مسيحيون سودانيون يحتفلون باعتماد رئيس أساقفة كانتربري لكنيستهم ككنيسة وطنية مستقلة
مسيحيون سودانيون يحتفلون باعتماد رئيس أساقفة كانتربري لكنيستهم ككنيسة وطنية مستقلة

عاش مسيحيو السودان خلال حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، شتى أنواع التهميش والتضييق، واتسمت تلك الحقبة بتراجع الحق في ممارسة الشعائر الدينة، وإحاطة دور العبادة بحراسة "بوليسية" على حد وصف أحد المسيحيين السودانيين.

خلال عهد البشير، لم يكن سهلا الحصول على ترخيص لبناء كنيسة مسيحية أو حتى معبد يهودي، ويقول القس يوسف زمغيلة الذي اتخذ قطعة أرض صغيرة لبناء بيت صغير حوله إلى كنيس، إن كنيسته تعرضت للتدمير لأنه لم يكن يملك الأوراق اللازمة.

قمع "التراخيص"

وقال متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية إنه كان يفتقر لاعتماد من أجل البناء "لأنهم كانوا دائما يرفضون إعطاءنا الترخيص، لذا استخدمنا أرض أحد جيراننا".

وذكر مسيحيون أن امتناع السلطات عن منح الأقلية المسيحية في السودان تراخيص لبناء كنائس، كان "أداة القمع الرئيسية على مدى سنوات".

وقال الأسقف الأنغليكاني للخرطوم إزكييل كوندو "شعرت السلطات بأن الكنائس والجمعيات الخيرية المسيحية تدعم استقلال جنوب السودان". وأضاف "الدولة طبقت باستمرار استراتيجية لإضعاف الكنيسة".

جون نيوتون من الفرع البريطاني لهيئة "مساعدة الكنيسة المحتاجة" " قال من جانبه "شعرنا بالقلق عندما أعلن المجلس العسكري الانتقالي شهر مايو الماضي أن حكم الشريعة سيستمر، لأنه طالما تم استخدام مفهوم متشدد للشريعة مطرقة لضرب المسيحيين".

وأضاف "نشعر بتفاؤل حذر إزاء تمسك المجلس الحاكم الجديد بحرية الممارسة الدينية للأقليات لكن علينا الانتظار لمعرفة تطور الأحداث".

وفيما يأمل الأسقف إزكييل كوندو أن يخفف المجلس السيادي الجديد الضغط عن المسيحيين، يقول إن الأولوية يجب أن تكون إحلال السلام في السودان.

وقال "وثيقة بمفردها لا تخفف معاناة الشعب. فمن أجل أن تنجح هذه الفترة الانتقالية يجب أن يحل السلام. ثم تحصل كل الأمور المهمة بشكل أسهل".

وتمزق البلاد عمليات تمرد ونزاعات في العديد من المناطق سكانها من أقليات غير عربية أو غير مسلمة.

وأثار ضم المجلس العسكري لجنرالات تدرجوا في المناصب العسكرية العليا بموافقة البشير، قلقا واسعا من ألا يكتب للديمقراطية المأمول بها في السودان عمر طويل.

وقال الأسقف "إذا تم تطبيق مبادئ الفترة الانتقالية بشكل حقيقي، سيحصل تغيير". وتدارك "لكنني لا أزال متشائما نوعا ما لأن العقلية الإسلامية لا تزال موجودة".

تهميش

ومن أساليب القمع الأخرى فرضت الدولة في عهد الرئيس البشير الثقافة الإسلامية التامة في المدارس وأماكن العمل، رغم أن الدستور السابق ينص على حرية الممارسة الدينية.

ويقول جيكوب بولس، المعلم البالغ من العمر 28 عاما في أم درمان "لم يكن بإمكان شبابنا وأطفالنا تعلم المسيحية لأن البيئة بأكملها تعنى فقط بالمسلمين".

وبحسب أرقام حكومية يمثل المسيحيون 3 بالمئة فقط من عدد سكان السودان البالغ 40 مليون نسمة، رغم أن المسؤولين المسيحيين يقولون إن العدد الحقيقي أكبر بكثير.

وفي السودان أقباط وكاثوليك وأنغليكان وعدد من الطوائف الأخرى، ودفع النظام الإسلامي للبشير بكثيرين منهم إلى الاختباء.

وتم طرد بعض الجمعيات الخيرية الأجنبية التي تساعد مسيحيي السودان في خطوة اتخذت منحى تصعيديا في أعقاب انفصال الجنوب ذي الغالبية المسيحية عام 2011.

وفي تقريرها عن حرية الممارسة الدينية على مستوى العالم، صنفت جمعية "مساعدة الكنيسة المحتاجة" الاسقفية، السودان في الفئة الأكثر خطورة بين الدول.

والرئيس السابق عمر البشير الذي طبق الشريعة الإسلامية بعد توليه الحكم في انقلاب عام 1989، تنحى في أبريل هذا العام إثر موجة احتجاجات على خلفية الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.

وأدى مجلس سيادي غالبيته من المدنيين، اليمين الدستورية الأسبوع الماضي بموجب اتفاق بين المجلس العسكري الحاكم وممثلي حركة الاحتجاج.

وتضمن "الإعلان الدستوري" فترة انتقالية من ثلاث سنوات، واستبعد حكم الشريعة.

وأعطى ذلك، إضافة إلى رياح التغيير الديمقراطي في السودان، المسيحيين وأقليات أخرى الأمل في حصول التعددية الدينية على حماية أفضل في المرحلة المقبلة.

وقال القس يوسف "نأمل بحصول تغيير، المسيحيون كانوا في التظاهرات، كان لديهم سبب وجيه، أعتقد أن الأيام الحالكة قد ولت".

القس متى بطرس كومي قال فيما يخصه "أقله الآن، يعترف حكامنا بالمسيحيين كجزء من هذا البلد. المسيحيون صلّوا من أجل هذا التغيير لعقود، نحن سعداء لأن هذا التغيير قد أتى".

أمل في غد جديد

وفي مؤشر ايجابي آخر، تم تعيين امرأة مسيحية قبطية في المجلس السيادي المكون من 11 عضوا من المدنيين والعسكريين، والذي أدى اليمين في 21 أغسطس الجاري.

ونظم المسيحيون تظاهرة احتجاج في الخرطوم الأسبوع الماضي للمطالبة بالمساواة في الحقوق، وهو ما كان من الصعب تصوره أثناء حكم البشير عندما كانت الاعتقالات والغرامات شائعة.

الكرتي تولى حقائب وزارية وأشرف على تأسيس ميليشيا الدفاع الشعبي
الكرتي تولى حقائب وزارية وأشرف على تأسيس ميليشيا الدفاع الشعبي

انضم وزير الخارجية السوداني في نظام البشير، وأمين الحركة الإسلامية السوداني، علي كرتي، إلى قائمة العقوبات الأميركية بعد إعلان وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين إن كرتي أحد أسباب عرقلة التوصل إلى حل في الصراع الدائر في البلاد.

وقال بيان وزارة الخزانة إن كرتي أدرج على قائمة العقوبات لكونه "مسؤولا عن، أو متواطئا في، أو شارك بشكل مباشر أو غير مباشر أو حاول الانخراط في أعمال أو سياسات تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في السودان".

وسبق لواشنطن وأطراف غربية أخرى أن فرضت عقوبات على أفراد وشركات على صلة بالنزاع الذي أودى بـ7500 شخص على الأقل، وتسبّب بنزوح أكثر من خمسة ملايين شخص لمناطق أخرى داخل السودان أو إلى دول الجوار.

كرتي تولى منصب وزير الخارجية السوداني لعدة سنوات

من هو كرتي؟

تولى علي كرتي، المولود عام 1953، حقيبة وزارة الخارجية، بين عامي 2010 إلى 2015، خلال مرحلة نظام حكم الرئيس السوداني المخلوع، عمر البشير.

وكان كرتي، في عام 1997، وزير الدولة لشؤون العدل، كما أنه تولى مسؤولية التنسيق لما يعرف بـ "قوات الدفاع الشعبي السودانية"، وهي مجموعة من الميليشيات القبلية قدرت أعدادها بما يصل إلى 10 آلاف مقاتل.

وتصف الصحفية السودانية، رشا عوض، في مقال نشر على موقع "التغيير" الإخباري السوداني كرتي بأنه "القائد المؤسس للميليشيا"، وتقول إنه يقود تيارا متحالفا مع قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، هدف إلى إضعاف قيادة الفترة الانتقالية وبث الانقسام في داخلها، وفق تعبيرها.

وقد سبق لكرتي وصف قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش بأنها "إرهابية ومتمردة".

وفي مارس عام 2020، أمر مكتب النائب العام السوداني بإلقاء القبض على كرتي لدوره في انقلاب، عام 1989، الذي أتى بالبشير إلى السلطة.

وأضاف في بيان أنه سيتم تجميد أصوله مشيرا كذلك إلى صدور أوامر اعتقال لخمسة أشخاص آخرين.

لكن الصحفية السودانية تقول إن هذه الأوامر ألغيت، بعد انقلاب أكتوبر عام 2021، الذي قاده الجيش ضد حكومة عبد الله حمدوك المدنية.

عرفت ميليشيا كرتي بولائها للحركة الإسلامية، وعُرف عن الكرتي اتخاذه جانب  البشير خلال الخلاف الذي حصل بينه وبين زعيم الحركة الإسلامية آنذاك، حسن الترابي، وفقا لدراسة أعدها الباحث، ياغو سالمون، ونشرت على موقع "Small Arms Survey" المتخصص بشؤون الجماعات شبه العسكرية.

ويقول سالمون إن الميليشيا ساندت الجيش النظامي خلال معاركه مع المتمردين في مختلف أنحاء البلاد.

وتتهم هذه الميليشيا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان خلال تلك الفترة.

ووفقا للمتخصص السوداني، د. عبد الفتاح عرمان فإن كرتي، الذي يحمل شهادة بكالوريوس في القانون، معروف أيضا بكونه يتاجر في المعادن ومنها الحديد والصلب والاسمنت، وفق ما ذكره في مقال نشر على موقع "السودان تربيون".

ووصفت وزارة الخارجية الأميركية في بيان الجماعة التي يقودها كرتي بأنها "جماعة إسلامية متشددة تعارض بنشاط الانتقال الديمقراطي في السودان".

وأضافت أن كرتي "قاد الجهود الرامية إلى تقويض الحكومة الانتقالية السابقة بقيادة المدنيين وعرقلة عملية الاتفاق السياسي الإطاري".

وذكرت الخارجية الأميركي أن كرتي "وآخرين من المسؤولين في النظام السابق (البشير) يعيقون الآن الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وحشد القوات لتمكين استمرار القتال، ومعارضة الجهود المدنية السودانية لاستئناف الانتقال الديمقراطي المتوقف في السودان".