صالون تجميل للسيدان في العاصمة السودانية الخرطوم
صالون تجميل للسيدان في العاصمة السودانية الخرطوم

لم يستطع الحلاق السوداني مازن كمال حبس دموعه، عندما تذكر مشهد حلاقة شعره قسرا على يد القوات شبه العسكرية السودانية خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير.

لكن عشرات الشبان الصغار يتدفقون الآن على المحل الذي يعمل فيه كمال، للحصول على أحدث قصات الشعر التي كانت ستعرضهم لمثل تلك العقوبة في عهد الرئيس السابق والمسجون حاليا.

وأطيح بالجنرال الإسلامي ونظامه المحافظ بعد أشهر من التظاهرات التي اندلعت العام الماضي للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، وهو الآن يحاكم بتهم الفساد.

ورغم أن التحول الديمقراطي حديث العهد، لكن الكثير من الشبان لم يفوتوا أي وقت للاستفادة من تغيير النظام لممارسة بعض الحريات الشخصية.

واسترجع كمال لحظة إجباره المريرة على قص شعره باكيا بقوله، "تمنيت لحظتها لو نستطيع الإطاحة بنظام البشير. لم أتخيل أن ذلك ممكن. فقدت الأمل في ذلك اليوم. ضربوني في الشارع على مرأى من الناس".

وأدت موجة الشعور بالحريات التي اجتاحت العاصمة السودانية منذ اندلاع التظاهرات إلى كسر محظورات اجتماعية مستمرة منذ عقود، وإلى تخفيف السياسات الإسلامية ولو مؤقتا".

وقال كمال في المحل "اعتدت وضع قبعة لإخفاء شعري أثناء سيري في الشارع.. كنت أشعر بالخوف لكن حياتنا أفضل الآن".

وفي محله الصغير بسيط التجهيزات، قام كمال بعمل قصة شعر لصديقه محمد الفاتح تدعى محليا "واي فاي" وهي عبارة عن رسم ثلاثة خطوط على جانبي الراس وفي الخلف.

وقال فاتح، الطالب الذي يعمل أيضا بدوام جزئي في محل الحلاقة "لم يكن بوسع أي شخص القيام بقصة شعر مختلفة أو مميزة في عهد النظام السابق، لقد كان هناك عدة قصات مختلفة للجميع".

"ملابس غير لائقة"

​​

 

بالنسبة للفاتح فإن التظاهرات التي بدأت احتجاجا على رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، كانت تهدف أيضا للمطالبة بمزيد من الحريات.

وكشف الفاتح عن ندبة على ذراعه جراء إصابته بطلق ناري أثناء المشاركة في التظاهرات في يونيو الماضي. مضيفا "في البداية، كانت الاحتجاجات أساسا حول الوضع الاقتصادي. الحياة كانت صعبة على الجميع. لكننا نزلنا أيضا إلى الشارع من أجل الحرية".

وخلال عهد البشير، فرضت قيود صارمة على ملابس النساء، إذ طبقت قوات الأمن في كثير من الأحيان تفسيرا متشددا لقانون العقوبات بشأن "الملابس غير اللائقة".

وتعرضت العديد من النساء للجلد بسبب ارتدائهن سراويل جينز، تطبيقا لتفسيرات متشددة للشريعة الإسلامية التي فرضها البشير بعد وصوله للسلطة في العام 1989.

نساء سودانيات في أحد شوارع الخرطوم
امرأة سودانية تسير في أحد شوارع الخرطوم بحرية بعد سنوات من الحكم المتشدد للرئيس السابق عمر البشير
صالون تجميل للسيدان في الخرطوم

لكن بات من الشائع مشاهدة فتيات يرتدين الجينز خارج جامعة الخرطوم أو حتى يدخن الأرجيلة في المقاهي.

وكان على الرجال الإنزواء في مقاهي سرية متوارية عن الأنظار خلال ما يسميه السودانيون الآن "العهد البائد".

وفي الحي القديم في الخرطوم، اعتاد محمد أحمد بدوي واصدقاؤه التجمع والتدخين في طابق علوي في مقهى سري للأرجيلة.

وقال المهندس الثلاثيني "كان علينا إخبار مالك المقهى قبل حضورنا. كنا ندخل بحرص ونغلق الباب خلفنا بالقفل".

وتابع "حين نسمع الشرطة تشرع في تحطيم القفل، كان أمامنا ثوان معدودة لنسير على هذه الحافة للهرب من السطح"، مشيرا إلى درج خارجي مرتفع.

وفي هذا المقهى ذي الإضاءة الخافتة، بات بوسع الزبائن، وهم خليط من الفنانين والمهندسين والموظفين الحكوميين، تدخين الأرجيلة دون خوف من الاعتقال.

الحق في العمل

وعلى ضفة النيل، تعد مسائل الأزياء والترفيه بل حتى حرية التعبير اعتبارات بعيدة عن تفكير سامية صديق، التي تربي ثلاثة أطفال بمفردها.

ويعد التغيير الملموس الوحيد الذي كسبته من الاحتجاجات ضد البشير هو حقها في كسب قوت يومها عن طريق بيع الشاي في الشارع.

وقالت صديق وهي تغلي الماء استعدادا لإعداد أكواب الشاي في فرشتها الصغيرة "لقد مات زوجي ولدي أطفال لإطعامهم".

ونصبت سيدات أخريات فرشات مماثلة في هذه المساحة الكبيرة المفتوحة، حيث يأتي من الشبان للترويح عن أنفسهم ليلا ويحتسون الشاي في مجموعات على كراسي بلاستيكية زاهية الألوان.

وقالت صديق "منعت الشرطة هذا النوع من الأنشطة في العام الماضي. قالوا إن الأمر مخالف للنظام العام. داهمونا وصادروا جميع معداتنا".

وطلبت السلطات من بائعات الشاي الحصول على تراخيص لم يتمكن من تحمل كلفتها، بالإضافة إلى تحاليل طبية باهظة الثمن تثبت خلوهن من الأمراض المعدية. 

والسبب المحتمل للقمع الذي تم على بائعات الشاي، اللاتي نزح الكثير منهن من مناطق مزقتها النزاعات في البلاد، هو افتراض تورطهن في الدعارة.

امرأة سودانية تشارك في مسيرة ضد قمع النساء في السودان - 25 أغسطس 2019

وقالت سامية صديق "حياتي كلها تعتمد على هذا العمل، علي أن أدفع ثمن الإيجار والطعام". وتابعت "حين لا أعمل، يخرج أطفالي من المدرسة".

لم تشارك المرأة البالغة من العمر 37 عاما في الاحتجاجات التي أسقطت البشير وهي تعترف بعدم متابعة التطورات السياسية في بلادها عن كثب. 

وقالت ضاحكة "لقد بدأت العمل مرة أخرى، وهذا هو التغيير الذي أعرفه".

صورة أرشيفية لعمليات نزوح في السودان - رويترز
صورة أرشيفية لعمليات نزوح في السودان - رويترز

فرض مجلس الأمن الدولي، الجمعة، عقوبات على اثنين من القادة في قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان بسبب زعزعة استقرار البلاد من خلال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.

وهذه هي أول عقوبات تفرضها الأمم المتحدة في الحرب الحالية في السودان، والتي اندلعت في أبريل 2023 بسبب صراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قبل الانتقال المخطط له إلى الحكم المدني.

ووافقت لجنة العقوبات على السودان المكونة من 15 عضوا في مجلس الأمن على إقتراح أميركي قدم في نهاية أغسطس بفرض حظر على السفر الدولي وتجميد أصول على قائد عمليات قوات الدعم السريع عثمان محمد حامد محمد وقائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور عبد الرحمن جمعة بارك الله.

وتتخذ اللجنة قراراتها بالإجماع، وقال دبلوماسيون إن روسيا أرجأت اتخاذ هذه الخطوة لأنها أرادت المزيد من الوقت لدراسة المقترح.

وأدت الحرب في السودان إلى موجات من العنف العرقي الذي ألقي باللوم فيه إلى حد كبير على قوات الدعم السريع التي تنفي إلحاق الأذى بالمدنيين وتنسب هذا إلى أطراف "مارقة".

وندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل أيام بالهجمات المزعومة على المدنيين من قبل قوات الدعم السريع بينما قالت بريطانيا إنها ستدفع باتجاه صدور قرار من مجلس الأمن بشأن الصراع.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات في ظل انتشار المجاعة في مخيمات النازحين وفرار 11 مليون شخص من منازلهم، في وقت غادر نحو 3 ملايين من هؤلاء الأشخاص إلى بلدان أخرى.