأهداف الثورة، وأن "الحكم الانتقالي مدني اسما وعسكري فعلا من هيمنة العسكر على المشهد السياسي الانتقالي وتقزيم دور الحكومة التنفيذية في تصفية إرث الإنقاذ، وتغييب المجلس التشريعي لغرض في نفس العسكر، ليس تغييبه فحسب بل السعي لإدخال سدنة ورموز النظام البائد فيه".

وانتقد الحزب الشيوعي الاتفاق الذي "يعترف بمليشيا الدعم السريع ويلحقها بالقوات المسلحة وتحت إمرة القائد العام وهو نفسه قائد الدعم السريع كما سيحدث، إذن ذابت القوات المسلحة في الدعم السريع وليس العكس، ولن يحتج الموقعون على أي تصرفات أو انتهاكات، لهذه المليشيات طالما اعترفوا بها".

​​بينما رحب حزب الأمة القومي أحد مكونات قوى الحرية والتغيير بالاتفاق الذي رأى أنه سيفتح الباب للحريات، "وستقوم لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت مؤخرا، كما سوف تصدر القوانين المطلوبة لمساءلة مجرمي النظام البائد، كما سيصادق السودان على نظام للمحكمة الجنائية الدولية" ويرجى أن نعمل معا للحيلولة دون الإقصاء بمشاركة عادلة لكافة القوى التي ساهمت في الثورة الظافرة".

​​ولم تنس المشاهد الاحتفالية التي أقامها النشطاء الترحم على قتلى الثورة، ومواصلة الإعلان عن مواكب احتجاجية للمطالبة بحقوق قتلى فض الاعتصام والمطالبة بالتحقيق لمعرفة مصير المفقودين.

​​​​وقالت لجنة أطباء السودان المركزية "سيخلد التاريخ أن مجزرة القيادة العامة تظل من أبشع الجرائم التي واجهت ثورة ديسمبر المجيدة يعضد من ذلك الغدر والخيانة التي لازم تنفيذها فكان القتل بدم بارد والضرب بدم بارد وكافة أشكال الإنتهاكات ولكن تظل قضية المفقودين القضية الحساسة التي تحتاج منّا كل تركيز وكل عمل، فهي تعني جميع السودانيين بلا إستثناء"، مؤكدة أن الخطوة الأولى في حل القضية هو حصر المفقودين. 

لكن مجدي الجزولي، وهو أكاديمي سوداني وزميل في معهد ريفت فالي، قال إن "من السابق لأوانه قليلا التكهن" بمدى النجاح في تنفيذ الاتفاق.

وقال "هناك بالتأكيد ضغوط من كل الأطراف ليوقعوا على شيء ما، الوسطاء يضغطون والرأي العام في السودان يريد ترتيبا... لكن كيف سيحولون ذلك إلى تنفيذ عملي مسألة مختلفة كليا".

​​

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".