دخان في سماء العاصمة الخرطوم في ظل اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع
دخان في سماء العاصمة الخرطوم في ظل اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع

طوال الشهور الأخيرة، خاض الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، والقوى السياسية المدنية، مناقشات عدة، أدت إلى التوصل إلى "اتفاق إطاري" يفترض أن تبدأ به البلاد مرحلة انتقالية جديدة بقيادة مدنية. 

ثم تأجل مرتين، مطلع الشهر الحالي، التوقيع على الاتفاق النهائي بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد، بسبب خلافات بين قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي).

واليوم تثور تساؤلات عدة بشأن موقف القوى المدنية من الاشتباكات المسلحة بين أكبر قوتين عسكريتين في السودان، التي لم يسلم منها المدنيون بعدما سقط منهم قتلى خلال يومين. 

عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، القيادي في قوى الحرية والتغيير، فؤاد عثمان اعتبر أن: "الاتفاق الإطاري كان يسير في الإطار الصحيح لحل كل المشكلات، ومن بينها تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، والعدالة الانتقالية، وتقييم اتفاق سلام جوبا مع كل أصحاب المصلحة، وقضية إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية". 

وأضاف في حديثه مع موقع "الحرة": "بينما كنا نحل تلك القضايا للتوصل إلى توقيع الاتفاق النهائي كان فلول النظام البائد وأنصار البشير يقرعون طبول الحرب ويعملون بكل جهدهم لقطع الطريق على الوصول لاتفاق نهائي وكانوا يجرون البلاد إلى الحرب لمواجهة شاملة بين الجيش وقوات الدعم السريع". 

وأقر بأنه كانت هناك عقبات بالفعل بين طرفي الصراع الحالي، تتعلق بنقطتين في ملف دمج الدعم السريع في الجيش. 

وقال: "نحن في القوى المدنية نرى أنه حتى يكون لدينا جيش مهني، يجب علينا أن ننهي ظاهرة تعدد الجيوش، ويتم دمج الدعم السريع في القوات المسلحة". 

وأوضح أنه "كان هناك خلاف في المدة الزمنية التي يجب دمج فيها الدعم السريع في الجيش، حيث كان البرهان يرى أنه يجب أن يحدث الدمج خلال الفترة الانتقالية أي خلال سنتين، أما حميدتي فكان يرى أنه يجب ان تكون عشر سنوات، وكان هناك حوار عميق بين المؤسستين لحل الخلاف". 

وأضاف: "برزت مشكلة تخص القيادة والسيطرة للقوات النظامية، إذ كان الجيش يطالب أن تكون قوات الدعم السريع تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة وليس القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس مجلس السيادة في المرحلة الانتقالية، الذي كان من المفترض أن يكون مدنيا". 

وتابع: "كدنا أن نصل لحلول بخصوص هذه المسائل، واقترحنا تأجيلها إلى ما بعد تشكيل حكومة مدنية، لكن انطلاق الرصاص، وهو أمر مؤسف، حال بين توقيع الاتفاق النهائي، وهو ما يحتم علينا أن نعمل بكل جهد لوقف إطلاق النار فورا ووقف التصعيد". 

عناصر تابعة للجيش السوداني في بورت سودان- الصورة بتاريخ 16 أبريل 2023

أما القيادي بقوى الحرية والتغيير، نور الدين بابكر فيرى أن "سيناريو الحرب هو الأسوأ للسودان في ظل تعقد الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وليس هناك من حل سوى وقف إطلاق النار ،والعودة مرة أخرة لطاولة التفاوض والحوار". 

وكشف في حديثه مع موقع "الحرة"، أن "قوى الحرية والتغيير تعمل حاليا مع قوى الاتفاق الإطاري في مبادرة تتواصل بشأنها مع طرفي الصراع والأطراف الدولية والإقليمية، للتدخل من أجل الضغط لوقف إطلاق النار والمضي قدما في عملية سياسية تنزع فتيل الأزمة وتعيد الحوار". 

ويقول عثمان، إنه "منذ تفجر الصراع، السبت، ما بين الجيش وقوات الدعم السريع، قمنا في حزب المؤتمر السوداني مع القوى المدنية وقوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، بمناشدة طرفي الصراع بالوقف الفوري لإطلاق النار وتحكيم وإعلاء صوت العقل والحكمة لتجنيب البلاد مزالق الانهيار والتشقق، لأنه إذا اندلعت الحرب فستحدث مشاكل اجتماعية واقتصادية وإنسانية وانقسامات كبيرة، والأفضل أن أي مشكلة تحل عبر طاولة الحوار والنقاش". 

وأضاف أن "المبادرة تشمل شقا سياسيا وآخر إنسانيا، بحيث يسيران في مسارين متوازيين". 

وأوضح أن "الشق الإنساني يشمل فتح ممرات آمنة خاصة للعمليات الطبية الطارئة والعالقين بالقرب من مواقع الاشتباكات الذين لم يصلوا إلى بيوتهم منذ بدء الصراع". 

وأضاف : "من الواضح أنه ليس هناك استجابة للشق السياسي حتى الآن، لكن بدأت بوادر استجابة للشق الإنساني، من خلال إعلان الجيش السوداني (وقوات الدعم السريع" قبوله بمقترح أممي بفتح ممرات آمنة للمدنيين لمدة ثلاث ساعات يوميا، ونحن ندفع حاليا لأن تطول إلى ست ساعات لإجلاء الجرحى والمصابين إذا لم نتمكن من وقف هذا الصراع اليوم أو غدا". 

ويرى بابكر أن أن الموقف شهد مؤخرا "تصعيدا شديدا من الطرفين وأصبحت هناك عقبات كبيرة أمام التهدئة، لكن نرى استجابة من الرباعية الدولية من خلال دعوتهم للحوار، فضلا عن أنه سيكون هناك ضغط داخلي من الشعب الرافض للحرب". 

الاشتباكات بين أكبر قوتين عسكريتين في السودان بالقرب من مساكن المدنيين في العاصمة الخرطوم

يشير عثمان إلى أن "القوى السياسية المدنية على تواصل مع الفاعلين الدوليين والإقليميين في الوساطة الرباعية والآلية الثلاثية وبعض الفاعلين الإقليميين والدوليين لحث الطرفين على تجنب الصراع المسلح وإيقاف صوت الرصاص، لأن الحرب مكلفة على مستوى الوطن والمواطنين، حيث أن أفراد الدعم السريع والجيش مواطنون سودانيون في النهاية، كما أكدنا أن عدم استقرار السودان سيؤي إلى زعزعة واضطراب الإقليم ككل". 

ويؤكد بابكر أن "سيناريو حسم المعركة لأي من الطرفين أمر مستبعد، وحتى لو حدث ذلك في العاصمة الخرطوم، ستنتقل المعركة إلى أقاليم السودان المختلفة، ولذا فإن خيار الحرب تكلفته مرتفعة جدا على المدنيين والعسكريين، ونتمنى أن يحكموا صوت العقل".  

الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم السريع - رويترز
الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم السريع - رويترز

قالت مصادر تابعة للجيش السوداني، الثلاثاء، إن وحدات من القوات "بدأت هجوما على منطقة جبل أولياء" شمالي الخرطوم، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب.

وأضافت في تصريحات لـ"الحرة"، أن المعارك التي تدور الآن "ستقطع الطريق الوحيد الذي تبقى لقوات الدعم السريع للاستفادة منه للانسحاب من العاصمة".

وأكد مصدر عسكري على أن الجيش "دمر نحو 26 سيارة تابعة للدعم السريع، وقتل العشرات من عناصرها".

وأكدت قيادات في حكومة ولاية الخرطوم، رصدها لحركة انسحابات واسعه لقوات الدعم السريع من أحياء شرق ووسط مدينة الخرطوم، حيث توالى خروج العناصر من أحياء الرياض المنشية واركويت وناصر والمعمورة.

وفي سياق متصل، اتهمت قوات الدعم السريع في بيان، الثلاثاء، الجيش السوداني بارتكاب "مجزرة" باستخدام الطيران الحربي، بعد قصف سوق منطقة طرا بولاية شمال دارفور.

وجاء في بيان أن الهجوم تسبب في "مقتل وجرح المئات، بينهم نساء وأطفال".

واستعاد الجيش السوداني خلال الأيام الماضية مناطق استراتيجية في الخرطوم، كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، من بينها القصر الجمهوري وسفارات ومقار حكومية وجامعات.

يُذكر أن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اندلعت في أبريل 2023. ورغم توقيع التوصل لاتفاقيات لوقف إطلاق النار، فإن القتال استمر، مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح الملايين.​

الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، ألحقت أضرارا جسيمة بالبنية التحتية وأجبرت أكثر من 12 مليون شخص على النزوح سواء داخل البلاد أو خارجها.

وقُتل عشرات الآلاف على الرغم من أن تقديرات القتلى غير مؤكدة. وفر مئات الألوف إلى مصر وتشاد وجنوب السودان، وعبرت أعداد أقل إلى إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.