طفلة سودانية تحتفل بتوقيع الاتفاق في الخرطوم
طفلة سودانية تحتفل بتوقيع الاتفاق في الخرطوم

دخل السودان حقبة جديدة من الحكم المدني ليطوي بذلك صفحة الرئيس المخلوع عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة من حديد على مدى ثلاثة عقود.

ووقع المجلس العسكري وحركة الاحتجاج في السودان السبت اتفاقا من شأنه أن يمهد لبدء مرحلة انتقالية تؤدي إلى حكم مدني في البلاد، فيما عمت الاحتفالات شوارع الخرطوم.

​​​ووقع "الوثيقة الدستورية" نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي" وممثل تحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع.

​​ومهد الإعلان الدستوري، الذي وقع بالأحرف الأولى في الرابع من هذا الشهر، الطريق أمام حكم انتقالي مستندا إلى اتفاق تاريخي لتقاسم السلطة تم التوصل إليه في 17 يوليو الماضي.

ويحدد الاتفاق الأطر لتشكيل حكومة مدنية انتقالية وبرلمان سيقودان البلاد خلال فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات بإشراف هيئة حكم تضم مدنيين وعسكريين.

أبرز بنود وثيقة الإعلان الدستوري في السودان

​​

ومن المقرر أن يتم الإعلان عن تشكيلة المجلس السيادي ذي الغالبية المدنية يوم الأحد، على أن يجري تعيين رئيس للحكومة في 20 أغسطس وإعلان أسماء الوزراء بعدها بثمانية أيام.

​​وسيعقد المجلس السيادي والحكومة أول اجتماع بينهما في مطلع الشهر المقبل.

أبرز بنود الاتفاق:

*تبلغ مدة الفترة الانتقالية 39 شهرا اعتبارا من توقيع الإعلان الدستوري على أن تجرى انتخابات في نهايتها.

*تعطى الأولوية في الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية لإرساء السلام بين الفصائل السودانية في المناطق التي تشهد نزاعات.

*تُكلَّف الحكومة الانتقالية العمل على إعداد إصلاحات قضائية واقتصادية ووضع أسس سياسة خارجية متوازنة.

*يتألف المجلس السيادي من 11 عضوا هم ستة مدنيين وخمسة عسكريين. وستتولى شخصية عسكرية رئاسته في الأشهر الـ21 الأولى على أن تخلفها شخصية مدنية للأشهر الـ18 المتبقية.

*يشرف المجلس على تشكيل إدارة مدنية انتقالية قوامها حكومة ومجلس تشريعي.

*يسمي تحالفُ قوى الحرية والتغيير رئيسَ الحكومة على أن يصادق المجلسُ السيادي على تعيينه.

*تتألف الحكومة من 20 وزيرا على الأكثر يختارهم رئيس الوزراء من بين مرشحين يقترحهم التحالف، باستثناء حقيبتي الدفاع والداخلية اللتين يختار وزيريهما الأعضاء العسكريون في المجلس السيادي.

*يتم تشكيل المجلس التشريعي في غضون 90 يوما من توقيع الاتفاق على أن تخصص نسبة 67 في المئة من مقاعده لتحالف قوى الحرية والتغيير، أما النسبة المتبقية فستكون متاحة للأحزاب الأخرى غير المرتبطة بالبشير.

*تكون القوات المسلحة ومثلها قوات الدعم السريع جزءا من المؤسسة العسكرية وستكون بإمرة قائد القوات المسلحة.

*تنظم القوانين والأنظمة الراعية لعمل القوات المسلحة وقوات الدعم السريع العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة التنفيذية.

*يكون جهاز المخابرات العامة هيئة تنظيمية مهمتها جمع المعلومات وتحليلها وتقديم تقارير بشأنها إلى السلطات المعنية، ويكون جهاز الاستخبارات خاضعا للسلطة التنفيذية وللمجلس السيادي.

*يكفل الإعلان حق كل مواطن بالحرية والأمن ويحظر التوقيفات العشوائية.

*يكفل الإعلان حق كل مواطن بحرية المعتقد والتعبير ونشر المعلومات والوصول إلى الصحافة.

*يعتبر الإعلانُ الوصولَ إلى شبكة الإنترنت حقا ما لم يتعارض مع النظام العام والأمن والآداب العامة.

*يكفل الحق بالتجمعات السلمية، ويمنح كل فرد الحق في تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية و/أو الانضمام إليها.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".