احتفل السودان، السبت، ببدء تنفيذ الاتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه بين المجلس العسكري الحاكم وقادة الحركة الاحتجاجية بهدف الانتقال إلى الحكم المدني الذي يأمل السودانيون أن يجلب لبلدهم الحرية والازدهار الاقتصادي.
وخلال حفل أقيم في قاعة تطل على نهر النيل، وقع قادة المجلس العسكري الانتقالي وزعماء الحركة الاحتجاجية على وثائق الاتفاق الذي يحدد فترة حكم انتقالية مدتها 39 شهراً.
ووقع "الوثيقة الدستورية" كل من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي وممثل تحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع في قاعة فخمة تطل على نهر النيل في الخرطوم. واستغرقت العملية بضع دقائق وشملت أوراقا عدة.
وفور انتهاء التوقيع، حمل رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان الوثيقة التي وضعت في غلاف سميك باللون الأخضر عاليا ولوح بها وسط تصفيق الحاضرين، وبينهم رؤساء دول وحكومات إفريقية وممثلون عن الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما حضر وزراء ومسؤولون من دول خليجية وعربية.
وجلس حميدتي والربيع على المنصة الرئيسية وبجوارهما رئيس وزراء إثيوبيا أبيي أحمد الذي قاد وساطة أدت إلى الاتفاق.
وقال ممثل الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد في كلمة ألقاها بعد التوقيع "هذا الإنجاز التاريخي العظيم هو نتيجة طيبة من هندسة وصنع الإرادة الوطنية والمجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير والحركات المسلحة والفاعلين السياسيين".
ثم ألقى الزعيم السوداني المعارض الصادق المهدي كلمة اعتبر فيها أن هذا اليوم هو "يوم عبور إلى الحكم المدني الذي سيحقق السلام والتحوّل الديموقراطي عبر انتخابات حرة احتكاما للشعب السوداني".
وأكد ضرورة فتح الباب أمام "كل القوى التي لم تلوث مواقفها بالاستبداد"، وإلى عدم إقصاء أحد.
وينهي الاتّفاق الذي تم التوصل إليه في الرابع من أغسطس نحو ثمانية أشهر من الاضطرابات بدأت بتظاهرات حاشدة ضدّ الرئيس عمر البشير. وأطاح الجيش البشير تحت ضغط الشارع في أبريل، بعد 30 سنة من حكم السودان بقبضة من حديد.
وتم التوصل الى الاتفاق بين المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد إطاحة البشير والمحتجين بوساطة إثيوبية، بعد عملية قمع دامية لاعتصام كان يطالب بتسليم الحكم للمدنيين. وتسببت عملية القمع بمقتل أكثر من 250 شخصا، بحسب لجنة الأطباء المركزية القريبة من المحتجين.
وعلى الرغم من أن الطريق إلى الديموقراطية لا تزال حافلة بالكثير من العقبات، فقد خيمت الأجواء الاحتفالية على البلاد منذ الصباح. وتقاطر الآلاف من المواطنين من جميع أنحاء السودان إلى الخرطوم للمناسبة.
واحتفت الصحف السودانية الصادرة صباح السبت بـ"الانتقال التاريخي".
وكتبت صحيفة "التيار" في صفحتها الأولى "البلاد تبدأ اليوم الانتقال التاريخي نحو الديمقراطية"، فيما عنونت صحيفة "السوداني": "الخرطوم تستعد للفرح الأكبر".
مؤسسات جديدة
مع التوقيع الرسمي على الاتفاق السبت، سيبدأ السودان عملية تشمل خطوات أولى فورية مهمة، إذ سيتم الأحد إعلان تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي الجديد الذي سيتألف بغالبيته من المدنيين.
وأعلن قادة الحركة الاحتجاجية الخميس أنهم اتفقوا على تعيين المسؤول السابق في الأمم المتحدة عبد الله حمدوك، وهو خبير اقتصادي مخضرم، رئيساً للوزراء.
ومن المتوقع أن يركز حمدوك جهوده على إصلاح الاقتصاد السوداني الذي يعاني من أزمة منذ انفصل الجنوب الغني بالنفط في 2011 عن الشمال. وشكّل الوضع المعيشي شرارة الاحتجاجات ضد حكم البشير.
لكن العديد من السودانيين يشككون في قدرة المؤسسات الانتقالية على كبح جماح القوى العسكرية خلال فترة السنوات الثلاث التي ستسبق الانتخابات.
وسيحكم البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 40 مليون نسمة مجلس سيادة يتألف من 11 عضواً. وينص الاتفاق على أن يعين العسكر وزيري الداخلية والدفاع.
وتقول روزاليند مارسدن من مركز "تشاتام هاوس" في لندن إن "الحركة السياسية ستكون أكثر أهمية من قصاصات ورق".
وتضيف "التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة هو تفكيك الدولة الإسلامية العميقة... التي سيطرت على جميع مؤسسات الدولة والقطاعات الرئيسية في الاقتصاد، بما في ذلك مئات الشركات المملوكة للجهاز الأمني-العسكري".
هل هي نهاية العزلة؟
إحدى أكثر النتائج الدبلوماسية الفورية المرتقبة للحل، رفع تعليق عضوية البلاد الذي فرضه الاتحاد الإفريقي على السودان في يونيو.
وقال العضو البارز في المجلس العسكري الانتقالي اللواء الركن محمد علي إبراهيم الجمعة إن التوقيع الرسمي "سيفتح الباب مجدداً أمام العلاقات الخارجية للسودان".
ويشكك البعض في معسكر الاحتجاج في قدرة الاتفاق على الحد من سلطات الجيش وضمان العدالة.
وغابت عن حفل السبت المجموعات المتمرّدة في المناطق المهمشة مثل دارفور والنيل الأزرق وكردفان.
وكانت الجبهة الثورية السودانية التي توحدت هذه الحركات تحت رايتها دعمت الحركة الاحتجاجية، لكنّها رفضت الإعلان الدستوري وطالبت بتمثيل في الحكومة وبمزيد من الضمانات في محادثات السلام.