لقطة من عملية إنشاء سد النهضة الإثيوبي
لقطة من عملية إنشاء سد النهضة الإثيوبي

كريم مجدي /

لا تزال إثيوبيا تصر على رفض المقترحات المصرية حول طريقة تشغيل سد النهضة، وسط مخاوف القاهرة من أن يؤدي تشغيل السد إلى نتائج كارثية.

الخطة الإثيوبية لتشغيل السد النهضة ستؤدي إلى اقتطاع نحو 15 مليار متر مكعب من المياه، مما سيؤدي إلى تدمير آلاف الأفدنة الزراعية بمصر، ووقف عملية استصلاح الزراعة، كما يقول الكاتب متخصص بالشؤون الأفريقية بصحيفة الأهرام عطية عيسوي لـ"موقع الحرة".

وكانت مصر قد أعلنت أن إثيوبيا "رفضت دون نقاش" خطتها المتعلقة بجوانب رئيسية في تشغيل سد النهضة العملاق الذي تبنيه أديس أبابا على نهر النيل، وفي الوقت ذاته رفضت القاهرة مقترحا إثيوبيا واعتبرته "مجحفا وغير منصف".

وتظهر التعليقات الواردة في مذكرة وزعت على الدبلوماسيين الأسبوع الماضي الفجوة بين البلدين فيما يتعلق بمشروع تعتبره مصر، التي تحصل على حوالي 90 في المئة من مياهها العذبة من نهر النيل، خطرا على وجودها.

وتشير المذكرة التي وزعتها وزارة الخارجية المصرية، واطلعت رويترز على نسخة منها، إلى وجود خلافات أساسية حول التدفق السنوي للمياه التي ينبغي أن تحصل عليها مصر وكيفية إدارة عمليات التدفق أثناء فترات الجفاف.

src=

سد النهضة من أعلى

ما نقاط الخلاف بين مصر وإثيوبيا؟

​​

 

 

وأضاف عيسوي للحرة "وفقا لما دار خلال الاجتماع، فإن إثيوبيا تريد ملء الخزان في ثلاث سنوات، بينما ترى مصر أن هذا وقت غير كاف وأن الأمر يحتاج إلى سبع سنوات حتى تتفادى الخسائر المحتملة".

"هدف إثيوبيا من رفض المقترح المصري هو تقصير عملية ملء خزان السد لتسريع تشغيل السد بسرعة، وتشغيل التوربينات الـ 12 بسرعة من أجل توليد كميات كبيرة من الكهرباء وتصديرها إلى دول الجوار مثل السودان الذي تعاقد مع إثيوبيا بالفعل لإمداده بجزء من كهرباء السد بأسعار رخيصة"، يضيف عيسوي.

وكان وزير المياه والطاقة الإثيوبي سلشي بيكيلي قد أعلن في يناير الماضي أن إثيوبيا "ستبدأ إنتاج الطاقة من سد النهضة الكبير في ديسمبر 2020 بإنتاج أولي سيبلغ 750 ميغاوات باستخدام توربينين اثنين"، فيما سيدخل السد الخدمة بشكل كامل بنهاية 2022.

أما المقترح المصري الآخر الذي ترفضه إثيوبيا، هو "المنظومة الهيدروليكية لإدارة سد النهضة بالتسيق مع السد العالي في مصر وسدود السودان"، ويرى عيسوي أنه في حالة عدم حدوث ذلك وشغلت إثيوبيا سد النهضة بشكل منفرد، سيؤدي إلى خفض منسوب المياه أمام السد العالي.

"انخفاض منسوب المياه أمام السد العالي سيؤدي إلى انخفاض توليد الطاقة، وربما تدفق المياه الذي يحافظ على الحد الأدنى من حقوق مصر والسودان، الأمر يتوقف على نتائج الاجتماعات المقبلة"، يوضح عيسوي.

سبب ثالث يدفع إثيوبيا لرفض المقترح المصري، وهو أنها لا تريد تقييد نفسها بأوضاع السد العالي، لأن ذلك سيجبرها على الحفاظ على نسبة مياه مرتفعة أمام السد المصري وسدود السودان، وهذا سيؤخر عملية ملء البحيرة لدى إثيوبيا، بحسب عيسوي.

وتتخوف مصر من انخفاض منسوب المياه لديها في سنوات انخفاض الفيضان، إذ ستزيد الأزمة في حال اقتطعت إثيوبيا جزءا من المياه.

من جانب آخر، قال الصحفي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد لـ"موقع الحرة"، إن مشكلة أديس أبابا مع القاهرة هو الإملاء المصري للشروط على إثيوبيا.

وقال عبد الصمد إن الطرف الإثيوبي يفتح باب التفاوض مع مصر، إلا أن الموقف المصري يتلخص في "إما أن تقبلوا شروطنا أو سنمشي في اتجاه آخر".

وأضاف عبد الصمد أن سبب المشكلة الرئيسي هو "تصميم مصر على ملء الخزانات في ثماني سنوات، بينما تريد إثيوبيا ملئه في ثلاث فقط، بالإضافة إلى استعلاء الطرف المصري والمتمثل في وسائل الإعلام".

يذكر أن دول مصر، والسودان، وإثيوبيا، وقعت في عام 2015 اتفاقية بعنوان "وثيقة مبادئ سد النهضة"، والتي تتضمن 10 مبادئ أساسية تحفظ الحقوق والمصالح المائية المصرية.

وتشمل تلك المبادئ: مبدأ التعاون، التنمية والتكامل الاقتصادي، التعهد بعدم إحداث ضرر ذي شأن لأي دولة والاستخدام المنصف والعادل للمياه والتعاون في عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوي، إلا أن الخلاف لا زال قائما رغم الاتفاقية.

عاملون في بناء سد النهضة الأثيوبي_أرشيف

 

ما خيارات القاهرة؟

​​

 

ويرى خبراء أن مصر لم تنفذ أوراقها بعد، إذ لديها أوراق للضغط على إثيوبيا من خلال اللجوء للمحاكم الدولية، أو التأثير على الموقف السوداني، أو الضغط على حلفاء إثيوبيا.

اللجوء لمحكمة العدل الدولية قد يكون خيارا تلجأ إليه القاهرة، إذ تنص القوانين الدولية مثل قواعد البنك الدولي على ألا تقوم دول منابع المياه بأحواض الأنهار بالتصرف بشكل منفرد، كبناء منشآت على مجرى المياه، أو أي إجراء من شأنه خفض نسبة المياه أو إيصالها لدول أخرى، وهذه الإجراءات خالفتها إثيوبيا، كما يقول عيسوي.

وأشار عيسوي إلى شكوى قدمتها تشيكوسلوفاكيا ضد المجر في عام 1997 بمحكمة العدل الدولية، بعدما قامت المجر ببناء سدود بشكل منفرد في مياه نهر الدانوب، وقد حكمت المحكمة لصالح تشيكوسلوفاكيا بأن إجراء المجر غير قانوني.

من أعمال البناء في سد النهضة في أثيوبيا (أرشيفية)

 

الزمزمي بشير، الأستاذ بجامعة أفريقيا العالمية والمتخصص في قضايا القرن الأفريقي، يرى أن مصر لا يزال لديها أدوات، متمثلة في التيارات السياسية السودانية القريبة من مصر، مثل الاتحاد الديمقراطي، وحزب الأمة القومي، والتي تستطيع الضغط على السلطة السودانية من أجل اتخاذ موقف ضد إثيوبيا.

وينقسم الموقف السوداني حول سد النهضة إلى اتجاهين، الاتجاه الأول وهو الداعم للموقف المصري ويتمثل في المجلس العسكري السوداني، أما الاتجاه الثاني الداعم لموقف إثيوبيا ويتمثل في قوى الحرية والتغيير الثورية، كما يقول الزمزمي بشير.

ويتفق كل من المحلل المصري عطية عيسوي والسوداني الزمزمي البشير، أن موقف السلطة السودانية في عهد عمر البشير كان داعما للموقف الإثيوبي، وذلك بناء على فوائد سد النهضة تجاه السودان.

وأوضح الزمزمي أنه رغم إضرار السد لمصالح مصر، فإنه يحقق مصالح للسودان مثل تقليل نفقات صيانة سد الروصيري السوداني وخزان سنار، بالإضافة إلى سد مروي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن سد النهضة سيوفر الكهرباء بأسعر رخيصة للسودان، بجانب استمرار تدفق المياه طوال العام حيث سيمكن تشغيل سد الروصيري بأقصى طاقته لتوليد الكهرباء طوال العام بدل من أربعة أشهر فقط، بجانب توفير الطمي للسودان، كما يقول الكاتب المصري عطية عيسوي.

"ورقة أخرى تمتلكها مصر، تتمثل في الضغط على حلفائها الخليجيين مثل السعودية، فهناك رجال أعمال عرب مثل السعودي محمد حسين العمودي الذي شارك بأكثر من 20 مليار دولار في أعمال إنشاء سد النهضة"، يضيف الزمزمي بشير.

رجل الأعمال السعودي محمد حسين العمودي

كما يرى الزمزمي أن مصر تستطيع الضغط على إيطاليا من أجل الضغط على الشركة الإيطالية التي تقوم بأعمال إنشاء السد.

أما عيسوي، فيرى أن مصر تستطيع تقديم شكوى للبنك الدولي من أجل وقف تمويل أي مشاريع في إثيوبيا لحين تلتزم أديس أبابا بقوانينه، وقد تلجأ مصر إلى الصين للضغط على إثيوبيا من خلال التهديد بوقف إنشاء المشاريع الصينية الكبرى هناك.

وتستطيع مصر وفقا لعيسوي أن تلوح بوقف استثماراتها، إذ لدى مصر استثمارات بنحو 3 مليارات دولار في إثيوبيا.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".