مرة أخرى، اجتمع مجلس الأمن لمناقشة حل لقضية سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا بعد فشل المفاوضات، التي كانت يرعاها الاتحاد الأفريقي على مدار عام.
وخلال الاجتماع، حثت مصر والسودان مجلس الأمن الدولي على استخدام "الدبلوماسية الوقائية" والدعوة إلى اتفاق ملزم قانونًا لحل النزاع مع إثيوبيا حول توافر المياه من سد النهضة على نهر النيل، لكن إثيوبيا أصرت على أن المسألة يمكن يحلها الاتحاد الأفريقي وسط موافقة العديد من أعضاء المجلس.
بعد مناقشات دامت لساعات، أيد أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جهود الوساطة التي يجريها الاتحاد الأفريقي بين الدول الثلاث، وحثوا جميع الأطراف على استئناف المحادثات.
لكن لم يتوصلوا بشكل واضح لحل للمشكلة، كما أنه لم يتم الإعلان عن موعد التصويت على القرار الذي تقدمت به تونس لمجلس الأمن بالنيابة عن مصر والسودان، والذي يدعو إلى التوصل إلى اتفاق ملزم بين الدول الثلاث بشأن تشغيل سد النهضة خلال ستة أشهر تحت رعاية الاتحاد الأفريقي.
لا فائز ولا خاسر
"لا فائز ولا خاسر من هذه الجلسة، كل كلمات الأعضاء كانت تحث على العودة للتفاوض والحل السلمي"، حسب ما يرى السياسات الخارجية في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية السودانية، عبد الرحمن خريس.
وأضاف خريس في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أنه بالرغم من أن مصر والسودان لم تعدا جيدا للجلسة ولم توضحا بشكل كاف خطورة السد عليهما، على حد قوله، إلا أنهما نجحتا في تحميل المجتمع الدولي مسؤوليته في هذه القضية التي تهدد الأمن والسلم الإقليمي.
من جانبه يرى مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق حمدي صالح، أن سير ونتائج الجلسة كان متوقعا بشكل كبير، بعض المواقف كانت إيجابية في صالح مصر والبعض كان محايدا.
وأضاف صالح في تصريحات لموقع قناة "الحرة": "لانزال عند نفس النقطة. الموقف الإثيوبي متعنت، لا يقدم أي إيضاحات بل خطابه عبر كلمات عن كلمات عاطفية عن التنمية، وهو ما لا تعارضه مصر والدول العربية".
وأوضح أن المشكلة هي أن إثيوبيا مستمرة في عملية الملء أثناء المفاوضات، مشيرا إلى أنها قضية تحكمها سياسية الأمر الواقع من البداية.
أما المحلل السياسي الإثيوبي، أنور إبراهيم، فيقول إن الجلسة كانت جيدة. ويعتقد أن أهم نقطة في الجلسة هو الاتفاق على عودة الملف للاتحاد الأفريقي.
وذكر إبراهيم في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أن الجلسة أكدت للقاهرة والخرطوم أن الاتحاد الأفريقي هو المنوط به مناقشة مثل هذه الملفات. وأشار إلى أن تأكيد الأعضاء على دور الاتحاد في حل المشكلة.
وقال إبراهيم: "الجميع آمن أن بالحل السلمي للقضية، وأعتقد أن المسار إذا سار على هذه الوتيرة يمكن أن تحقق الدول تقدما في الملف خلال المراحل القادمة بعد أن تعود للتفاوض بصدر رحب". وتابع: "عملية تصعيد الخلاف لمجلس الأمن كان من الأثاث غير موقف وغير مرحب به من الجانب الإثيوبي، وأعتقد هنا مربط الفرس".
العودة إلى الاتحاد الأفريقي
وخلال الجلسة، شدّدت الأمم المتّحدة على ضرورة التوصّل إلى اتّفاق حول السد من خلال الثقة المتبادلة. وأكّدت المديرة التنفيذيّة لبرنامج الأمم المتّحدة للبيئة إنغر آندرسن، أنّه "يمكن التوصّل إلى اتّفاق حول سدّ النهضة".
وقالت غرينفيلد سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس: "يمكن التوصل إلى حل متوازن وعادل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة من خلال الالتزام السياسي من جميع الأطراف".
وأضافت: "هذا يبدأ باستئناف المفاوضات الموضوعية المثمرة. ينبغي عقد هذه المفاوضات تحت قيادة الاتحاد الأفريقي، وينبغي استئنافها على وجه السرعة"، وذكرت أن الاتحاد "هو المكان الأنسب لمعالجة هذا النزاع".
وزير الخارجية المصري سامح شكري اعتبر أنّ السدّ يشكّل "تهديداً وجوديّاً" بالنسبة إلى مصر، مطالباً بـ"اتفاق مُلزِم قانوناً" بالنسبة إلى إثيوبيا في ما يتعلّق بالسدّ.
وقال شكري إنّ "المسار التفاوضي الذي يقوده الاتّحاد الإفريقي قد وصل لطريق مسدود". وأضاف: "تُطالب مصر مجلس الأمن بتبنّي مشروع القرار الخاصّ بمسألة سدّ النهضة الإثيوبي والتي تمّ تعميمه من قِبل جمهورية تونس الشقيقة"، معتبراً أنّ هذا المشروع "متوازن وبنّاء".
بينما قالت نظيرته السودانية مريم الصادق المهدي، إنّ بلادها "تطلب المساعدة" من مجلس الأمن لإيجاد اتّفاق ملزم قانوناً، من دون أن تأتي على ذكر مشروع القرار. وحذّرت من أنّ الصمت سيُفسَّر على أنّه ضوء أخضر لإثيوبيا لمواصلة ملء خزان السد.
وتُصرّ إثيوبيا على أنّ قضيّة السد لا تهدد السلم والأمن الدوليّين وبالتالي لا تتطلب انعقاد مجلس الأمن. وقال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي أوولاتشو، إنّ الاعتراضات التي عبّرت عنها القاهرة والخرطوم "ليست موجّهة ضدّ سدّ النهضة وإنّما تهدف بالأحرى إلى وقف استخدام المياه من جانب إثيوبيا".
وأضاف: "خلافاً لمصر والسودان، لا تمتلك إثيوبيا احتياطات كبيرة من المياه الجوفية".
وعقب الجلسة، قال شكري في تصريحات صحفية إن جميع أعضاء المجلس أشاروا إلى أنه لا ينبغي أن تتخذ الدول الثلاث أي إجراء من جانب واحد، لكنهم فشلوا في الإشارة إلى أن إثيوبيا اتخذت بالفعل إجراء أحادي الجانب مرتين لملء خزان سد النهضة، الأمر الذي كان له "تأثير سلبي على الجانب التفاوضي".
وذكرت المهدي: "ما سمعناه هناك أمر مشجع حقًا - إن هذا أمر مهم للغاية ويأخذ مصلحة العالم لأنها مسألة تهديد وشيك لاستقرار وأمن منطقة مهمة في الجزء الشرقي من أفريقيا". وأضافت: "نحن متفائلون للغاية بأن مجلس الأمن سيتعامل مع هذا الأمر بطريقة مسؤولة، ولن يتم إسقاطه من جدول أعماله".
مصير القرار التونسي
أما عن مصير الاقتراح التونسي، قال صالح إنه سيتم إجراء مناقشات مغلقة بين أعضاء المجلس خلال الأربعة أو الخمسة أيام القادمة، وسيتم إصدار قرار في جلسة المجلس القادمة يوم الأربعاء أو الجمعة برفض القرار أو قبوله أو الاكتفاء ببيان.
لكن خريس يعتقد أنه قد لا يتم التصويت حول القرار التونسي أو إرجاء إصدار قرار في هذا الشأن حتى يتم العودة إلى الاتحاد الأفريقي والتشاور معه في نص القرار وهل 6 أشهر فترة كافية للتوصل إلى قرار؟
وقال شكري: "أظهر أعضاء المجلس دعمهم لجميع العناصر الواردة في مشروع القرار، لذلك تتطلع مصر إلى موافقته والتي من شأنها "تعزيز وتمكين" جهود رئيس الكونغو فيليكس تشيسكيدي، بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي لبدء المفاوضات مع الأطراف الثلاثة والتفاوض بشأن اتفاق ملزم قانونا".
وأرجعت رويترز عدم التوصل إلى قرار، بسبب أن الكثير من الدبلوماسيين بالمجلس لا يودون التدخل في هذا النزاع المستمر منذ أكثر من عقد من الزمن، خشية أن يشكل ذلك سابقة قد تسمح لدول أخرى بطلب مساعدة المجلس في نزاعات مائية.
بينما يرى خريس أن هذه القضية من اختصاصات مجلس الأمن لأنها تهدد السلم في المنطقة وقد تؤدي إلى اندلاع حرب، مشيرا إلى أن المواد من 33 إلى 88 من قانون المجلس ينص على تدخل المجلس في حال فشل المفاوضات السلمية بين الدول.
بدورها، قالت المهدي إن بعض أعضاء المجلس قلقون بشأن سابقة معالجة قضية المياه، لكنها شددت على أن معالجة سد النهضة سيكون "سابقة" في الدبلوماسية الوقائية "والنظر في علامات الإنذار المبكر"، وعدم الاضطرار إلى التعامل مع مهمة حفظ سلام في وقت لاحق.
كما أضاف شكري أن "هذه ليست قضية مياه. هذه قضية دبلوماسية وقائية، قضية حل نزاع يتعلق بالسد والتهديد الوجودي الذي يشكله"، وتابع: "سيتعين على كل عضو في المجلس تقديم مبرر إذا لم يعالج القضية".
الخطوة القادمة
أكد خريس أن الحل الوحيد لهذه القضية هو الدبلوماسية وزيادة الضغط الدولي على إثيوبيا وإشراك وسائط جدد في المفاوضات مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة.
بينما يرى أنه في حالة عدم التوصل إلى حل فإن الأمور قد تتطور إلى صدام، لأن مصر ستستخدم كافة الإجراءات للدفاع عن حقوقها المائية، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية، وأعرب عن استغرابه من موقف المجتمع الدولي من القضية التي تهدد السلم والأمن في المنطقة.
ردا على سؤال حول استخدام الوسائل العسكرية، قال شكري، ستواصل مصر إبداء المرونة والرغبة في دعم العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي، لكنها في الوقت نفسه "ستدافع عن مصالح المواطنين وسبل عيشهم بكل الوسائل المتاحة تحت تصرفها".
يعتمد مصر على نهر النيل في أكثر من 90 بالمئة من إمداداتها بالمياه العذبة، وتخشى أن يكون له أثر مدمر على اقتصادها، بينما تقول إثيوبيا إن السد الضخم قد يساعدها في التحول إلى مصدر رئيسي للطاقة، وتعتبر السد، الذي تبلغ تكلفته 4.6 مليار دولار، مصدر فخر وطني يهدف إلى انتشال ملايين المواطنين من الفقر.
منذ 2011، تتفاوض الدول الثلاث حول السد. ويدور الخلاف بين الأطراف الثلاثة، حول كمية المياه التي ستطلقها إثيوبيا في اتجاه مجرى النهر في حالة حدوث جفاف لعدة سنوات وكيف ستحل الدول أي نزاعات مستقبلية. لكن إثيوبيا ترفض التحكيم الملزم في المرحلة النهائية.
وبحسب تقارير وسائل الإعلام الحكومية الإثيوبية، اكتمل بناء السد بنسبة 80 بالمئة، ومن المتوقع أن يصل إلى طاقته التوليدية الكاملة في عام 2023، ما يجعله أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم.
وفي 5 يوليو، أخطرت أديس أبابا القاهرة ببدء الملء الثاني، وهو ما رفضته مصر والسودان.