خلافات بين الحاكم الفعلي للسودان عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"
أثارت تحركات عسكرية في الخرطوم مخاوف من اندلاع نزاع مسلح عشية تسليم السلطة للمدنيين (تعبيرية)

مع اقتراب الموعد المفترض لتسليم الجيش السوداني الحكم لسلطة مدنية، بعد تأجيل متكرر وغير مبرر، يسود قلق في الشارع حول مستقبل البلاد، حيث انتشرت صور على المنصات الاجتماعية، توثق انتشار دبابات في الخرطوم، وسط جو من التوتر.

ويتوق السودانيون لإغلاق صفحة الانقسام الداخلي والتناحر، بتسليم الجيش السلطة، للمدنيين، بحلول الثلاثاء المقبل 11 إبريل. 

ويؤرخ 11 إبريل، لتاريخ سقوط نظام الرئيس السابق، عمر البشير الذي جثم على صدور السودانيين لثلاثة عقود، حيث تسلمت سلطة مكونة من عسكريين ومدنيين في 2019 زمام السلطة كمرحلة انتقالية.

لكن، ومنذ نحو 18 شهرا، استولى جنرالات بقيادة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، على السلطة في انقلاب، وهو ما أعاد الاحتجاجات إلى الشوارع، طلبا لسلطة مدنية.

وفي 25 أكتوبر 2021 وفيما كان استحقاق الانتخابات يقترب، أغلق البرهان الباب أمام هذا التحول الديمقراطي على نحو مفاجئ، قبل أن يتراجع تحت تأثير القوى الأجنبية بقيادة الأمم المتحدة والولايات المتحدة، ويوافق على تسليم السلطة للمدنيين بحلول 11 إبريل الذكرى الرابعة للإطاحة بالبشير.

لكن في الأيام الأخيرة، تصاعد القلق عندما انتشرت صور دبابات تعبر النيل على وسائل التواصل الاجتماعي، "والآن، لا أحد متأكد ما إذا كان الجنرالات سيعيدون البلاد إلى سكة  الديمقراطية، أو إلى الاقتتال من أجل البقاء في السلطة" وفق تعبير صحيفة نيويورك تايمز.

قبل نحو عام، كان الخلاف بين البرهان، والفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي" محركا محتملا لصراع عسكري كان سيرهن مستقبل البلاد أكثر، حيث أصدر الرجلان تهديدات مستترة ضد بعضهما البعض، لعدة أشهر وقاما بزيارات إلى البلدان المجاورة، لدعم مواقفهما، بينما عملا على إعادة تمركز قواتهما العسكرية، وفق الصحيفة الأميركية.

ويقول محللون إن دمج قوات الدعم السريع في الجيش، هي نقطة الخلاف الرئيسية بين البرهان ونائبه "حميدتي" الذي يقود هذه القوات شبه العسكرية التي تشكلت في العام 2013 للقضاء على التمرّد في إقليم دارفور غربي البلاد.

ومع اقتراب يوم الثلاثاء، أصبحت العاصمة الخرطوم بؤرة للشائعات والأخبار المتضاربة، حول العلاقات بينهما، والتي وصفها مسؤول أجنبي بأنها "زواج بلا حب".

وبينما ينتشر جنود في جميع أنحاء مدينة الخرطوم، أثارت تقارير عن تحركات في وقت متأخر من الليل مخاوف من أن يتحول هذا التشنج إلى إطلاق نار فعلي.

تقول الصحيفة الأميركية في وصف هذا الوضع "يشعر معظم السكان بأنهم محاصرون".

ثمن باهظ

كلف الانقلاب، السودان، ثمنا باهظا، وحرمه من مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، وبدأ التيار الكهربائي في الانقطاع بشكل متكرر. 

في حديث للصحيفة، قال شقيق حميدتي، عبد الرحيم دقلو، "لقد بنى البرهان جدارا ليحمي نفسه" ثم تابع "إنه لا يهتم لما يحدث خارج الجدار، إنه لا يهتم إذا كانت بقية البلاد تحترق ".

ويرتفع في قلب العاصمة السودانية، جدار خرساني طويل، حول محيط المقر العسكري للبرهان.

والجدار وفق وصف الصحيفة الأميركية، أصبح، مثله مثل الحواجز الأخرى الأكثر شهرة عبر العالم "يرمز إلى الانقسامات والمخاطر التي تحدق بهذا البلد الممزق".

وحميدتي هو نائب قائد قوات الدعم السريع، التي انبثقت عن ميليشيات "الجنجويد" سيئة السمعة، التي أرهبت المنطقة الغربية من دارفور في العقد الأول من القرن الماضي.

وبينما أصبح جليا سعي اللواء حميدتي لقيادة البلاد، يصر هو وإخوانه  على أنهم من أوائل المدافعين عن البلاد وعن الديمقراطية، ويتوقون الآن لإجراء انتخابات وتولي السلطة.

وقال شقيق حميدتي لصحفي نيويورك تاميز "كل ما نفكر فيه هو حماية المدنيين".

حمدان دقلو وصف انقلاب 2021 بأنه "خطأ" ورغم ذلك، يرى سودانيون أن طموحاته السياسية يجب أن تتوقف.

انقسام

انقسام المشهد السياسي في السودان، لا يتلخص في تناحر العسكر فقط، بل هناك مجموعة من القوى الأخرى، زادت من تعقيد الوضع مثل الإسلاميين والشيوعيين، ومن وصفتهم الصحيفة بـ"أباطرة الأعمال وأنصار نظام البشير الذين يتنافسون على تشكيل مستقبل السودان" وكل ذلك إلى جانب القوى الأجنبية التي تحاول التدخل أيضا.

تقول الصحيفة "تقف مصر، إلى جانب البرهان والجيش، بينما لدى الإمارات والسعودية، حلفاء في كلا الجانبين".

إلى ذلك، تضغط الولايات المتحدة ودول أوروبية من أجل تحقيق الديمقراطية ولو جزئيا لصد محاولات الروس، الذين يطمعون في ذهب السودان ويسعون إلى الوصول إلى موانئ البحر الأحمر لرسو سفنهم الحربية.

موسكو تتطلع منذ سنوات لإنشاء قاعدة بحرية لها قرب مدينة بورتسودان (AFP)
موسكو تتطلع منذ سنوات لإنشاء قاعدة بحرية لها قرب مدينة بورتسودان (AFP)

توصلت روسيا والسودان إلى اتفاق بشأن إنشاء قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر، وفقا لما نقلت وكالة "تاس" الروسية عن وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف.

وذكرت الوكالة الروسية أن الشريف قال خلال زيارة لموسكو، الأربعاء، "لقد اتفقنا على كل شيء".

وقالت "بلومبرغ" إن الشريف لم يرد على هاتفه المحمول أو على الرسائل النصية عندما سعت  للحصول على تعليق منه، الخميس.

ولطالما كانت موسكو تطمح للحصول على موطئ قدم على ساحل السودان الذي يمتد على 853 كيلومترا على البحر الأحمر. وتتطلّع موسكو منذ سنوات لإنشاء قاعدة بحرية لها قرب مدينة بورتسودان.

ومن شأن الاتفاق النهائي أن يزيد من المخاوف الغربية بشأن النفوذ المتزايد لروسيا في إفريقيا.

وطُرحت فكرة إنشاء قاعدة بحرية روسية لأول مرة خلال فترة حكم رئيس النظام السوداني السابق عمر البشير، لكن تلك الخطط تأجلت بسبب اندلاع الحرب الأهلية في السودان قبل عامين.

والعام الماضي، قال الجيش السوداني إن روسيا وافقت على تزويد الخرطوم بالأسلحة مقابل إنشاء محطة تموين عسكرية على ساحل السودان.

وذكرت بلومبرغ في ديسمبر أن روسيا باعت الجيش السوداني ملايين البراميل من الوقود، وآلاف الأسلحة ومكونات الطائرات، بينما أرسلت إيران شحنات من الأسلحة وعشرات الطائرات المسيرة، مما سمح للجيش باستعادة أجزاء من العاصمة الخرطوم ومساحات واسعة من الأراضي في جميع أنحاء البلاد من قوات الدعم السريع.

ويأتي الاتفاق المعلن في وقت تسعى فيه موسكو للحفاظ على سيطرتها على قاعدتين حيويتين في طرطوس ومطار حميميم في سوريا بعد سقوط حليفها الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر. 

وتتفاوض الحكومة الروسية مع رئيس الفترة الانتقالية  أحمد الشرع للحفاظ على السيطرة على المنشآت، التي تعد حاسمة في تعزيز النفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا.