511275 4
جويس كرم/
إعلان رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك الخميس عن تشكيل أول حكومة انتقالية مدنية للسودان منذ ثلاثة عقود فيه نافذة أمل وفرصة نادرة للخرطوم في حال اتخاذ الخطوات الاقتصادية والسياسية الصعبة بطوي صفحة التواطؤ السلطوي ـ العسكري ـ الإسلامي التي حملتها فترة حكم عمر البشير.
حكومة حمدوك التوافقية هي بحد ذاتها قفزة للسودان من حكومات البشير التي أبعدت "العناصر غير الموالية" واستحضرت قانون "الفصل للصالح العام". فرئيس الوزراء الخامس عشر للسودان يأتي من خلفية اقتصادية ومدنية مضطلعة على النظام العالمي وأسس الانفتاح الليبرالي. هذا ما انعكس في تعيين أربع وزيرات في الحكومة الجديدة.
أن يكون للسودان تمثيل نسوي أكبر في حكومته من الولايات المتحدة الأميركية وإدارة دونالد ترامب (حقيبتين وزاريتين)، فهذه محطة مفصلية وهامة خصوصا أن أحد الحقائب هي سيادية لوزيرة الخارجية الجديدة والديبلوماسية المخضرمة التي أقصاها البشير، أسماء محمد عبدالله. عبدالله هي أول وزيرة خارجية في السودان، وثالث وزيرة خارجية في دولة عربية.. والسودان هو ثاني دولة عربية، تشغل فيها سيدو منصب وزيرة الخارجية بعد موريتانيا.
سيكون على حمدوك إقناع البنك الدولي ومؤسسات أخرى بدعم السودان اقتصاديا
الوزيرات الثلاث في الحكومة إلى جانب عبدالله هن: انتصار الزين صغيرون، وزيرة التعليم العالي، ولينا الشيخ محجوب، وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية، وولاء عصام البوشي، وزيرة الشباب والرياضة.
قبل إقصاء أسماء محمد عبدالله وتوجهها إلى المغرب مع زوجها الشاعر حسن محمد عثمان، كانت تدرجت في عدة مناصب حتى وصلت إلى درجة "وزير مفوض". خبرتها كنائب مدير دائرة الأميركيتين في الخارجية السودانية ستساعدها في إعادة ترتيب العلاقة مع الولايات المتحدة. أما انخراطها في البعثات الديبلوماسية السودانية في أوروبا، فسيساعد في استقطاب دعم ديبلوماسي واقتصادي للسودان هو بأمس الحاجة إليه.
أرقام البطالة تتخطى الـ 21 في المئة من السودانيين بحسب صندوق النقد الدولي في السودان، و40 في المئة من السودانيين يقبعون تحت خط الفقر. انفصال الجنوب كلف السودان 95 في المئة من صادرات النفط بحسب وكالة أسوشيتد برس، وأمام حمدوك اليوم تحدي تقليص الـ 60 مليار دولار من الديون.
حمدوك، وهو أيضا بروفسور في الاقتصاد، قال للإعلام المحلي إنه بحاجة إلى 8 مليار مساعدات خارجية في العامين المقبلين ومليارين كاحتياط لتقوية العملة. هذا يستدعي سياسة داخلية وخارجية منفتحة وبعيدة عن الأجندة السلطوية والمافيوية التي سادت في مرحلة البشير.
داخليا، لا يمكن استعادة الثقة من دون صون الحريات وحماية الانفتاح السياسي والتهيئة لحكم مدني وتنمية الأحزاب المدنية غير المرتهنة لفئات عسكرية أو إسلامية في البلاد. هذا المسار سيتطلب عقودا وحكومة حمدوك هي مؤشر إيجابي في هذا السياق، وجاءت بعد ضغوط من الشارع السوداني ومن المجتمع الدولي.
خارجيا سيكون على حمدوك إقناع البنك الدولي ومؤسسات أخرى بدعم السودان اقتصاديا، بعد القيام بإصلاحات جذرية. هكذا إصلاحات والحد من الإنفاق والاعتماد على الدين الخارجي قد يعني ارتفاعا في الأسعار وعودة التظاهرات، إنما لا مفر منها ولا سبيل لإنجاز تحول مدني واقتصادي في السودان.
لا يمكن استعادة الثقة من دون صون الحريات وحماية الانفتاح السياسي
هناك أيضا فرصة حقيقية أمام السودان لإعادة ترتيب علاقاته الخارجية وإنهاء ازدواجية البشير في التعاطي مع الخارج بإيواء القاعدة والرقص مع المتطرفين من جهة ومحاولة الانفتاح على الغرب من جهة أخرى.
واشنطن لمحت إلى إمكان رفع السودان عن لائحة الداعمين للإرهاب الموجود عليها منذ 1993 وحكومة حمدوك المدنية الطابع وذات الوجوه الإصلاحية ستساعد ذلك. وفي السنوات الأخيرة هناك رفع تدريجي للعقوبات الأميركية وفتح مكتب استخباراتي لوكالة الاستخبارات المركزية في البلاد وهو نهج قد يستمر اليوم في حال استمرت الخطوات الإصلاحية والحوار الاستراتيجي بين الجانبين. واشنطن التي تطلب تغييرا في نهج السودان داخليا ودوليا يبدأ بقطع العلاقة مع كوريا الشمالية، والابتعاد عن إيران وداخليا بفض النزاعات والمصالحة مع الجوار، إنما هي تدرك موازين القوى والتحديات التي ستواجهها الحكومة الجديدة.
في منطقة يشوبها التفتت والتسلط والحروب، اختار السودان التمايز والقفز بالاتجاه المعاكس نحو مسار مدني وتعددي وتقدمي، وسيؤسس في حال نجاحه إلى مستقبل يليق بأصوات الشارع السوداني ويدفن حقبة البشير إلى غير رجعة.
اقرأ للكاتبة أيضا: أميركا ومفاوضات الحوثيين: نافذة إقليمية من اليمن؟
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).
السودان إذ يقرع أبواب التاريخ 8D8D987F-9434-4225-8BA2-468EBF474788.jpg Reuters السودان-إذ-يقرع-أبواب-التاريخ سودانيون يحتفلون بالاتفاق بين المجلس العسكري والمعارضة المدنية في أغسطس 2019-09-06 13:49:33 1 2019-09-06 13:49:59 0