تشهد السودان "حالة حرب داخلية" بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بينما يتحدث خبراء لموقع "الحرة" عن صراع على السلطة وسط مخاوف من "سيناريو الفوضى الشاملة".
تصعيد متواصل
احتدمت المعارك في العاصمة السودانية حتى وقت مبكر الأحد بعد يوم من المواجهات العنيفة بين قوات الجيش التي يقودها، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية الموالية لحليفه السابق، محمد حمدان دقلو الشهير بـ" حميدتي"، في تحول مفاجئ للصراع بينهما إلى نزاع مسلح.
ومنذ ساعات الصباح الأولى السبت، اندلعت الاشتباكات بين الجانبين في الخرطوم قبل أن تمتد إلى عدة مدن سودانية، ما تسبب في مقتل 56 مدنيا وإصابة 595 آخرون، وفقا لما ذكرته لجنة أطباء السودان المركزية، الأحد.
لماذا تحولت التهدئة إلى صراع؟
كان البرهان وحميدتي يشكلان جبهة واحدة عندما نفذا الانقلاب على الحكومة في 25 أكتوبر 2021، لكن الصراع بينهما ظهر إلى العلن خلال الشهور الأخيرة وأخذ في التصاعد.
والخميس، حذر الجيش السوداني من مواجهة محتملة بين قواته وقوات الدعم السريع بعد نشر وحدات تابعة لها، في إشارة علنية إلى خلافات طويلة الأمد تعرقل جهود عودة الحكم المدني.
وتصاعد التوتر بعد نقل بعض قوات الدعم السريع بالقرب من مطار عسكري بمدينة مروي في شمال البلاد في خطوة قال الجيش إنها اتُخذت دون موافقته.
وبدأت قوات الدعم السريع، التي أطاحت مع الجيش بالرئيس السابق، عمر البشير، في 2019، إعادة نشر وحداتها في العاصمة الخرطوم وأماكن أخرى.
وقال وسطاء الجمعة وفي ساعة مبكرة السبت، إن البرهان وحميدتي مستعدان لاتخاذ خطوات للحيلولة دون تصاعد الموقف، حسب "رويترز".
ويرى الكاتب والمحلل السياسي السوداني، وائل علي، أن الإعلان عن جهود للتهدئة بين الجانبين كانت بمثابة "حرب تضليل" سبقت استعداد الجانبين للمعارك التي وقعت السبت.
ويوضح لموقع "الحرة"، أن الجيش وقوات الدعم كان ينشر قواته على الأرض بينما كانت الأحاديث عن تهدئة وعدم تصعيد بلا أسانيد.
وكان الطرفان يعلنان عن "الاستعداد للتهدئة" بينما يتم نشر القوات في أنحاء السودان، وخاصة الدعم السريع، وفقا لحديثه.
من جانبه يتحدث الكاتب والمحلل السياسي السوداني، محمد الياس، عن "صراع سلطة ونفوذ بين الجيش والدعم السريع، الخاسر فيه هو الشعب".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى "انقلاب داخل الجيش السوداني بهدف تغيير القيادة الحالية والسيطرة على مقاليد السلطة".
والدعم السريع كان يبحث عن التهدئة قبل أن يتم مهاجمته في جنوب الخرطوم، بينما كان الجيش يبحث عن "حسم المعركة" منذ أيام، وفقا لحديثه.
هل يتوقف التصعيد؟
يمثل الجيش قوة مهيمنة في السودان منذ استقلاله عام 1956 إذ خاض حروبا داخلية وقام بانقلابات متكررة ولديه حيازات اقتصادية ضخمة.
ويحتل الجيش السوداني المرتبة 75 بين أقوى الجيوش في العالم، وفقا لتصنيف موقع "غلوبال فاير باور" لعام 2023.
ويصل عدد أفراد الجيش السوداني إلى 100 ألف جندي فاعل، إضافة الى 50 ألف جندي في قوات الاحتياط.
وعلى مستوى التسليح، يمتلك الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة، بينها 45 مقاتلة، 37 طائرة هجومية، و25 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 12 طائرة تدريب، و72 مروحية عسكرية منها 43 مروحية هجومية.
كذلك لدى الجيش السوداني 170 دبابة ونحو سبعة آلاف مركبة عسكرية مدرعة و289 مدفع مقطور و20 مدفع ذاتي الحركة و40 راجمة صواريخ وأسطولا بحريا مكونا من 18 وحدة.
على جانب آخر، تشكلت قوات الدعم السريع في 2013 وانبثقت عن ميليشيا "الجنجويد" التي اعتمد عليها البشير، في قمع التمرد في اقليم دارفور.
وتحولت قوات الدعم السريع من ميليشيات قاتلت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى منظمة شبه عسكرية معقدة لديها أموال كثيرة وتعمل تحت تسلسل قيادة خاص بها.
ويقدر محللون عدد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد لهم قواعد وينتشرون في أنحاء البلاد.
وتتحدث تقارير عن امتلاك قوات الدعم السريع لنحو 10 آلاف سيارة رباعية الدفع مصفحة مزودة بأسلحة رشاشة خفيفة ومتوسطة.
وكان حميدتي أعلن في يونيو الماضي امتلاك قواته وحدة مدرعات خفيفة من طراز "BTR".
ويوضح الياس أن كلا من الجيش وقوات الدعم مدرب ويمتلك أسلحة ويبحث عن السيطرة على السلطة، دون اكتراث أي منهما بسقوط ضحايا من المدنيين وخطورة الوضع الأمني.
ويرى أن هناك "أيادٍ خارجية" تزكي الصراع بين الجانبين، ما يفاقم من تأزم الأوضاع، ويقول "الطرفان يمتلكان الرجال والأسلحة والمال ليس في الخرطوم وحدها لكن في جميع أنحاء السودان".
ويتفق معه علي الذي يؤكد أن الاشتباكات بين الجانبين سوف تستمر حتى يحسم احدهما المعركة عسكريا على الأرض.
ويمكن الحديث عن وقف إطلاق النار بعد تحقيق كل طرف "أكبر قدر من المكاسب"، وفقا لرأي علي.
من يستطيع وقف التصعيد؟
"لا يوجد أي طرف سوداني يستطيع التدخل لفرض التهدئة بين الجانبين"، وفق الياس، لكنه يرى أن الأمم المتحدة وحدها القادرة على ذلك لـ"حماية المدنيين".
ويتفق معه علي الذي يقول إن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحدهما قادران على التدخل في الصراع بين الجانبين.
لكنه يوضح أن اجتماع مجلس الأمن واتخاذ قرارا بشأن ذلك سيأخذ بعض الوقت، ما قد يفاقم الأزمة التي يشهدها الشارع السودان.
حرب طويلة الأمد؟
يرى علي أن الصراع قد يكون طويل الأمد في بعض المناطق بينما يستطيع الجيش السوداني حسمه سريعا في مناطق أخرى.
وفي العاصمة الخرطوم قد يتم حسم المعارك خلال أيام قليلة، لكن في دارفور فإن الصراع العميق ويمكن أن يستمر لوقت طويل في ظل تمركزات عسكرية كبيرة للجانبين.
من جانبه يشدد الياس على أن الوضع بات خارج عن السيطرة تماما ولا يمكن التنبؤ بالرابح والخاسر في هذا الصراع الذي يقود البلاد إلى "فوضى شاملة".
ومن شأن حدوث مواجهة طويلة الأمد بين الجانبين أن تؤدي إلى انزلاق السودان إلى صراع واسع النطاق في وقت يعاني فيه بالفعل من انهيار الاقتصاد واشتعال العنف القبلي ويمكن أيضا أن تعرقل الجهود المبذولة للمضي نحو إجراء انتخابات.
ويُعد السودان من أفقر دول العالم ويواجه ثلث سكانه البالغ عددهم حوالى 45 مليون نسمة أزمة جوع متصاعدة، وتفيد الأمم المتحدة، أن قرابة ثلاثة ملايين طفل في السودان دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد.