أحد مناجم الذهب في السودان
أحد مناجم الذهب في السودان

تخطو السودان نحو إعادة إنتاج نفسها بصورة دولة مدنية ديمقراطية، ولكن هذا المسعى ربما يواجه معيقات يفرضها واقع وجود سوق موازية للذهب، وقوات للدعم السريع يقودها محمد حمدان دقلو والذي يعرف باسم "حميدتي"، وفقا لتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.

ورصد تقرير الصحيفة توسع نفوذ حميدتي الذي يرأس المجلس العسكري الانتقالي، خاصة مع استمراره في السيطرة على مناجم ذهب في السودان، تعد الإمارات المستورد الرئيسي الأساسي له.

تسيطر قوات الدعم السريع على منجم ذهب في جبل عامر منذ 2017، إضافة إلى مناجم أخرى في جنوب كردفان، وهي تعد مصدرا هاما لتمويل تلك القوات، وجعلها قوة مادية وعسكرية ذات نفوذ واسع في السودان.

وأشارت الصحيفة مستندة إلى وثائق رسمية، أن شقيق حميدتي عبد الرحيم دقلو وأبناءه يملكون شركة الجنيد وهي التي تسيطر على التنقيب عن الذهب، وأن محمد حمدان دقلو أحد أعضاء مجلس الإدارة.

وأوضحت أن الإمارات هي المستورد لما نسبته 99 في المئة من مجمل صادرات المناجم السودانية، بحسب بيانات رسمية، فيما تكشف وثائق أن حسابا بنكيا في مصرف في بنك أبو ظبي الوطني بالإمارات تودع فيه كل الأموال المتعلقة ببيع الذهب لصالح قوات التدخل السريع.

ويرى تجمع المهنيين السودانيين الذي كان له دور في الحركة الاحتجاجية التي أطاحت البشير، أن طريق السودان نحو الديمقراطية ليس مهددا من قبل قوات الدعم السريع أو مصالحها الاقتصادية، وفقا للمتحدث باسمه مهند حميد.

لكنه يضيف أن حميدتي رجل خطير جدا، ليس لأنه غني ولكنه يمتلك جيشا وميليشيات مستقلة عن الجيش السوداني.

ويؤكد حميد أن ثروة قوات التدخل السريع ربما ليست مشكلة حاليا، ولكنها يجب أن تخضع لسيطرة الدولة، مشيرا إلى أن الانتقال نحو الديمقراطية يحتاج إلى سنوات.

وفي ديسمبر الماضي، نفى حميدتي في مقابلة مع صحيفة إندبندنت البريطانية، الجمع ما بين "السلطة والثروة"، رافضا الاتهامات بحقه حول امتلاكه مناجم ذهب وتحكمه بقوة عسكرية كبرى في البلاد.

وقال حميدتي "لا أملك مناجم.. ليس هناك سوى منجم واحد في جبل عامر وثمة شراكات مع آخرين" وبعضها يعاني التعثر، مشيرا إلى أنه "يتم دفع الزكاة ورسوم التصدير"، وشدد على سلامة الإجراءات القانونية التي تحكم عمل هذه الشركات.

ورغم تأكيده أنه لا يجمع ما بين "القوة والتجارة"، إلا أن الصحيفة البريطانية أعادت التذكير بتقرير سابق لرويترز نقل عن مصادر، لم يسمها، امتلاك حميدتي، عبر شقيقه، شركة جنيد المسيطرة على التنقيب والاتجار بالذهب في تلك المنطقة.

ونفى حميدتي في وقت سابق وجود أي صلة بينه ومجموعة الجنيد، غير أن عبد الرحمن البكري المدير العام لمجموعة الجنيد، قال في مقابلة منفصلة وفق تقرير سابق لرويترز، إن الشركة مملوكة لعبد الرحيم شقيق حميدتي ونائب قائد قوة الدعم السريع.

وكان تحقيق رويترز قد كشف عن منح الرئيس المخلوع عمر البشير، الحق لحميدتي بالتعدين في عام 2018 عندما كانت السودان تعاني اقتصاديا.

وقالت إندبندنت إنه في الوقت الذي تنكر "الجنيد" أي علاقة لها مع حميدتي، كان هو يتحدث عنها وكأنه جزء منها.

السودان يعاني أزمة اقتصادية خانقة
السودان يعاني أزمة اقتصادية خانقة

اعتبر وزير الداخلية السوداني المكلف، خليل باشا شايرين، أن ارتفاع جرائم التهريب الجمركي يمثل "أكبر تهديد لاقتصاد البلاد" لعدة عوامل، منها فقدان عائدات النفط بعد انفصال الجنوب وتداعيات الحرب المستمرة منذ العام الماضي.

وقال باشا، خلال ورشة مكافحة التهريب الجمركي التي عقدت، الثلاثاء، في بورتسودان، إن "هناك تحديات وصعوبات تواجه عمل مكافحة التهريب، تتمثل في الحدود الطويلة المفتوحة للسودان مع سبع دول مجاورة، وساحل البحر الأحمر المفتوح، إضافة إلى تحديات مواكبة تطور أساليب الجريمة واعتقاد بعض القبائل في أعرافها بأن التهريب فروسية وشهامة".

وأضاف، خلال ورشة عمل حملت شعار "التهريب خيانة للوطن وتدمير للاقتصاد"، وشارك في الورشة ممثلون عن الأجهزة الأمنية وديوان الضرائب وهيئة المواصفات ووزارة المالية وخبراء، أن "مكافحة التهريب معقدة وتصاحبها سلسلة من النشاطات وتبادل وجمع المعلومات لمراقبة الحدود، إضافة إلى الحاجة للأجهزة الحديثة".

وبحثت الورشة الأسس الكفيلة بوضع توصيات بناءة تساعد السلطات الحكومية على كبح المهربين للسلع والمنتجات، خاصة الزراعية والمعدنية، بما يؤدي إلى تعافي الاقتصاد.

وأشارت ورقة قدمها العميد في الشرطة، عباس عبد القادر دينار، إلى أن شرطة مكافحة التهريب ضبطت منذ مطلع العام الجاري 2024 نحو 86 كيلوغراما من الذهب، و184 قطعة سلاح وذخيرة، و1087 رأسا من الإبل، و293 مركبة، و850 كيلوغراما من المواد المخدرة.

واعتبر مسؤول في الشركة السودانية للموارد المعدنية (طلب حجب اسمه)، أن الذهب المنتج في البلاد يمثل علامة فارقة في الاقتصاد.

وأوضح أن حصيلة صادرات الذهب خلال عام 2020 بلغت مليارا وستمائة مليون دولار، أي بنسبة تقدر بنحو 47 بالمئة. وأكد أن "البلاد تفقد نحو مائة كيلوغرام من الذهب يوميا".

وأضاف أن شرطة خاصة تسمى شرطة الموارد المعدنية تكثف جهود الحماية، لكنه دعا إلى تكامل الأدوار وإحكام التنسيق مع شرطة مكافحة التهريب.

وأثارت المادتان 190 و191 من قانون الجمارك انتقادات واسعة من قبل خبراء شاركوا في الورشة.

وقال اللواء المتقاعد، عبد المحسن سيد، إن "مشرع القانون يركز على الحصول على الأموال أكثر من تركيزه على ردع المهربين".

وأضاف في تعليقه على ورقة مكافحة التهريب: "نتحدث عن العقوبات، والحقيقة أنها عقوبات إيرادية، وكأن المشرع يريد إيرادا - والمكافحة أصلا ليست جهة إيرادية حتى تفرض تسويات". وأوضح المدير السابق لشرطة مكافحة التهريب أن تشديد العقوبات هو الذي يمكن أن يردع المهربين ويحد من نشاطهم.

وتطرقت مناقشات خبراء اقتصاديين شاركوا في الورشة إلى علاقة السياسات الاقتصادية بقضية تهريب السلع والبضائع، لا سيما المرتبط منها بضبط عمليات الصادرات والواردات.

وأوضح المدير التنفيذي لاتحاد أصحاب العمل السوداني، أحمد علي، أن ازدياد جرائم التهريب الجمركي يتم من خلال التلاعب في بوالص الشحن، أو تقديم معلومات غير صحيحة أو مطابقة لسلطات الجمارك. وأكد أن هذه السلوكيات أحدثت ضررا بليغا في أسعار السلع الضرورية، وساعدت في عدم استقرار سعر صرف العملة الوطنية - الجنيه.

ووجه علي انتقادات للسياسات الاقتصادية للحكومة، قائلا: "التهريب نتج بسبب سياسات الدولة نفسها، بفرضها رسوما مرتفعة، وبناء عليها يلجأ التاجر أو أصحاب الأعمال إلى التهريب للتقليل من دفع الرسوم المفروضة".

وأضاف أن "سياسات ما يعرف بالدولار الجمركي وتعقيدات الاستيراد والتصدير تشجع المواطن على التهريب".

وقدم المدير التنفيذي لاتحاد أصحاب العمل السوداني مقترحا بتشكيل مجلس يضم اتحاد أصحاب العمل ووزارة المالية وهيئة الجمارك وبنك السودان، لوضع سياسات جديدة لضبط عمليات الصادرات والواردات من السلع، وحماية اقتصاد البلاد من التهريب.