المحتجون يغلقون الميناء والمطار في بورتسودان في شرق البلاد
المحتجون يغلقون الميناء والمطار في بورتسودان في شرق البلاد

على مدار الأيام الماضية، اشتعلت الاحتجاجات في إقليم شرق السودان، وصلت إلى حد إغلاق مطار مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، وقطع خطوط السكك الحديدية وطريق الحافلات.

وأكد وزير النفط السوداني جادين علي العبيد لوكالة فرانس برس السبت، أن محتجين في مدينة بورتسودان أغلقوا خطي تصدير واستيراد النفط في البلاد، متحدثًا عن "وضع خطير جدًا".

وقال العبيد "أغلق المحتجون أنبوبي النفط اللذين ينقلان صادر دولة جنوب السودان إلى ميناء بورتسودان والوارد من الميناء إلى داخل البلاد". وأضاف "لقد أُغلقت مداخل ومخارج ميناء تصدير النفط تماما والوضع خطير جدًا".

والجمعة، أغلق عشرات المحتجين مدخل مطار مدينة بورتسودان وجسرًا يربط ولاية كسلا في الشرق بسائر الولايات السودانية. والأسبوع الماضي، قام متظاهرون بغلق ميناء بورتسودان، كما أغلقوا الطريق الذي يربط المدينة الساحلية ببقية أجزاء البلاد، اعتراضا على اتفاق السلام.

ماذا يحدث في شرق السودان؟

يقول الناطق باسم تنسيقية الحراك الثوري في شرق السودان، أبو فاطمة أنورو، إن ما يحدث في  شرق السودان هو احتجاج سلمي مشروع بنفس الآلية التي سقط بها نظام الرئيس السابق عمر البشير.

وأضاف أنورو في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أنه توجد مظالم تاريخية لمنطقة شرق السودان لم تستوعبها الحكومة الحالية ولم تعمل على حلها. وأشار إلى أن ما يحدث هو انتفاضة جماهرية امتداد للحركة المسلحة التي بدأتها المنطقة ضد نظام البشير.

أما رئيس صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، يرى أن ما يحدث هو حالة تمرد كبيرة تحت قيادة أهلية بخلافات سياسية. وأكد أن هذه الخلافات بنيت على مصالح فرية وحزبية.

وأفاد شهود عيان وكالة فرانس برس أن الحافلات والسيارات الخاصة مُنعت من مغادرة المدينة الساحلية، كما أغلق المحتجون جسرًا يربط ولاية كسلا في الشرق بسائر أنحاء البلاد.

وقال عبد الله أبو شار القيادي بالمجلس الأعلى لنظارات قبائل البجه لفرانس برس عبر الهاتف "اليوم (الجمعة) حدث إغلاق كامل لولايتي البحر الأحمر وكسلا وأوقفنا حركة مرور الحافلات السفرية والسيارات الخاصة (ومنعناها) من الدخول أو الخروج من بورتسودان".

وأضاف "منعنا أي حركة دخول وخروج من مطار بورتسودان .. وفي كسلا أغلقنا جسر البطانة أمام حركة المرور". وأشار أبو شار إلى أن هذا التصعيد يأتي في ظل عدم استجابة الحكومة لمطالبهم .

وأكد مسؤول بشركة بدر للطيران التي تسيّر رحلة يومية إلى مطار بورتسودان  إلغاء رحلة الجمعة.

الخلاف حول مسار الشرق

أما عن سبب هذه الاحتجاجات، فقد أرجعها أنورو إلى رفض شعب شرق السودان لمسار الشرق في اتفاق جوبا للسلام. ولفت إلى أنه مثل الشرق في المفاوضات أشخاص ليس لديهم تاريخ نضالي طويل وليس لديهم معرفة بالكثير من قضايا المنطقة.

وذكر أنه على مدار عامين تم التفاوض مع الحكومة الاتحادية بشأن مطالبهم، ولكن بدون جدوى، مشيرا إلى أن ما حدث هو نتيجة فشل هذه المفاوضات.

 ومسار الشرق واحداً من خمسة مسارات في اتفاق السلام، ويتضمن مطالب متعلقة بالتنمية والخدمات والموارد والمشاركة في السلطة. 

بدوره، أكد ميرغني أن مجموعات عرقية وعلى رأسها قبائل البجه رفضت هذا المسار ولم تشارك في المفاوضات وما ترتب عليه من قرارات. وأوضح أنها رفضت تعيين والي كسلا من قبائل البني عامر، كما رفضت المشاركة في الحكومة، وظل مقعد وزارة التربية والتعليم المخصص للشرق فارغا.

ويتكون شرق السودان من 3 قوى قبلية أساسية هي قبائل البني عامر والحباب وقبائل البجه، والنوبة، إلى جانب قبائل أخرى صغيرة.

يعود الصراع بين القوى الثلاث إلى عشرات السنين بسبب الخلاف حول الأحقية التاريخية في المكان والموارد. حيث تتهم كل من قبائل البجه والنوبة قبائل البني عامر بأنهم ليسوا من "السكان الأصليين لمناطق الشرق، وأنّهم هاجروا خلال العقود الماضية من إريتريا، هرباً من الاضطهاد على يد الحكم الإمبراطوري الشيوعي ضدّ القوميات المسلمة"، وفقا لموقع حفريات السوداني.

وتقول قبائل البجه إن الحكومات السابقة "جنست مئات الآلاف من قبائل البني عامر، لتكون حاضنة شعبية لها في الشرق".

في أكتوبر الماضي، وقعت الحكومة الانتقالية السودانية في مدينة جوبا اتفاق سلام تاريخيًا مع عدد من الحركات التي حملت السلاح في عهد الرئيس السابق عمر البشير احتجاجًا على التهميش الاقتصادي والسياسي لهذه المناطق، ومثل الشرق مؤتمر البجه المعارض والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة.

لكن قبائل البجه والنوبة رفضت هذا الاتفاق احتجاجا على عدم تمثيلهم في المفاوضات، وقالت إن الفصيلين اللذين شاركا فيما يعرف "بمسار الشرق" لعملية السلام لا يمثلان القوى السياسية على الأرض.

زادت هذه الخلافات القبيلة في المنطقة بعد تعيين حاكم لولاية كسلا ينتمي إلى البني عامر، وهو ما أثار غضب قبيلتي البجه والنوبة.

وفي الشهر نفسه وبعد التوقيع، احتجت قبائل البجه في شرق السودان وأغلقت ميناء بورتسودان العام الماضي عدة أيام، اعتراضا على عدم تمثيلها في الاتفاق.

الأوضاع الاقتصادية 

من جانبه، يرى  عضو قوى الحرية والتغيير، مأمون فاروق، أن السبب الرئيسي للاحتجاجات في شرق السودان هو المشكلات الاقتصادية والخدمية، مشيرا إلى أن "مطالبهم عادلة".

وقال ميرغني إن شرق السودان من أكثر الأقاليم تخلفا في الخدمات الحكومية، ويعاني الناس من نقص في الخدمات الصحية والتعليم وعدم توافر الطعام والمياه بشكل كاف، مما لعب دورا في إثارة هذه الاحتجاجات.

ويضم شرق السودان ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف، وهي من أفقر مناطق البلاد. ويعتبر ميناء بورتسودان في ولاية البحر الأحمر، أكبر مرفأ بحري سوداني، فضلا عن أهميته لبلدان أخرى مغلقة في المنطقة مثل إثيوبيا وتشاد ودولة جنوب السودان.

ويستقبل الميناء السفن التجارية الكبرى بما فيها سفن الحاويات وناقلات النفط. كما يوجد بمدينة بورتسودان أيضاً مصفاة للنفط ومحطة نهائية لخطوط أنابيب النفط من السودان وجنوب السودان، حيث يوجد ميناء بشاير لتصدير النفط. وتوجد في المدينة مخازن وصوامع للغلال. 

وبحسب أنورو، يوجد بشرق السودان، كميات كبيرة من من الذهب، وبالرغم من ذلك فهو يعاني من التهميش ونقص في الخدمات الاقتصادية.

فلول النظام

كما اتهم بعض السودانين فلول نظام البشير بالوقوف وراء هذه الأحداث، وأكد فاروق في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أن مطالب المحتجين في شرق السودان عادلة لكنها  استغلت سياسيا من بعض فلول حزب المؤتمر الحاكم في عهد البشير، وقال إن "أعمال الشغب والعنف التي حدثت غير مبررة، وتضر بمطالب المواطنين العادلة".

بدوره، رفض أنورو هذه الاتهامات، وتساءل: "كيف يتبع شرق السودان النظام السابق وهو من حاربه 14 عاما، وشارك في الثورة عليه".

وأكد أن هذه الاتهامات الصادرة من أشخاص حديثي العهد بالسياسة، دفعت الثوار إلى إغلاق المعابر وقطع الطرق بين الشرق وباقي السودان.

من جانبه، قال ميرغني إن فلول النظام البائد لم تشارك في التخطيط الاحتجاجات، ولكنها تستغل الأحداث لإثارة القلق في السودان وإضعاف الاقتصاد، مما يحرج الحكومة الحالية.

كانت الحكومة السودانية، أعلنت الثلاثاء، إحباطها لمحاولة انقلاب نفذتها مجموعة من الضباط من "فلول النظام البائد"، بحسب وكالة الأنباء السودانية "سونا".

واعتبر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، إغلاق طرق شرق البلاد  تمهيدا للمحاولة الانقلابية الفاشلة.

ويقول ميرغني أن الحكومة الحالية في تحد كبير، فهي لا تستطيع استخدام القوة حتى لا تفتح باب الجحيم والحرب الأهلية في البلاد، كما أن المسار السياسي ومحاولة إرضاء الجميع قرار صعب، فهي لا تستطيع تعديل مسار الشرق في اتفاق جوبا حتى لا يثير غضب قبائل البني عامر.

وطالب أنورو الحكومة السودانية بتقديم استقالتها وتشكيل حكومة انتقالية جديدة تتولى الإشراف على انتخابات نيابية نزيهة.

الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية
الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية

في اتهام علني، يُعد الأول من مسؤول سوداني إلى السلطات الإماراتية، قال عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا، إن "الإمارات ترسل إمدادات إلى قوات الدعم السريع، عبر مطار أم جرس التشادي".

العطا الذي كان يتحدث أمام مجموعة من أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، أضاف أن "المعلومات الواردة إلينا من جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية ومن الدبلوماسية السودانية تشير إلى أن الإمارات ترسل الإمدادات إلى الدعم السريع". 

وجاءت تصريحات العطا قبل أيام من مشاركة متوقعة لرئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في الاجتماع الرئاسي بشأن المناخ والسلام والأمن في منطقة القرن الإفريقي، في دبي بالإمارات، في الثالث من ديسمبر المقبل، وذلك على هامش قمة المناخ.

موقف رسمي

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، أشار إلى أن "اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، لم يصدر من فراغ، وإنما استند إلى أدلة مصدرها ثلاث جهات رسمية، ممثلة في جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية والخارجية السودانية".

وقال إسماعيل لموقع "الحرة" إن تصريحات العطا تمثّل الموقف الرسمي للحكومة والجيش السوداني، ولا تمثّل قائلها، وهذا يشير إلى أن هناك دلائل أو ملفات، استند عليها الجيش ومجلس السيادة في اتهام أبوظبي بإرسال الإمداد إلى الدعم السريع، كما أن هناك تقارير في منصات إعلامية تحدثت بهذا الخصوص".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أوغنديين، قولهم إنهم عثروا في 2 يونيو الماضي على "شحنات أسلحة في طائرة، كان يفترض أن تحمل مساعدات إنسانية من الإمارات إلى اللاجئين السودانيين" في تشاد.

وفي أغسطس الماضي، نفت دولة الإمارات "دعم أي من طرفي الصراع في السودان بالسلاح والذخيرة"، وفق بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي على موقعها الإلكتروني.

وجاء في البيان "أن الإمارات لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع الحالي، وتسعى إلى إنهائه".

عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر قال إن قواتهم لم تستلم أي دعم من الإمارات، أو من تشاد، أو أي دولة أخرى.

كما أكد لموقع "الحرة" أن "قوات الدعم السريع لا تتلقى أي دعم خارجي، وأنها تعتمد على الأسلحة والعتاد الحربي الذي حصلت عليه من مخازن استولت عليها من الجيش السوداني".

وأدى الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي بدأ في أبريل الماضي، إلى مقتل أكثر من تسعة آلاف شخص، بجانب تشريد أكثر من 7 ملايين نازح داخلياً، بينما يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد، إلى مساعدات إنسانية، للبقاء على قيد الحياة، حسب منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

المحلل السياسي الإماراتي، ضرار الفلاسي، قلل من اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، بالضلوع في تقديم الإمداد إلى قوات الدعم السريع.

الفلاسي قال لموقع "الحرة"، إن "الإمارات لا تدعم الحرب في السودان، وتعمل على تقديم الدعم إلى المتضررين من الأزمة الحالية، ولذلك لا تلتف إلى مثل هذه الاتهامات والمزاعم".

رسائل خارجية

اتهام عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا إلى الإمارات، جاء بعد يومين من زيارة البرهان إلى كينيا وجيبوتي، حيث بحث مع الرئيس الكيني، وليام روتو ومع السكرتير التنفيذي لمنظمة ايقاد، ورقني قبيهو، في اجتماعين منفصلين، "سبل إيقاف الحرب وعودة الحياة طبيعتها في السودان"، بحسب إعلام مجلس السيادة السوداني.

من جانبه اعتبر عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر، أن "اتهام العطا إلى الإمارات، ابتزاز للمجتمع الدولي وأنه محاولة للتشويش على الإرادة الدولية والجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان".

وتابع قائلا: "هذه التصريحات تكشف عن ارتباك وفوضى في مركز قيادة القوات المسلحة السودانية، والجميع يعلم أن الإمارات دعمت السودانيين وتوسطت لردم الهوة بين السودانيين قبل وبعد اندلاع الحرب".

وتقود السعودية والولايات المتحدة جهودا لإنهاء الحرب في السودان، من خلال جولات تفاوضية بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة جدة، حيث اتفق الطرفان المتحاربان على "تسهيل وصول المساعدات الإنسانية"، بحسب بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في السابع من نوفمبر الماضي.

ووفق البيان، فقد اتفق الطرفان على "إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع"، ضمن مساعي تعزيز إجراءات الثقة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها اختراق منظور في مسار إنهاء الحرب عبر التفاوض.

المعارك بالسودان أدت إلى مقتل الآلاف
السودان.. طرفا الصراع يلتزمان بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية
ذكر بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، الثلاثاء، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أعلنا التزامهما بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات لبناء الثقة، من دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وتزامن هجوم العطا على الإمارات مع وقفة احتجاجية في مدينة بورتسودان، التي تتخذها السلطات السودانية مقراً بديلاً لإدارة شؤون البلاد، حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بطرد السفير الإماراتي من السودان.

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، استعبد أن تصل علاقات السودان والإمارات إلى مرحلة القطيعة الدبلوماسية، أو سحب، أو طرد السفراء.

لكنه أشار إلى أن تصريحات العطا ستنعكس على مشاركة البرهان في قمة المناخ بالإمارات، وربما تقطع الطريق – والحديث لإسماعيل – على أي فرصة لتقارب أو محادثات جانبية بين البرهان والقيادة الإماراتية خلال فعاليات القمة".

وبدوره، شدد المحلل السياسي الإماراتي ضرار الفلاسي، على أن الإمارات مستمرة في تقديم الدعم للسودانيين المتضررين من الحرب، وأنها عازمة على إنجاح قمة المناخ المنعقدة في دبي". 

وكان تحالف يضم شركة موانئ أبو ظبي وشركة إنفيكتوس للاستثمار، وقع في ديسمبر الماضي، اتفاقا مبدئيا مع السلطات السودانية، لإدارة وتشغيل ميناء أبو عمامة، والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر، باستثمارات قيمتها 6 مليارات دولار.

ومن المخطط أن يضم المشروع، الذي يقع على بعد حوالي 200 كيلومتر شمالي مدينة بورتسودان الساحلية، منطقة اقتصادية ومطارا ومنطقة زراعية على مساحة 400 ألف فدان.