روسيا أعلنت دعمها التفاوض السلمي في حل أزمة سد النهضة
روسيا أعلنت دعمها التفاوض السلمي في حل أزمة سد النهضة

بعد جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول سد النهضة، هاجمت وسائل إعلام مصرية الموقف الروسي بالجلسة، ووصفته بأنه "منحاز ومؤيد" لإثيوبيا. 

وخلال الجلسة قال المندوب الروسي، ڤاسيلي نيبينزيا: "نحن نعترف تمامًا بالأهمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا المشروع في توفير المياه للملايين الذين يعيشون في إثيوبيا، وهي دولة تعاني انقطاع الكهرباء".

وكان مجلس الأمن اجتمع مرة ثانية في 8 يوليو، لمناقشة أزمة السد بعد فشل المفاوضات، التي كانت يرعاها الاتحاد الأفريقي على مدار عام، بناء على دعوة تقدمت بها تونس لمجلس الأمن بالنيابة عن مصر والسودان، والذي يدعو إلى التوصل لاتفاق ملزم بين الدول الثلاث بشأن تشغيل سد النهضة خلال ستة أشهر تحت رعاية الاتحاد الأفريقي.

وفي حين أشار نيبينزيا إلى إدراك روسيا لأهمية النهر للسودان ومصر وتحفظاتهما، فقد قال: "لا بديل لتسوية هذا النزاع إلا من خلال السبل السياسية بمشاركة الدول الثلاث. صب الزيت على النار، والتهديد باستخدام القوة، أمر يجب منعه وتفاديه. سنكون صريحين؛ نعبر عن قلقنا إزاء تنامي الخطاب التهديدي الذي لا يؤدي إلى حل متفاوض عليه".

أثار الموقف الروسي غضب المصريين، الذي ازداد بعد إعلان موسكو وأديس أبابا خلال الأيام الماضية، توقيع عدد من اتفاقيات التعاون العسكري في ختام الاجتماع المشترك الحادي عشر للتعاون التقني العسكري الإثيوبي-الروسي.

طرح الموقف الروسي تساؤلات عديدة حول علاقات موسكو مع القاهرة، خاصة أنه مع وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى الحكم بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، كانت موسكو من أكبر المؤيدين له على عكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أول رئيس دولة كبرى يزور مصر بعد انتخاب السيسي.

حياد أم انحياز؟ 

يرى المحلل السياسي، يفغيني سيدروف، أن موقف موسكو محايد من أزمة سد النهضة، وليس منحازا، وأنها تدعم الحل السلمي للأزمة عن طريق التفاوض، مشيرا إلى أن روسيا ستثمن دور الأمم المتحدة في عملية التفاوض.

وأضاف سيدروف في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أن "روسيا لديها علاقات صداقة وشراكة مع البلدان الثلاثة في الأزمة وتقدم المساعدة لجميع الدول، ولا تؤيد طرف على حساب الآخر".

 

ويقول الباحث المصري في الشؤون الروسية، هاني شادي، إنه غير متفاجئ من الموقف الروسي، لأن العلاقات بين البلدين محدودة وليست بالحجم الذي يصوره الإعلام المصري "لخدمة أغراض سياسية"، على حد قوله. 

وأضاف شادي في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أن روسيا لديها مصالح كبيرة في منطقة القرن الأفريقي وإثيوبيا، وتربطهما علاقات كبيرة بأديس أبابا منذ الاتحاد السوفيتي.

وفسر شادي خطوات موسكو بأنه للضغط على القاهرة والخرطوم للحصول على بعض المصالح في المنطقة مثل إنشاء قواعد عسكرية روسية على البحر الأحمر، مشيرا إلى أن هذا مبدأ في السياسة الخارجية الروسية منذ سنوات.

وأكد أن موسكو ترغب بالتواجد في أفريقيا بشكل أكبر من خلال التدخل في هذه الأزمة، وأن تطلب منها مصر والسودان المشاركة كوسيط في المفاوضات، وهو ما عرضته أكثر من مرة.

بينما أرجعت دراسة لمركز الدراسات العربية الأوراسية هذا الموقف إلى أن موسكو ما زالت تنظر إلى السياسة المصرية ببعض الشك والريبة، وعدم التعويل الكبير على إمكانات تطور العلاقة إلى حد الشراكة الاستراتيجية، نتيجة التقييم الروسي لدور مصر في انهيار الاتحاد السوفيتي، بشكل غير مباشر عندما تلقت هزيمة ثقيلة وغير مبررة في حرب الخامس من يونيو 1967، وهو ما أسقط هيبة موسكو عالميًّا.

وأضافت الدراسة أن الأمر ازداد سوءًا بعد طرد الرئيس الراحل السادات الخبراء السوڤيت بطريقة مهينة، ودخول حرب أكتوبر 1973، بالسلاح الروسي، ثم عقد اتفاقية سلام عبر أميركا حصرًا، ومجابهتها الاتحاد السوفيتي في القارة الأفريقية وأفغانستان.

وفي عهد السيسي، فقدت موسكو الحماسة في عقد شراكة مع القاهرة، بعد عودة الدفء إلى العلاقات لمصرية الأميركية بعد وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بحسب الدراسة.

كما أشار المركز إلى تراجع دور القاهرة الإقليمي في عدد من القضايا التي تخص المصالح الروسية، وقالت: "يحترم نظام پوتين خصومه الذين يمتلكون أنيابًا ومخالب يمكن أن تؤذي المصالح الروسية حال اختلف معهم، فهناك أكثر من صديق ربما يكون الأقرب إلى مواقف روسيا لكنه بلا فاعلية، فالنظام الروسي الحالي لا يؤمن سوى بالقوة".

وأضاف: "بعد تولي السيسي، لم يعد لدى مصر نفوذ يذكر في المناطق الساخنة التي لروسيا مصالح فيها، أو أوراق يمكن أن تستخدمها ضد موسكو وتخشى منها. فسوريا، لا يوجد لمصر علاقة مع حلفاء الأسد، ولا سياسة واضحة تجاه الوضع النهائي في سوريا، ولا هي مرتبطة بالمعارضة الفاعلة على الأرض، أو بعض أطرافها".

لكن سيدروف يقول إنه لا يلاحظ أي تراجع في العلاقات المصرية الروسية، وأكد أنه يوجد تفاهم وتشاور مستمر بين البلدين في مختلف القضايا.

الاتفاقية العسكرية ستؤثر على المفاوضات

تعتمد مصر على نهر النيل في أكثر من 90 بالمئة من إمداداتها بالمياه العذبة، وتخشى أن يكون له أثر مدمر على اقتصادها، بينما تقول إثيوبيا إن السد الضخم قد يساعدها في التحول إلى مصدر رئيسي للطاقة، وتعتبر السد، الذي تبلغ تكلفته 4.6 مليار دولار، مصدر فخر وطني يهدف إلى انتشال ملايين المواطنين من الفقر.

منذ 2011، تتفاوض الدول الثلاث حول السد. ويدور الخلاف بين الأطراف الثلاثة، حول كمية المياه التي ستطلقها إثيوبيا في اتجاه مجرى النهر في حالة حدوث جفاف لعدة سنوات وكيف ستحل الدول أي نزاعات مستقبلية. لكن إثيوبيا ترفض التحكيم الملزم في المرحلة النهائية.

وبحسب تقارير وسائل الإعلام الحكومية الإثيوبية، اكتمل بناء السد بنسبة 80 بالمئة، ومن المتوقع أن يصل إلى طاقته التوليدية الكاملة في عام 2023، ما يجعله أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم. 

وفي 5 يوليو، أخطرت أديس أبابا القاهرة ببدء الملء الثاني، وهو ما رفضته مصر والسودان.

أما عن توقيت الاتفاقية العسكرية بين موسكو وأديس أبابا، والتي تزامنت مع ارتفاع وتيرة التهديدات المصرية بأن كل الخيارات مفتوحة للدفاع عن مصالحها، أشار سيدروف إلى أن توقيت الاتفاقية جاء بعد شهور من المفاوضات بين الطرفين وعلى هامش زيارة وفد روسي للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وقال إن الهدف منها تحديث القوات العسكرية الإثيوبية في مختلف المجالات.

وقال إنه هذه الاتفاقية ليس لها علاقة بملف سد النهضة، وأوضح أن هذه الاتفاقية هي الثانية من نوعها بين البلدين في السنوات الأخيرة. ففي أبريل 2018، وقع البلدان اتفاقية مشابهة، مؤكدا أنها ليس لها أي تأثير على سير المفاوضات، لأن موسكو تدعم الحل السلمي.

بينما يرى شادي أنه بالرغم من أن هذه الاتفاقية ليست جديدة إلا أنها ستوثر على سير المفاوضات، وخاصة إذا فكرت مصر في استخدام الخيار العسكري لحل الأزمة.

اتهامات جديدة للإمارات بدعم قوات الدعم السريع
اتهامات جديدة للإمارات بدعم قوات الدعم السريع

اتهمت الحكومة السودانية دولة الإمارات بـ"الاستمرار في دعم" قوات الدعم السريع بالذخائر والمركبات القتالية والمسيرات وغيرها، وفق ما قاله وزير الخارجية، حسين عوض، خلال مؤتمر صحفي عقده في بورتسودان، الاثنين.

وأضاف الوزير، وفق ما نقل عنه مراسل الحرة، أن تقارير الأمم المتحدة "أثبتت هبوط 400 رحلة جوية لطائرات تنقل السلاح ومعدات عسكرية إلى مطار أم جرس في شرق تشاد، بالإضافة إلى مطار انجمينا (عاصمة تشاد)".

وأشار إلى أن حكومته تمتلك "أدلة دامغة" تؤكد تورط الإمارات في دعمها لقتل المدنيين السودانيين وتشريدهم، خاصة في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.

من جانبه، قال وزير الإعلام السوداني، جراهام عبد القادر، إن الإمارات "وفرت غطاء سياسيا لأنشطة الدعم السريع من خلال نقل العتاد الحربي ونقل جرحى قوات الدعم السريع لتلقي العلاج في مستشفى الشيخ زايد".

وفي سياق متصل، نفى وزير الخارجية السوداني تعرض مقر سفير الإمارات في الخرطوم للقصف من قبل الجيش السوداني، مشيرا إلى أن الحكومة نقلت كافة مقرات البعثات الدبلوماسية، ومن بينها سفارة الإمارات، إلى مدينة بورتسودان، مؤكدا في الوقت ذاته التزام الحكومة بتنفيذ معاهدة فيينا الخاصة بحماية البعثات الدبلوماسية.

وسبق أن نفت الإمارات جميع الاتهامات بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح، وقالت إنها لم ترسل دعما عسكريا لأي من الأطراف المتحاربة في السودان. 

وفي يوليو الماضي، قالت البعثة الإماراتية لدى الأمم المتحدة إن الادعاءات التي تشير إلى خلاف ذلك "أكاذيب ومعلومات مضللة، ودعاية ينشرها بعض الممثلين السودانيين".

وفي يوليو، ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن جوازات سفر تم انتشالها من ساحات القتال في السودان تشير إلى أن الإمارات تنشر سراً قوات على الأرض، وفقا لوثائق مسربة، وهو ما نفته أبوظبي.

ونفى الجيش السوداني استهداف مقر سفير الإمارات في العاصمة الخرطوم، مشيرا إلى أن القوات المسلحة السودانية "لا تستهدف مقار البعثات الدبلوماسية... ولا تخالف القانون الدولي".

وأصدر الجيش بيانا في أعقاب إعلان الإمارات في بيان رسمي أن مقر سفيرها تعرض لهجوم بطائرة تابعة للجيش السوداني، واصفة الهجوم بأنه "عمل جبان".

ووقع صدام بين مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، وبين سفير الإمارات لدى الأمم المتحدة، محمد أبو شهاب، في جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي في 18 يونيو، عن الأوضاع السودانية، إذ اتهم المندوب السوداني أبوظبي بأنها الراعي الإقليمي لتمرد الدعم السريع.

وفي المقابل، وصف أبو شهاب الاتهامات السودانية بأنها "سخيفة وباطلة، وتهدف لتشتيت الانتباه عن الانتهاكات الجسيمة التي تحدث على الأرض".

واندلعت الحرب في السودان، في أبريل 2023، عندما تحولت المنافسة على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى حرب مفتوحة.

وسبق أن تقاسم الطرفان السلطة بعد انقلاب عل حكومة رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك، في 25 أكتوبر 2021.

ولم تنجح الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في تخفيف حدة القتال.

ويواجه حاليا نحو نصف سكان السودان، البالغ عددهم 50 مليون نسمة، نقصا في المواد الغذائية.