نهر النيل، أطول أنهار العالم الذي يمر عبر 10 دول، ويمثل شريانا طبيعيا مهما لإمدادات المياه والكهرباء فيها، يشكل أيضا سببا لتوترات وصراعات، يبدو ألا نهاية لها.
قضية سد النهضة الإثيوبي الذي كثر الحديث عنه في السنوات الأخيرة، لا يعد أول نزاع "مائي" بين دول حوض النيل.
ورغم أن النهر، الذي جاء اسمه من كلمة "نيليوس" اليونانية وتعني وادي النهر، يمر في كل من بوروندي والكونغو الديمقراطية وإريتريا وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وإثيوبيا والسودان ومصر، تعتبر الدول الثلاث الأخيرة أكثرها اعتمادا على مياهه، حسب تحليل لموقع جيوبوليتيكل مونيتر المتخصص في تحليل الأحداث المؤثرة على القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية حول العالم.
هذا المورد الطبيعي غالبا ما كان السبب الرئيسي لحروب بين الدول المطلة عليه، أو داخل كل منها حيث يتحارب الزعماء السياسيون والمواطنون حول حصة كل منهم في مائه.
الرغبة في فرض أقصى قدر من السيطرة على النيل، تعود إلى عام 1821 عندما قررت مصر غزو السودان، وبعده أثيوبيا في عام 1875، ليشهد الحوض توترات اجتماعية وسياسية منذ ذلك الحين.
تاريخ البلدان الثلاثة، يعج بعديد من المعاهدات بين الدول التي كانت تستعمرها خلال تلك الفترة، والتي كانت صاحبة القرار آنذاك، بما في ذلك بناء السدود وتحديد حصص المياه.
لكن معظم تلك المعاهدات أعطت الأفضلية لمصر، كما تجسدها "اتفاقيات مياه النيل" التي تعود لعامي 1929 و 1959. وبموجب اتفاقية عام 1929 التي تمت في ظل وجود الاستعمار البريطاني، فإن حصة مصر من المياه تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا وهو نصيب الأسد من التدفق الإجمالي للنيل البالغ 84 مليار متر مكعب.
ويعتبر الصراع على مياه النيل أيضا، أحد أهم أسباب الحروب بالوكالة في ستينيات القرن الماضي، وحتى سنوات 2000 في مصر وإثيوبيا والسودان وحولها.
ويمتد النيل 5584 كيلومترا من بحيرة فيكتوريا إلى البحر المتوسط، ويغطي مساحة ثلاثة ملايين و349 ألف كيلومتر مربع على الأقل. ويبلغ متوسط تدفق مياهه حوالي 300 مليون متر مكعب يوميا، فيما يعيش في حوضه أكثر من 300 مليون نسمة أغلبهم في مناطق ريفية.
وحسب الموقع، فإن العامل الأساسي الذي يساهم في عدم قدرة هذه البلدان الثلاثة على التعاون والتفاوض بشأن شروط منصفة، يتجذر في اعتقاد كل منها بأن لها الحق في غالبية حصص مياهه.
وتعتقد مصر، التي لديها أقدم سجل لاستخدام النيل، أن لها حقوقا تاريخية في المياه، بينما تطالب إثيوبيا بالحقوق الجغرافية، إذ تمر 95 في المئة من مياه النهر عبر الأراضي الرطبة الإثيوبية.
أما السودان فيقول إن من حقه الحصول على المياه بالنظر إلى موقعه الجغرافي بين إثيوبيا ومصر، ويرى أن التعاون بين هذين البلدين وبالتالي السلام في الحوض غير ممكن من دون مشاركتهما.
وأدى التباين في المواقف إلى فشل القاهرة والخرطوم وأديس أبابا في التفاوض حول شروط عادلة بشأن كيفية توزيع مياه النيل، ما سمح باستمرار التوترات في الحوض رغم أن حدة النزاعات تراجعت في السنوات الأخيرة.
لكن سد النهضة الذي كشفت عنه أثيوبيا في بداية 2010، تزامنا مع أحداث "الربيع العربي" يهدف لتأمين المياه التي تتدفق عبر أراضيها، ورفضته مصر والسودان لأنه "يهدد إمداداتهما من المياه"، ما أدى إلى تصاعد النزاع إلى مستويات شبه عنيفة.
فقد صرح ممثلون مصريون علنا بأن إثيوبيا إذا اتخذت أي إجراء لمنع مياه النيل من التدفق، فلن يكون هناك بديل سوى استخدام القوة.
وتخشى مصر من أن يؤدي تشييد سد النهضة إلى الحد من منسوب النهر الذي تعتمد عليه بنسبة 90 في المئة لتأمين حاجاتها من المياه العذبة.
ومع ذلك أتمت أثيوبيا حتى الآن 70 في المئة من أعمال بناء السد، التي انطلقت في 2012 بكلفة أربعة مليارات دولار، إذ واصلتها ببطء ولكن بثبات رغم معارضة مصر والسودان.
ويهدف السد لتوفير 6 آلاف ميغاواط من الطاقة الكهرومائية، أي ما يوازي ست منشآت تعمل بالطاقة النووية.
ويجري النيل الأبيض شمالا من بحيرة فيكتوريا في كينيا وهي أكبر بحيرات أفريقيا، ويمر عبر أوغندا إلى السودان حيث يلتقي بالنيل الأزرق عند الخرطوم. ويواصل النهر بعد ذلك جريانه شمالا باتجاه مصر.
ويضم الحوض بعضا من أكبر مدن أفريقيا بينها أديس ابابا والخرطوم والقاهرة ودار السلام وكمبالا ونيروبي. وتسهم القاهرة لوحدها بحوالي 10 في المئة على الأقل من العدد الإجمالي لسكان حوض النيل.