في حي "بحري" الذي كان مسرحا لتظاهرات يومية منذ اندلاع الاحتجاجات، تنتشر رسوم الغرافيتي على جدران الطرق والمنازل، وكذلك في مناطق أخرى من العاصمة، ومنها صور بعض ضحايا الثورة.
تُذَكر رسوم الغرافيتي السودانيين بشعارات الثورة التي خرجوا من أجلها ولا يزالون يحلمون بتطبيقها على أرض الواقع، وتحفزهم على الإستمرار في المطالبة بها لكن المجلس العسكري بدأ بإزالة الرسوم الثورية في العاصمة الخرطوم.
أولوية العسكر هى مسح الجرافيتى !اليوم مسح ما تبقى من رسومات الثورة في مدخل الكبرى النيل الأزرق من شارع النيل !المجلس العسكرى بقيادة البرهان و حميدتى المجرمين لا يريدون من يذكرهم بسقوط الطغاة، و بالدماء التى سفكوها و الأبرياء الذى مضوا من أجل الحرية و التغيير.#السودان pic.twitter.com/hlGCTAc6EU
— BLACKBOY سودانى (@blackboy) August 13, 2019
ويقول الناشط أحمد الضي لـ"موقع الحرة" إن من بين رسوم الغرافيتي التي تم محوها مؤخرا، صور شهداء الثورة الموجودة بالقرب من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة".
قتل المتظاهر السوداني وليد عبد الرحمن خلال تظاهرة تلت عملية فض اعتصام الخرطوم الدامية قبل شهر، لكنّ رسم غرافيتي ملونا كبيرا لوجهه المبتسم خطّها نشطاء على جدران منزله، تعطي والدته المكلومة شعورا بأنه "لا يزال حيا".
إزالة رسوم الغرافيتي أثار انتقادات حادة ودفع أحد أبرز قادة الحراك في السودان للعودة إلى وصف المجلس العسكري بأنه يقف في صف "أعداء الثورة"، بعدما تم وصفه كشريك.
وقال تجمع المهنيين السودانيين في بيان: "يقوم المجلس العسكري وأعداء الثورة بمسح الجداريات التي زينت شوارع القيادة العامة وبعض شوارع الخرطوم، إننا إذ ندين هذا السلوك نعتبره انتهاكا واضحا وامتدادا مقصودا لطمس أحد أهم ملامح الثورة".
ووصف التجمع الخطوة بأنها "محاولة بائسة لإخفاء جمال وأدب وثقافة الثورة (...) وتنم عن عجز أعداء الثورة عن إدراك تجذر الثورة ووعيها في كل قلب وفؤاد"، مطالبا المجلس العسكري بإيقاف مسح الجداريات فورا.
ودعا التجمع "جميع الثوار إلى مواصلة رسم الجداريات وممارسة كافة حقوقهم في التعبير وحماية الحقوق المنتزعة في كل المواقع".
ومثل الحال في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، كانت رسوم الغرافيتي تلك تصور معارك دموية وتقدم تكريما رمزيا لنشطاء قتلوا أو تدعو إلى محاكمة الذين يعتقد أنهم هربوا من العدالة.
وتأتي إزالة الرسومات الثورية قبل أيام من التوقيع النهائي على الإعلان الدستوري الذي يحكم الفترة الانتقالية والتي تزيد عن ثلاث سنوات.
وأعلن تجمع المهنيين السودانيين الخميس الماضي قراره بعدم المشاركة في المجلس السيادي أو الحكومة الانتقالية.
وكان فن الغرافيتي يُمارس في الخفاء لسنوات طويلة في ظل رقابة مشددة من القوى الأمنية التي كانت تنظر إليه كرمز للمعارضة ضد النظام القائم أو كشكل من أشكال التخريب.
غير أن الوضع تغيّر بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية على حكم البشير الذي أطاحه الجيش في 11 أبريل الفائت، أو هكذا كان يظن السودانيون.
وكان محيط القيادة العامة للقوات المسلحة مقر اعتصام المعارضين لحكم البشير منذ السادس من أبريل، واستمر بعد تدخل الجيش لعزله في 11 من الشهر نفسه، لكن الإعتصام استمر مطالبا بتحقيق مطالب الثورة وتسليم السلطة للمدنيين قبل أن يفضه المجلس العسكري بشكل دموي ويقتل أكثر من مئة شخص في الثالث من يونيو الماضي.
وتحولت جدران العاصمة المصرية، أيضا للوحات للرسم تفصح بصمت عن كل ما دار في تلك البلاد منذ التظاهرات غير المسبوقة المناهضة لمبارك، من نشوة النصر المفرطة التي تلاها إحباط وغضب تجاه الحكام الانتقاليين من العسكر، ثم الرئيس المعزول من قبل الجيش الراحل محمد مرسي.
واستمرت الرسوم على جدران الشوارع المحيطة بميدان التحرير في القاهرة لتصبح أيقونة للثورة المصرية، في معظمها لمدة نحو ثلاث سنوات إلى أن تم إزالتها في 2013، لكن في الحالة السودانية لم تستمر كثير من الرسومات الثورية إلا أشهرا معدودة.