مشهد لما بعد فض اعتصام الإثنين في العاصمة السودانية الخرطوم - احتجاجات السودان - فض الاعتصام
مشهد لما بعد فض اعتصام جرى في يونيو في العاصمة السودانية الخرطوم

كشفت فيسبوك عن قيام شركة تسويق غامضة مقرها القاهرة وأخرى في الإمارات  بإدارة حملة سرية مؤيدة للجيش السوداني باستخدام حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقا لما أوردته صحيفة نيويورك تايمز في تقرير.

وقال تقرير للصحيفة الأميركية إن الحملة تزامنت مع عمليات قمع لمتظاهرين قامت بها قوات سودانية في الخرطوم في يونيو الماضي راح ضحيتها العشرات.

وفرق مسلحون في ملابس عسكرية اعتصاما لآلاف المحتجين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم في 3 يونيو الماضي ما أدى إلى مقتل عشرات وإصابة مئات.

وكان المحتجون يطالبون بتسليم السلطة للمدنيين بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في أبريل الماضي. 

وأضاف تقرير نيويورك تايمز أن الشركة وتدعى "الأمواج الجديدة" وظفت أشخاصا براتب شهري قدره 180 لكتابة رسائل مؤيدة للجيش السوداني على فيسبوك وتويتر وإنستغرام وتلغرام.

وتم ابلاغ هؤلاء الموظفين أن "المحتجين زرعوا الفوضى في السودان، وإن مطالبهم بالديمقراطية سابقة لأوانها وخطيرة، ولابد من استعادة النظام وعلى الجيش أن يحكم الآن" وفقا للصحيفة.

وتم الكشف عن الحملة في الأول من أغسطس الماضي عندما أعلنت فيسبوك اغلاق مئات الحسابات التي تديرها شركة "الأمواج الجديدة" أو "newwaves" وشركة تتخذمن الإمارات مقار لها، تحمل اسما شبه متطابق "newave".

ووفقا لنيويورك تايمز، فقد استخدمت الشركتان الأموال والحسابات المزيفة للاستفادة من نحو 14 مليون متابع على فيسبوك، وآلاف آخرين على إنستغرام.

وقال متحدث باسم فيسبوك إن شركته لم تعثر على أدلة كافية لربط العملية بحكومتي مصر أو الإمارات، ولكن صحيفة نيويورك تايمز لفتت إلى وجود الكثير من المؤشرات التي تتحدث عكس ذلك.

وتضيف الصحيفة الأميركية أن مالك شركة "الأمواج الجديدة"، الذي تقاعد من الجيش المصري في عام 2001، معروف بتأييده القوي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

أما الشركة التي تتخذ من الإمارات مقرا لها، وكانت فيسبوك أغلقت حساباتها مطلع الشهر الماضي، فقد أدرجت على موقعها الإلكتروني عنوان نشاطها التجاري كمجمع إعلامي، ولديها 10 موظفين، حسب نيويورك تايمز.

ووفقا لفيسبوك فقد كان الجهد السري المبذول لدعم الجيش السوداني على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل هاتين الشركتين مجرد جزء من عملية أكبر بكثير امتدت في الشرق الأوسط واستهدفت أشخاصا في تسع دول على الأقل بما في ذلك السودان والصومال والكويت وليبيا.

وقال فيسبوك إن المديرين التنفيذيين للشركتين بذلوا قصارى جهدهم لإخفاء دورهم في حملة التأثير في الشرق الأوسط.

وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الشركتين حصلتا على حسابات مزيفة لإدارة صفحات على فيسبوك يزعم أنها تابعة لمواقع إخبارية في هذه الدول.

وغالبا ما كانت هذه الصفحات تتضمن منشورات حول أخبار حقيقية أو مواد ترفيهية خفيفة، إلى جانب مواد مزيفة أو مفبركة.

وجاء الإعلان عقب اتفاق جرى الشهر الماضي بين المجلس العسكري و"قوى إعلان الحرية والتغيير"، رأس حربة الحركة الاحتجاجية التي أطاحت البشير.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".