شلل في الحياة في معظم أحياء العاصمة السودانية
شلل في الحياة في معظم أحياء العاصمة السودانية

على وقع أصوات الرصاص المسموعة خلال المكالمة، يقول المواطن السوداني، إبراهيم نقدالله: "الحياة متوقفة هنا تماما، لا كهرباء ولا ماء، والسيارات متكدسة في محطات البنزين".

نقدالله تحدث لموقع "الحرة" هاتفيا من حي قرب مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون، في منطقة أم درمان القديمة حيث يقيم، وحيث تدور اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ السبت الماضي.

"لولا الطعام الذي اشتريناه قبل رمضان لكنا هلكنا"، يقول نقدالله متحدثا عن الظروف الصعبة في منطقته والمناطق المجاورة.

تكدس السيارات في محطة بنزين جنوب الخرطوم- الصورة بتاريخ 17 أبريل 2023

يضيف نقدالله أن "الشوارع الرئيسية خالية تماما من المارة والمتاجر مغلقة. عدد قليل من المتاجر في الأحياء الداخلية مفتوحة"، المشكلة، يوضح، إذا استمرت هذه الاشتباكات، "فالمواد الغذائية التي اشتراها الناس استعدادا لرمضان ستنفد تماما". 

وينقل أحمد البدوي، من حي كرري في أم درمان، مخاوف كثيرين من احتمال استمرار الصراع، فالمخابز التي لديها مخزون من الدقيق ما زالت تفتح أبوابها، لكن مخزونها لن يكفي أكثر من أسبوعين أو ثلاثة.

طوابير على المخابز في الخرطوم عندما تهدأ الاشتباكات- الصورة بتاريخ 17 فبراير 2023

يقول البدوي إن أصوات القصف الجوي والقذائف تمنعهم من النوم، والناس يتحينون الفرصة عندما تهدأ الاشتباكات للخرود من أجل شراء بعض الحاجيات وخاصة الخبز. 

أما بشير دراج الذي يعيش في منطقة بحري في الخرطوم، فيصف الوضع بـ"الكارثي" والمعاناة كبيرة جدا، إذ "خرجت محطة المياه في بحري عن الخدمة، وانقطع التيار الكهربائي، وتوقفت محطات البنزين عن العمل". 

ويوضح دراج أن المحطة في بحري تضررت بسبب الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع "حيث توجد ارتكازات للجانبين هناك"، ولا يستطيع المهندسون "الوصول لإصلاح الأضرار". 

"الناس متكافلون" يساعدون بعضهم بعضا بالغذاء، يقول دراج، "لكن المشكلة الأكبر في الكهرباء والمياه، لدرجة أن الناس ذهبوا لجلب مياه من البحر.. الوضع صعب للغاية". 

تجمع بعض الأسر على الإفطار في 15 أبريل 2023 جنوب الخرطوم

يعتقد الخباز فاروق حسن أن الأسوأ لم يأت بعد. إذ لم يعد من الممكن الانتقال بالسيارة بين الخرطوم وضواحيها فالجسور والمحاور الرئيسية إما أغلقها الجيش أو يتعذر استخدامها لأنها مسرح للمعارك.

ومن دون وسائل انتقال، ستختفي السلع الغذائية في بلد يعاني من تضخم من ثلاثة أرقام ومن الفقر، الأمر الذي أدى إلى تقليص قدرة صغار التجار على الشراء والتخزين.

ويقول حسن "مخزون الدقيق لدي لن يكفي أكثر من 48 ساعة إذا لم تستطع شاحنات نقل المواد الغذائية التحرك"، بحسب ما نقلت عنه وكالة فرانس برس. 

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الاثنين، إن "الوضع الإنساني" في السودان أصبح كارثيا، في وقت دخلت المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" يومها الثالث.

وأعلن رئيس بعثة الأمم المتّحدة في السودان فولكر بيرتيس الاثنين سقوط أكثر من 180 قتيلاً و1800 جريح في المعارك المستعرة في السودان منذ ثلاثة أيام بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقال بيرتيس للصحفيين في نيويورك إثر إجرائه من الخرطوم مداخلة عبر الفيديو أمام مجلس الأمن الدولي إنّ "الوضع شائك للغاية، لذلك يصعب القول بأي اتّجاه يميل ميزان" القوة في الميدان.

الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم السريع - رويترز
الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم السريع - رويترز

قالت مصادر تابعة للجيش السوداني، الثلاثاء، إن وحدات من القوات "بدأت هجوما على منطقة جبل أولياء" شمالي الخرطوم، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب.

وأضافت في تصريحات لـ"الحرة"، أن المعارك التي تدور الآن "ستقطع الطريق الوحيد الذي تبقى لقوات الدعم السريع للاستفادة منه للانسحاب من العاصمة".

وأكد مصدر عسكري على أن الجيش "دمر نحو 26 سيارة تابعة للدعم السريع، وقتل العشرات من عناصرها".

وأكدت قيادات في حكومة ولاية الخرطوم، رصدها لحركة انسحابات واسعه لقوات الدعم السريع من أحياء شرق ووسط مدينة الخرطوم، حيث توالى خروج العناصر من أحياء الرياض المنشية واركويت وناصر والمعمورة.

وفي سياق متصل، اتهمت قوات الدعم السريع في بيان، الثلاثاء، الجيش السوداني بارتكاب "مجزرة" باستخدام الطيران الحربي، بعد قصف سوق منطقة طرا بولاية شمال دارفور.

وجاء في بيان أن الهجوم تسبب في "مقتل وجرح المئات، بينهم نساء وأطفال".

واستعاد الجيش السوداني خلال الأيام الماضية مناطق استراتيجية في الخرطوم، كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، من بينها القصر الجمهوري وسفارات ومقار حكومية وجامعات.

يُذكر أن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اندلعت في أبريل 2023. ورغم توقيع التوصل لاتفاقيات لوقف إطلاق النار، فإن القتال استمر، مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح الملايين.​

الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، ألحقت أضرارا جسيمة بالبنية التحتية وأجبرت أكثر من 12 مليون شخص على النزوح سواء داخل البلاد أو خارجها.

وقُتل عشرات الآلاف على الرغم من أن تقديرات القتلى غير مؤكدة. وفر مئات الألوف إلى مصر وتشاد وجنوب السودان، وعبرت أعداد أقل إلى إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.