الصراع الدموي في السودان مستمر منذ أيام
الصراع الدموي في السودان مستمر منذ أيام

ينتظر السودان مساء اليوم هدنة لمدة 24 ساعة، تبدأ في السادسة بتوقيت غرينتش، بعد أيام من الاقتتال الداخلي العنيف بين قوات الدعم السريع والجيش. 

ومع ذلك، رجح محللون "استمرار" الصراع بين المكون العسكري، مما ينذر باستمرار المعارك الدامية في البلد الأفريقي الفقير.

وجاء القتال بعد فشل السودان مرتين في التوقيع على اتفاق سياسي يفضي إلى تشكيل حكومة مدنية منتخبة خلال وقت سابق من هذا الشهر.

ويرى محللون تحدثوا لموقع "الحرة" أن كل الاحتمالات لا تزال مفتوحة على مصراعيها سياسيا وعسكريا، حيث رسموا مسارات مختلفة للبلاد حال انتصار أي طرف على الآخر ميدانيا في محاولة لاستقراء المشهد.

وقال اللواء المتقاعد والخبير العسكري، محمد عجيب، في حديث لموقع "الحرة" إن "الوضع الراهن (في السودان) منفتح على كل الاحتمالات".

ومنذ السبت، يعيش السودان على وقع معارك ضارية بين الجيش بقيادة، عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، مما أسفر عن مقتل 180 قتيلا و1800 جريح في حصيلة أولية أوردتها الأمم المتحدة.

في حديثه لموقع "الحرة"، يرى المحلل السياسي، الجميل الفاضل، أن التكهنات بانتهاء الصراع خلال وقت قريب "صعب جدا"، لافتا إلى وجود "معلومات مضللة وكاذبة تصدر من كلا الطرفين".

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، محمد عثمان الرضي، في حديثه لموقع "الحرة" إن "هناك تعنت من الطرفين وتمسك بالتصعيد العسكري"، مما قد يؤدي إلى استمرار المعارك.

على الأرض، لا توجد مؤشرات واضحة على انتصار أي من الطرفين بالمعارك التي تتركز بالعاصمة الخرطوم، وسط أزمة إنسانية باتت تلوح في الأفق ومناشدات من قبل المجتمع الدولي بضرورة إيقاف العنف.

ماذا يمكن أن يحدث لو انتصر الجيش؟

وفي حال استطاع الجيش أن يحسم الصراع عسكريا، وينتصر على قوات الدعم السريع في المعارك الدائرة حاليا، يرسم الرضي مسارا سياسيا جديدا للسودان يختلف كليا عن الاتفاق الإطاري الذي أعلن عنه في ديسمبر.

وقال الرضي إن انتصار الجيش "يعني أن هناك واقعا سياسيا جديدا ستتحكم فيه القوات المسلحة بزمام الأمور وهي التي ستحدد من الذي يدير البلاد في الفترة المقبلة وستختار رئيس الوزراء والوزراء ومؤسسات الدولة والقرار سيصبح عسكريا".

وتابع: "حتى (المدنيون) الذين سيتم اختيارهم سيكونون داخل بيت الطاعة العسكري وبذلك سنرى نسخة جديدة للحكم العسكري بثوب مدني"، على حد قوله. 

من جانبه، يذهب عجيب في اتجاه مماثلة بقوله إنه حال كسبت القوات المسلحة المعركة، فإن ذلك "سيفرز واقعا سياسيا وعسكريا جديد يختلف عن الواقع الذي سبق اندلاع الصراع"، مضيفا أن "الواقع السياسي الجديد لن يعود لتلك النقطة"، في إشارة إلى الاتفاق الإطاري.

وأضاف أنه ستكون هناك "عملية سياسية جديدة لتغيير الواقع السياسي القديم المأزوم الذي قاد لهذه النقطة ومن المنطقي أن انتصار القوات المسلحة يعتبر هزيمة لذلك (الاتفاق) واستبداله بواقع جديد يستوعب كل القوى السياسية الأخرى".

في ناحية أخرى، يعتقد الفاضل أن الجيش لن يتوقف عن عملياته إلا "بتفكيك كامل لقوات الدعم السريع التي لن تتوقف هي الأخرى ما لم يستسلم قادة الجيش".

ويشير المحلل السياسي السوداني إلى أن انتصار القوات المسلحة على قوات الدعم السريع في هذه المعركة "يصب في إعادة هيمنة الحركة الإسلامية السودانية بأقوى مما كانت عليه"، إذ ستسطيع العناصر الإسلامية داخل القوات المسلحة أن تستعيد نفوذها في حالة شلل العملية السياسية، بحسب تحليله. 

وأسقطت ثورة في عام 2019، نظام الرئيس السابق، عمر البشير، الذي استمر لثلاثين عاما، حيث وقعت قوى مدنية مؤيدة للانتفاضة، اتفاقا لتقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية تفضي إلى انتخابات.

وفي 25 أكتوبر 2021، أعلن قائد القوات المسلحة، عبدالفتاح البرهان، حل مجلسي السيادة والوزراء والمؤسسات الانتقالية وكذلك أعلن حالة الطوارئ وتعليق العمل بمواد من الوثيقة الدستورية.

وبعد تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للاتفاق الإطار مرتين هذا الشهر، اندلعت اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم ومدن أخرى نتيجة خلافات بين الحليفين السابقين اللذين شاركا في إطاحة البشير.

ماذا سيحدث حال انتصار قوات الدعم السريع؟

يواصل الفاضل حديثه لموقع "الحرة" بقوله إنه "ليس من السهل الافتراض أن قوات الدعم السريع قادرة على الانتصار ميدانيا" قياسا على التفوق العسكري للقوات المسلحة.

وقال إن "قوات الدعم السريع كانت تؤيد العملية السياسية وخروج المؤسسة العسكرية من السياسة وعودتها إلى الثكنات وهذا اتجاه ينصب في مشروع الثورة والمطالبة بحكم مدني كامل"، بحسب قوله. 

وفي حال انتصرت قوات الدعم السريع في المعركة، فإنها "لا تستطيع التراجع عن التعهدات التي أطلقتها سابقا باستمرار العملية السياسية وإخراج المكون العسكري من السياسة".

أما اللواء عجيب فيعتقد أنه حال فازت قوات الدعم السريع بالمعركة، فستستخدم الاتفاق الإطاري لإقصاء  القوى السياسية الأخرى "مما يجعل من الحكومة التي تشكلها حكومة أقليات تحكم البلد بالحديد والنار؛ لأن تلك الأحزاب المتحالفة مع الدعم السريع ليس لها رصيد سياسي ومناصرون من الشعب".

وأشار إلى أن هذا الاحتمال من شأنه أن يجعل الفترة الانتقالية للحكم طويلة وقد تصل لعشر سنوات، على حد قول عجيب، مضيفا: "سيحكمون بشرعية الثورة وليس بشرعية دستورية مما سيطول أمد الفترة الانتقالية".

من جانبخ، يذهب المحلل السياسي الرضي، نحو مسار "مختلف" حال انتصار قوات الدعم السريع ميدانيا.

وقال إن تلك القوات بزعامة دقلو "ستتجه للحواضن الخارجية وسيدار البلد من الخارج ... وفي هذه الحالة ستكون مفاصل الدولة لدى دول أخرى مما يتيح الفرصة لأصحاب الجوازات الأجنبية" لاعتلاء السلطة، بحسب تعبيره. 

هل هناك فرصا للتسوية؟

واستبعد محللون وجود فرص حقيقية للتسوية السياسية بين طرفي النزاع حاليا. ويرى الرضي وجود فرص "ضئيلة" للتسوية من خلال مبادرة أفريقية.

وقال إن هذا الافتراض سيوجد "توافقا بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة والأحزاب السياسية المتحالفة مع الطرفين لقيادة البلاد بالمناصفة".

ومع ذلك، في ظل استمرار المعارك الميدانية وحديث الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر عن "استحالة" تقديم الخدمات الإنسانية في الخرطوم ومحيطها، يرجح الرضي أن يكون هناك تدخلا من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.

وقال إنه "ربما يكون هناك تدخل دولي (ميداني) من قبل مجلس في السودان لحماية المدنيين ... أرجح ذلك".

من جهته، يعتقد الفاضل أن فرص التسوية بين الطرفين "شبه مستحيلة" وأن الحرب مستمرة ويمكن أن تكون واسعة النطاق عبر انتقالها لمدن أخرى، وفق تعبيره.

وقال إنه حتى لو انتصر الجيش في الخرطوم، فإن هذا لا يعني نهاية الحرب في السودان بأكمله".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".