Sudanese greet army soldiers, loyal to army chief Abdel Fattah al-Burhan, in the Red Sea city of Port Sudan on April 16, 2023. …
الاشتباكات في السودان بين قوات الجيش والدعم السريع (تعبيرية)

قبل أن يتردد صدى طلقات بعيدة أول الأمر سرعان ما اقتربت، وقبل أن يدوّي صوت المدفعية أقرب فأقرب، وقبل أن ترتج حيطان المبنى ويتطاير زجاج نوافذه على رؤوس من فيه، ويهرع المرضى على الأقدام محاولين النجاة بأنفسهم، بدا السبت يوما عاديا جدا في مستشفى "سلمى" لعلاج الكلى في الخرطوم. ولم يتوقع أحد أن يتحول المركز الطبي الهادئ إلى ساحة حرب، تحاصرها الدبابات والمدافع، وتحوم في سمائها الطائرات والقذائف.

توفي مريض وأصيب مرضى آخرون، بينهم طفل، في الاشتباكات حول المستشفى وداخله.

مشاهد رعب لم يكن يتخيل الصحفي السوداني، ضياء السيد، أن يشهدها في المستشفى الذي ذهب إليه، السبت، لإجراء كشف طبي دوري، دأب  على إجرائه منذ عملية زراعة كلى خضع لها في المستشفى ذاته، في فبراير.

ومن داخل مستشفى "سلمى" أيضا، يقول الطبيب محمد عبدالله لموقع "الحرة" إن القوات المتحاربة حاصرت المركز الطبي، وحاول  الاطباء ومساعدوهم إبعاد المرضى سريعا عن النوافذ لحمياتهم من الزجاج المتطاير، لكن القصف كان كثيفا.

وتحدث عبدالله عن مأساة الذين أجروا عمليات خطيرة قبل يومين أو ثلاثة أيام فقط. هؤلاء لم يتمكنوا من الحركة سواء للهرب أو حتى للاحتماء من القذائف. وكان بعضها يتساقط على بعد مترين أو ثلاثة من غرف العناية المركزة.

خلال حديثنا، كان لا يزال الصحفي عالقا في المستشفى، مع الكادر الطبي وآخرين. ومنذ حوالي 30 ساعة لم يتمكن من العودة إلى منزله، كما يروي لموقع "الحرة"، بسبب الاشتباكات التي لا تزال مستمرة.

في الساعة الثامنة والنصف من صباح السبت، وصل السيد إلى المستشفى. لا بوادر تبعث على القلق في محيط المبنى، رغم أنه يبعد حوالي 400 متر عن مركز القيادة العامة للجيش السوداني، والتي يدور حولها القتال، وحوالي 100 متر عن مركز قيادة الدعم السريع.

"حرب حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى،" يصف الصحفي السوداني القتال الذي دار في محيط المستشفى في وسط العاصمة السودانية، الخرطوم.

في التاسعة صباحا، "فجأة ومن دون مقدمات، دوت الأسلحة الثقيلة، وانهمرت قذائف الدبابات والطيران، فيما كان مسلحون من طرفي النزاع يتخذون من مبنى المستشفى ساتر حماية، وتمركز بعضهم حول أسواره".

"كان المركز الطبي في قلب عمليات إطلاق النار"، يقول الصحفي وهو لا يزال تحت تأثير الصدمة، كما يبدو.

وتجددت الاشتباكات، اليوم الأحد، في السودان، رغم اتفاق الجيش و"قوات الدعم السريع" على فتح مسارات آمنة للحالات الإنسانية العاجلة لمدة ثلاث ساعات كل يوم بدءا من الساعة الرابعة عصرا بالتوقيت المحلي.

"لكنها في الحقيقة لم تكن هدنة فعلية،" يقول الصحفي السوداني، "فلم يتوقف إطلاق النار إلا بشكل متقطع، كما أن السلطات لم تسمح بفتح الكباري والجسور لعبور السيارات، وبالتالي لم يتمكن أغلب العالقين من العودة إلى بيوتهم". 

وقرر بعض العالقين الخروج مشيا على الأقدام، بحسب ما قال السيد، ومعهم بعض المرضى الذين لم يتمكنوا من الحركة على نقالات، "رافعين أيدهم علامة على الاستسلام،" بحسب تعبيره.

ونُقل بعض العالقين، الأحد، إلى مستشفى "المودة"، ومنه إلى مستشفى "الخرطوم" لتلقي العناية الطبية، لكنهم لم يستطيعوا إخلاء جثة المتوفى، وتركوها داخل المستشفى بعد إبلاغ الإسعاف.

واندلع النزاع المسلح، السبت، وسط حالة انسداد سياسي يشدها السودان جراء خلافات بين قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بشأن دمج قوات الأخير في الجيش.

كان المستشفى غاصا بالمرضى، بعضهم حضر لإجراء عملية وآخرون لغسيل الكلى، لكن القتال أدى إلى توقف العمل تماما في المعامل وأجهزة الغسيل الكلوي وغرف العمليات، يقول الطبيب.

ووافقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، الأحد، على مقترح الأمم المتحدة بفتح مسارات آمنة للحالات الإنسانية لمدة لم تتجاوز ٤ ساعات.

وقال الطبيب عبدالله إن السودان يواجه أزمة إنسانية وطبية كبيرة، تتمثل بنقص الأدوية والغذاء والغاز اللازم لتشغيل المولدات.

ودعا إلى نقل الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى خارج وسط العاصمة، حتى لا تضيع أرواح مزيد من المدنيين الأبرياء.

وحذر أطباء من أن استمرار الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع "سيدخل البلاد في كارثة إنسانية وطبية كبيرة"، في ظل النقص الكبير للأدوية والمعدات الذي تعاني منه المستشفيات.

وأدى القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى إجهاد المستشفيات السودانية باستقبال مئات الجرحى لتقترب من نقطة الانهيار، بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، التي أوضحت أن الأطباء المرهقون ينامون على الأرضيات بين عمليات بتر الأطراف، فيما يحاولون حل أزمة نقص إمدادات الدم والأدوية.

وأعلنت نقابة الأطباء السودانية سقوط 5 قتلى مدنيين و78 جريحا، في اشتباكات الأحد.

وعن حصيلة الضحايا من المدنيين، كشف تقرير ميداني، الأحد، أن الحصيلة بلغت 63 قتيلا مدنيا، فيما بلغ عدد الإصابات 594 إصابة منها حالات حرجة.

وبلغت حصيلة الوفيات في العاصمة الخرطوم 16 قتيلا و 302 إصابة منها 13 حالة حرجة، فيما حصيلة القتلى في بحري 7 وفيات و 86 إصابة، أما في أم درمان فقتل 4 أشخاص وأصيب 42 شخصا.

وخاطبت نقابة الأطباء السودانية المنظمات الدولية بما فيها منظمة الصحة والصليب الأحمر للمساعدة في توفير المعدات والأدوية والغاز اللازم لتشغيل المولدات، لأن المستشفيات تعاني نقصا كبيرا، وفق الطبيب عبدالله، الذي أشار إلى أنه في حال استمر القتال لأيام متواصلة فإن مخزون المستشفيات سينفذ ما يهدد بكارثة إنسانية.

"في لحظة واحدة"، يروي الصحفي ضياء السيد، "تحول واحد من أفضل مستشفيات أمراض الكلى في السودان إلى مكان رعب ضاجٍ بأصوات القذائف والرصاص التي اختلطت بنداءات الاستغاثة وصراخ الأطفال،" بينما يحاول "الطاقم الطبي إنقاذ ما يمكن، أو من يمكن إنقاذه، ناسين أو متناسين عن قصد أن حياتهم هم أيضا، في خطر".

الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز
صورة أرشيفية لعناصر من الجيش السوداني

​في تصاعد مستمر للأحداث الميدانية في السودان، أفادت مصادر عسكرية سودانية بأن قوات الجيش تمكنت، السبت، من بسط سيطرتها على عدة مواقع استراتيجية في العاصمة الخرطوم. 

,شملت هذه المواقع مقرات تابعة لجهاز المخابرات العامة وسط المدينة، وذلك بعد اشتباكات عنيفة مع قوات الدعم السريع التي كانت متمركزة في المنطقة.​

وأضافت المصادر أن معارك اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في بعض العمارات الجنوبية المتاخمة لمحيط مطار الخرطوم الدولي. 

وأكدت تلك المصادر أن الجيش يواصل تقدمه باتجاه المطار والمناطق المحيطة به، بهدف تأمينها وإعادة بسط السيطرة الكاملة عليها.​

وفي تطور آخر، دخلت قوات الجيش السوداني جزيرة توتي، حيث قامت بعمليات تمشيط واسعة بحثًا عن جيوب محتملة لقوات الدعم السريع.

من جانبه، صرح العميد نبيل عبدالله، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، بأن القوات المسلحة بوسط الخرطوم تواصل الضغط على قوات الدعم السريع. 

وأكد سيطرة الجيش على فندق كورنثيا وإدارة المرافق الاستراتيجية الواقعة في الاتجاه الغربي من القصر الجمهوري.

وأضاف أن وحدات خاصة استطاعت تطهير مباني رئاسة جهاز المخابرات الوطني المتاخمة لمطار الخرطوم الدولي.​

وأشار العميد نبيل إلى أن وحدات من الجيش حققت مزيدًا من النجاحات ضد قوات الدعم السريع ليلة أمس الجمعة، حيث قضت على المئات من عناصر المليشيا التي حاولت الهروب من خلال جيوب بوسط العاصمة الخرطوم.

 كما أحكمت القوات سيطرتها على مواقع مهمة، بينها عمارة زين، بنك السودان، مصرف الساحل والصحراء، وبرج التعاونية.​

وفي سياق متصل، كثف الجيش، انطلاقًا من قاعدة وادي سيدنا العسكرية، قصفه للمواقع التي تتمركز فيها قوات الدعم السريع وسط الخرطوم. 

وأكدت المصادر حدوث مناوشات متقطعة في عدد من الشوارع والبنايات الواقعة في الاتجاه الجنوبي الغربي من منطقة وسط العاصمة.​

يُذكر أن الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اندلعت في أبريل 2023، بعد خلافات حول عملية الانتقال الديمقراطي. 

ورغم توقيع عدة اتفاقيات لوقف إطلاق النار، إلا أن القتال استمر، مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح الملايين.​