تسبب الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في "حالة شلل" بالبلاد، وتعطل حياة المواطنين وإغلاق المتاجر والمحلات والبنوك، وتوقف خدمات الإنترنت لبعض الوقت، وسط مخاوف من انزلاق البلاد إلى أزمة إنسانية تفاقم معاناة السودانيين، حسب ما ذكره عدد من الناشطين والصحفيين لموقع "الحرة".
وأسفرت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان عن مقتل 56 مدنيا على الأقل وعشرات العسكريين، وجرح نحو 600 شخص آخرين، كما ذكرت لجنة أطباء السودان المركزية، الأحد.
وأوضحت أن هذه الحصيلة تتضمن "إجمالي عدد القتلى والمصابين الذين تم حصرهم من المستشفيات والمرافق الصحية"، مشيرة إلى "إصابات ووفيات بين المدنيين لم تتمكن من الوصول إلى المستشفيات والمرافق الصحية بسبب صعوبة الحركة".
والأحد، قال مسؤولان من شركة اتصالات (إم.تي.إن) في السودان إن الشركة أوقفت خدمات الإنترنت في البلاد بناء على توجيهات من هيئة الاتصالات الحكومية، وفقا لـ"رويترز".
قبل عن أن يعلن مسؤول إن السلطات أبلغت الشركة بأن تعيد خدمات الإنترنت وأنها نفذت ذلك
شوارع خاوية ومواطنون خائفون
في حديثه لموقع "الحرة"، ينقل الكاتب والصحفي السوداني، حمور زيادة، أجواء شوارع العاصمة الخرطوم، التي أصبحت خاوية من المواطنين الذين فضلوا "الابتعاد الكامل" عن مسارح العمليات العسكرية.
لكن الفضول دفع بعض المدنيين أن يكونوا شهودا على الاشتباكات مما أدى لسقوط ضحايا، نتيجة عدم اتخاذ تدابير وقائية كافية، حسب زيادة.
ويوضح أن المواطنين كانوا يتوقعون نشوب صراع بين الجيش والدعم السريع منذ أسابيع، لكن "لحظة الصفر" كانت مفاجئة للجميع، وتزامنت مع استعدادات الأسر لشراء مستلزمات عيد الفطر، ما تسبب في حالة ارتباك بالشارع.
وجاءت الأحداث لتغير العرف بين الناس ودفعتهم لـ"الاختباء والاحتماء" بمنازلهم، و"ينزح بعضهم مغادرين أحيائهم السكنية هربا من شدة الاشتباكات".
ويسرد مدير وكالة ون برس الإخبارية، عوض الله نواي، تفاصيل إضافية عن تلك المعاناة، ويقول "توقف الحياة بشكل كامل في الشارع السوداني".
وفيما يتعلق بالمواد التموينية والغذائية المستخدمة في المنازل خلال فترة الإفطار فهي "غير موجودة" وجميع المحلات والمخابز والأسواق مغلقة والناس تعيش "وضع سيء جدا"، حسب حديثه لموقع "الحرة".
ويشير إلى أن "الناس لم يتحوطوا بشراء مستلزمات تكفيهم حتى الخروج من الأزمة".
ويصف رئيس تحرير صحيفة الجريدة، أشرف عبدالعزيز، شوارع الخرطوم بـ"الخاوية"، ويقول إن غالبية المواطنين يحتمون بمنازلهم وأنفاسهم محبوسة ويترقبون بين لحظة وأخرى سقوط المزيد من الضحايا.
ويوضح لموقع "الحرة"، أن عددا من المواطنين حاولوا الخروج السبت لصلاة التراويح لكن عنف وشدة المعارك منعتهم عن ذلك، ما دفعهم للعودة مرة إلى منازلهم.
ويقول "الحركة التجارية والبنوك جميعها متعطلة ومتوقفة تماما"، وبدأت الكهرباء والمياه في الانقطاع بشكل مستمر مما زاد من تخوفات المواطنين السودانيين الذين "يدفعون فاتورة التصعيد"، وفق عبدالعزيز.
أزمة إنسانية؟
السودان ثالث أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة، ويُعد من أفقر دول العالم ويواجه ثلث سكانه البالغ عددهم حوالي 45 مليون نسمة أزمة جوع متصاعدة، ويعيش نحو 65 بالمئة من السودانيين تحت خط الفقر، وفق تقرير للأمم المتحدة صدر العام 2020.
وفي 12 سبتمبر، أعلنت الأمم المتحدة ومنظمة "أنقذوا الأطفال"(Save the Children) أن نحو سبعة ملايين طفل سوداني محروم من التعليم وأن نحو 12 مليون طفل يواجه خطر الانقطاع عن التعليم.
ويلامس التضخم شهريا نسبة 200 بالمئة وقيمة العملة تتراجع وسعر الخبز ازداد عشرة أضعاف منذ استولى الجيش على السلطة في أكتوبر 2021.
ويقول عبدالعزيز "الحياة مشلولة تماما، ونحن على أعتاب أزمة إنسانية".
وحسب زيادة فلم يحدث في التاريخ السياسي السوداني أن استمرت اشتباكات في الخرطوم لفترة طويلة وبقوة كما هو مرجح أن يحدث في الوضع الحالي.
وما يحدث حاليا هو "تجربة جديدة" على سكان الخرطوم وأكثر ما يخيف الناس اليوم هو أمنهم وسلامتهم، وفقا لحديثه.
ويشير زيادة إلى أن حالة الفقر المنتشرة في السودان والظروف الاقتصادية الصعبة "لا تمكن المواطنين من تخزين منتجات غذائية وسلع أساسية"، ما يعرض الأسر لخطر الجوع.
ويقول "طول أمد الحرب سيجعل الفقراء يزدادوا فقرا والجوعى يزدادوا جوعا".
ويتفق نواي مع الطرح السابق، ويقول "متى ما كانت الحرب مستمرة ومواعيد نهايتها غير معلن فهذا يشكل خطرا كبيرا على المواطنين".