عقب الإعلان عن توقيع الإعلان الدستوري في السودان
عقب الإعلان عن توقيع الإعلان الدستوري في السودان

مصطفى هاشم- واشنطن

وجه سودانيون انتقادات حادة لتجمع المهنيين السودانيين عقب الإعلان عن أسماء المدنيين الخمسة الذين رشحتهم قوى إعلان الحرية والتغيير لعضوية مجلس السيادة الذي يدير المرحلة الانتقالية في السودان.

وأعلنت عدد من الحركات المدنية مثل لجنة أطباء السودان المركزية وتجمع أساتذة الجماعات والكليات رفضهما لطريقة اختيار ترشيح عضو التجمع، طه عثمان إسحاق لمجلس السيادة، متهمين التجمع بعدم الشفافية. 

وهاجمت هذه الحركات التجمع قائلين إنه "يصدر قرارات بمفرده دون الرجوع لسكرتارية أو مجلس أو أجسام تجمع المهنيين"، مطالبينه بإصدار بيان يفسر فيه ما حدث.

​​

​​وجاءت الانتقادات بسبب تضمن الأسماء أحد قيادات التجمع الذي كان قد أعلن مرارا وتكرارا عن عدم مشاركته في مجلسي السيادة والوزراء والاكتفاء بدور رقابي وتمثيله فقط في المجلس التشريعي.

​​ووصفت "نقابة أطباء السودان الشرعية" أحد مكونات تجمع المهنيين السودانيين ما حدث بأنه "تجاوز للعهد" الذي قطعه التجمع بعدم المشاركة في هياكل السلطة الانتقالية على مستوى مجلسي السيادة والوزراء، معلنة رفضها "لهذا القرار المعيب مؤسسيا وأخلاقيا". 

​​وتجمع المهنيين السودانيين هو من أطلق الاحتجاجات في ديسمبر الماضي ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وقاد الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في السادس من أبريل والذي أدى إلى تحرك الجيش وعزل البشير.

لكن التجمع أعلن في بيان رسمي في الثامن من أغسطس الجاري اتخاذه قرارا بعدم المشاركة في المجلس السيادي أو الحكومة الانتقالية.

وضمت الأسماء المعلنة الأحد من جانب قوى إعلان الحرية والتغيير لمرشحيها الخمسة لمجلس السيادة اسم عثمان طه إسحاق وهو قيادي في تجمع المهنيين السودانيين وأحد المفاوضين مع المجلس العسكري على مدار أربعة أشهر تقريبا.

​​

​​

​​وعثمان طه إسحاق هو محام مستقل وأحد أبناء إقليم دارفور وعضو التحالف الديمقراطي للمحامين المنضوي تحت تجمع المهنيين السودانيين، بحسب ما قال صديقه عضو التحالف أيضا سمير شيخ الدين لـ"موقع الحرة".

وحتى صباح الأحد كانت قوى الحرية والتغيير قد فشلت في الاتفاق على مرشحيها لمجلس السيادة، وانفض اجتماع مجلسها المركزي الذي عُقد صباح الأحد، في دار حزب الأمة القومي من دون اعتماد ممثليها في المجلس.

وكشف أيضا سمير شيخ الدين أنه كان قد تم ترشيح المعلمة رشيدة هارون وهي شخصية معروفة، لكن تم الاعتراض عليها باعتبارها من تجمع المهنيين الذي أعلن عدم المشاركة في المجلسين السيادي والتنفيذي، و"الآن هناك اعتراضات تواجه التجمع بسبب كون عثمان طه إسحاق أيضا من قياداته".

ويرى شيخ الدين أن ترشيح عثمان له علاقة بالموازنات القبلية، وانتمائه لدارفور وليس باعتباره أحد قيادات تجمع المهنيين بعد استبعاد محمد حسن التعايشي (أحد أبناء دارفور) من عضوية المجلس السيادي" بسبب اعتراض بعض القبائل عليه.

وأعلنت الأستاذة الجامعية السودانية فدوى عبد الرحمن اعتذارها عن شغل منصبها في المجلس السيادي بسبب "إبعاد محمد حسن التعايشي من عضوية المجلس".

 

​​من جانبه علق التعايشي على صفحته على فيسبوك قائلا "بعض أصدقاء وزملاء النضال في تجمع المهنيين الذين رأوا بأنني غير مناسب في المجلس السيادي لن أخسرهم كأصدقاء ولن يكسبوني كعدو، فللوطن عدو واحد هو الحرب والتخلف وسوء استخدام السلطة".

وأضاف أن "الوطن فاز بأحد أبناءه المقاتلين الأشاوس، صديقي وأخي الاصغر طه عثمان إسحق الذي أعرفه منذ أن كان طالبا بالثانوي".

​​ولم يصدر عن قوى الحرية والتغيير أو تجمع المهنيين السودانيين بيانا حتى الآن يوضح فيه أسباب اختيار الأشخاص الخمسة للمجلس السيادي. 

​​

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".