اشتباكات مستمرة منذ السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية
اشتباكات مستمرة منذ السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية

"كلنا هنا لم ننم منذ أمس بسبب الاشتباكات"، يقول أحمد البدوي الذي يسكن في منطقة الثورة في أم درمان، حيث يقع معسكر تابع لقوات الدعم السريع. 

وأكد البدوي لموقع "الحرة" أن الجيش قصف المعسكر الكائن في محلية كرري، جوا ثم هاجمه بقوات مشاة، واستمرت الاشتباكات حتى الثالثة صباحا. 

وأضاف أن بعض المدنيين في منطقته أصيبوا، رغم أنهم كانوا في بيوتهم بسبب، شظايا الضربات الجوية، فضلا عن مقتل عدد من طرفي الصراع في الاشتباكات". 

وتستمر الاشتباكات لليوم الثاني، في صراع بين القائدين العسكريين اللذين يقودان السودان منذ 2021.

وتحول التوتر بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، إلى أعمال عنف منذ السبت، بعدما كانت الخلافات السياسية بينهما تتصاعد في الأسابيع الأخيرة. 

ورغم أن المعسكر أصبح خاليا وهدأت الاشتباكات بحسب البدوي، فإن المتاجر لا تزال مغلقة منذ أمس. وقال عن السكان أنهم لا يعلمون كيف سيعيشون إذا استمرت هذه الاشتباكات، خاصة مع قدوم العيد، لكنه أشار إلى أن صيدليات معدودة فتحت أبوابها. 

وشارك البدوي في إيصال بعض المصابين إلى المستشفى "لكني لاحظت أن هناك ندرة في الكوادر الطبية". 

وبالفعل، لم يتمكن استشاري الجراحة، علاء عوض، من الخروج من بيته منذ اندلاع الاشتباكات السبت، لأنه يسكن في أم درمان بالقرب من منطقة وادي سيدنا العسكرية، "القصف كثيف والاشتباكات عنيفة هنا"، مضيفا أن مثله كثير من الكوادر الطبية التي لا تستطيع الوصول إلى أماكن عملها. 

وقال عوض لموقع "الحرة" إن يسكن في منطقة عسكرية فيها معسكر للدعم السريع وموقع عسكري كبير تابعة للجيش فيه نقطة عسكرية ومدرسة تدريب مشاة وسلاح إشارة وأشياء أخرى". 

وأضاف أن" الوضع سيئ للغاية وحالات المصابين كثيرة، وللأسف سيارات الإسعاف لا تستطيع الوصول إلى الجرحى بسبب الاشتباكات"، مشيرا إلى أن "مستشفيات، مثل "إبراهيم مالك" انقطت عنها الكهرباء والمياه، وحتى المستهلكات الطبية قربت على النفاد". 

وأشار إلى أن بعض الناس في منطقته ماتوا وهو في بيوتهم بسبب إصابتهم برصاصات طائشة. 

وأضاف "في وسط الاشتباكات أمس، الناس في منطقتي أحضروا لي في البيت مصابا لإسعافه، ولم يكن لدي أي شيء لمساعدته للأسف إلا بعض الإسعافات الأولية التي تساعد على وقف النزيف لكنه كان يحتاج إلى الذهاب إلى المستشفى". 

وأكد أنه بسبب عدم وصول الجرحى إلى المستشفيات فلا يوجد هناك إحصاء للقتلى أو المصابين، ولا يتم تحديث الأعداد، مشيرا إلى أن عدد القتلى المدنيين المسجل هو 65 لكنه قد يكون أكبر من ذلك. 

ونعت نقابة أطباء السودان المركزية، الأحد، على صفحتها في فيسبوك، الطبيبة نجوى خالد حمد استشاري العيون، "وذلك على خلفية إصابتها بطلق ناري مما أدى إلى رحيلها في الحال لتلحق برفيقتها  الدكتورة آلاء التي استشهدت بالأمس". 

وكانت النقابة، المنظمة المستقلة والمؤيدة للديمقراطية، أفادت في وقت سابق الأحد، أن اليوم الأول من الاشتباكات، السبت، أسفر عن مقتل 56 مدنيا. 

وعن الهدنة التي تم الإعلان عنها، قال عوض: "يبدو أنها لم تصمد، حيث سمعنا أصوات إطلاق نار في منطقتنا بعد إعلانها"، مشيرا إلى أن الأمور تهدأ لبعض الوقت "ثم نعود فنسمع أصوات الرصاص من جديد". 

وأفاد مراسلو الحرة، وراديو سوا، ووكالات، بتجدد الاشتباكات في السودان، على الرغم من اتفاق الجيش و"قوات الدعم السريع" على فتح مسارات آمنة للحالات الإنسانية العاجلة لمدة ثلاث ساعات كل يوم بدءا من الساعة الرابعة عصرا بالتوقيت المحلي.

وقال مراسل راديو سوا إن اشتباكات وقعت وسط العاصمة، الخرطوم، وأشار مراسل "الحرة" إلى أن اشتباكات اندلعت بالقرب من مقر قيادة القوات المسلحة في الخرطوم.

وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد في عدد من مناطق الخرطوم مع استمرار المعارك، وفق مراسل "الحرة".

وأشار عوض إلى أن بعض السكان في منطقته، غامروا بأنفسهم وهربوا من المنطقة في الصباح عندما هدأت الاشتباكات. 

ويعتقد البدوي أن هذه الاشتباكات ستستمر لأكثر من أسبوع "لأن قوات الدعم السريع موجودة بأعداد كبيرة جدا في الخرطوم". 

وبينما كان دوي القصف يُسمع في شوارع الخرطوم المهجورة، التي انتشرت فيها رائحة البارود القوية، الأحد، لا يتوقّف الأطباء عن طلب المساعدة والممرّات الآمنة لسيارات الإسعاف ووقف إطلاق النار لعلاج المصابين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

وتحدث شهود عيان عن معارك بالأسلحة الثقيلة بين الجيش والقوات شبه العسكرية في الضواحي الشمالية للعاصمة، وكذلك في جنوب الخرطوم.

ويجول رجال يرتدون الزي العسكري ويحملون أسلحة شوارع العاصمة الخالية من المدنيين، فيما تتصاعد أعمدة الدخان منذ السبت من وسط المدينة، حيث توجد المؤسسات الرئيسية التابعة للسلطة.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".