منذ اكتشاف النفط في السودان في سبعينيات القرن الماضي، كانت البلاد دائما مسرحا لشكل من أشكال الصراع، حيث أدى تنافس الأطراف المختلفة سياسيا ودينيا وعرقيا إلى اضطرابات مستمرة، مع فترات هدوء نسبي.
لكن المعارك التي تشهدها السودان هذه الأيام مختلفة، حيث إنها المرة الأولى التي يجري فيها القتال في عاصمة البلاد، الخرطوم، بين طرفين ينتميان نظريا إلى الحكومة ذاتها.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن المعارك كانت عادة تجري على أطراف البلاد، بدلا من العاصمة.
وبالإضافة إلى الاختلاف الجغرافي عن الصراعات الأخرى، فإن أطراف الصراع هذه المرة مختلفة أيضا.
الصراع الحالي
وفي الوقت الحالي، تتنافس مجموعتان للسيطرة على البلاد هما الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية قوية بقيادة الفريق محمد دقلو (حميدتي).
اتحد الجنرالان للسيطرة على البلاد في انقلاب عام 2021، لكنهم يقاتلون الآن بعضهم البعض.
وانتشر العنف إلى أجزاء جديدة من البلاد، وفقا لتقرير صحيفة نيويورك تايمز.
وتقول الصحيفة إن أحد محاور القتال يوم الأحد كان بالقرب من الجسور عبر نهر النيل الذي يقسم العاصمة.
واندلعت معركة كبيرة صباح السبت بالقرب من سجن كوبر، على الجانب الشمالي من المدينة، حيث يحتجز الدكتاتور السابق عمر حسن البشير.
وتقول الصحيفة إن هناك أنباء عن مقتل عشرات، كما أن الاشتباكات امتدت إلى مدن نيالا في جنوب دارفور والفاشر في شمال دارفور وزالنجي في وسط دارفور، مما أجبر كثيرا من الناس على الفرار من مخيمات النازحين ومنازلهم في تلك البلدات.
ويهدد اتساع الصراع بانزلاق البلاد في حرب أهلية واسعة، لن تكون الحرب الأولى من نوعها التي تندلع في السودان.
الحرب الأهلية في جنوب السودان
أودى الصراع المميت بين المقاتلين الانفصاليين في الجنوب والحكومة في الخرطوم في الشمال السوداني بحياة أكثر من مليوني شخص.
وتفاوض الجانبان في نهاية المطاف على اتفاق سلام قسم البلاد في عام 2011 بعد أن صوت الجنوبيون في استفتاء على أن يصبح جنوب السودان دولة جديدة.
وبعد الاستقلال، تقول دراسة منشورة على موقع معهد كارنيغي إن الصراع لم يتوقف، سواء داخل جنوب السودان بين الجماعات المتصارعة على النفوذ في البلد الجديد، أو بين الجيش السوداني وقوى تحاول الانضمام إلى دولة جنوب السودان.
وتقول نيويورك تايمز إن الاقتتال الداخلي في جنوب السودان اشتعل في عام 2013 وأدى في النهاية إلى نزاع عنيف بين أكبر مجموعتين عرقيتين.
الإبادة الجماعية في دارفور
أسفر العنف ذو الدوافع العرقية في دارفور عن مقتل ما يصل إلى 300 ألف شخص منذ عام 2003، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، حيث تدمر الميليشيات العربية وترهب القرى التي تسكنها بشكل رئيسي المجتمعات الأفريقية.
وتقول الصحيفة إن القتل بدأ بعد أن اتهم متمردو الأقليات العرقية الرئيس عمر حسن البشير بالقمع، ولم ينته بعد اسقاطه في انتفاضة شعبية عام 2019.
وارتفعت الهجمات ضد الأقليات العرقية في المنطقة مرة أخرى العام الماضي، ويرتبط ذلك جزئيا بالاضطرابات في الحكومة المركزية، كما تقول الصحيفة.
ومع أن الصراع مختلف عن الصراع الحالي، إلا أن أحد الشخصيات الرئيسية في المعارك التي تدور حاليا، الفريق محمد دقلو (حميدتي) كان القائد السابق لميليشيا الجنجويد المخيفة التي نفذت بعضا من أسوأ الفظائع ضد المدنيين في دارفور.
ويشغل دقلو الآن منصب رئيس قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي تقاتل الجيش السوداني.
النزاع على الأراضي مع إثيوبيا
لأكثر من قرن، كان السودان وإثيوبيا على خلاف حول منطقة الفشقة الحدودية الخصبة، حيث يتقاسم المزارعون من كلا البلدين الأراضي.
واشتد النزاع في أواخر عام 2020 بعد أن دفع القتال في منطقة تيغراي في إثيوبيا الجنود الإثيوبيين في الفشقة إلى المغادرة، ثم تحركت القوات السودانية للاستيلاء على أجزاء من الأراضي المتنازع عليها، وطردت المزارعين الإثيوبيين.
وجرى تبادل للقصف في أنحاء المنطقة المتنازع عليها، مع سقوط بعض القتلى، وقد هدأ القتال منذ ذلك الحين، لكن النزاع الأساسي لا يزال دون حل.
صراع جبال النوبة
اندلعت اشتباكات بين القوات الحكومية ومقاتلي النوبة المتمردين في ولاية جنوب كردفان السودانية في أعقاب انفصال جنوب السودان، حيث دعم مقاتلو النوبة جنوب السودان.
وفر العديد من المدنيين من النوبة من قراهم ولجأوا إلى الكهوف الجبلية، وأبلغت منظمات الإغاثة عن نقص الغذاء ووفيات المدنيين جراء الغارات الجوية الحكومية وتشريد آلاف الأشخاص.
وتم الإعلان عن وقف إطلاق النار في عام 2016، لكن سكان النوبة في المنطقة أبلغوا منذ ذلك الحين عن استهدافهم من قبل الجماعات شبه العسكرية الموالية للحكومة في الخرطوم.
وتقول دراسة كارنيغي إن فشل الجهود المبذولة حتى الآن لإحلال السلام في السودان الكبير، وخاصة مشروع اتفاق السلام الشامل، لا يبشر بالخير بالنسبة لفرص تجنب عقود جديدة من الصراع واستمرار الفقر.
وتحذر الدراسة من أن "الصراعات بسبب فقدان مصداقية الحكومة والجيش والمعارضة على حد سواء" ستستمر في تدمير فرص السودان بالتطور.