سودانيون في جنوب الخرطوم يفرون مع استمرار الاشتباكات الدامية بين الجيش وقوات الدعم السريع- الصورة بتاريخ 18 أبريل 2023
سودانيون في جنوب الخرطوم يفرون مع استمرار الاشتباكات الدامية بين الجيش وقوات الدعم السريع- الصورة بتاريخ 18 أبريل 2023

في اليوم الرابع من الاشتباكات، ضاق الطالب بكلية الآداب، المظفر فاروق، ذرعا من كونه محاصرا وعالقا في جامعة الخرطوم، مع العشرات من زملاءه، منذ بدء الاشتباكات الدامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فاتخذوا قرارا خطيرا.

قرر فاروق، وحوالي 40 طالبا معه، الخروج والعودة إلى مساكنهم، رغم الخطر الكامن خارج مقر الجامعة، واحتمال إصابته برصاصة طائشة، كما حدث مع زميله الطالب بكلية الآداب خالد عبدالمنعم الطقيع، الذي توفي إثر إصابته بطلقة أسفل الصدر. 

وقال فاروق لموقع "الحرة": "نعم خاطرنا بحياتنا بالخروج وسط الاشتباكات، لكن الوضع بالجامعة أيضا خطير، وكنا نعيش طوال الأيام الأربع الماضية في خوف وقلق".

وأضاف "الجامعة تقع في منتصف (ساحة) المعركة بين طرفي الصراع، لأنها بالقرب من القيادة العامة للجيش حيث الاشتباكات لا تنقطع، فضلا عن انقطاع المياه، لذا فضلت الخروج". 

وعلق العشرات من الطلاب والعمال والأساتذة في جامعة الخرطوم وسط استمرار المعارك وقطع  الطرق، ولجأوا إلى مبنى كلية الهندسة، مناشدين منذ أيام من يمكنه إنقاذهم.

وكان المعتاد أن تستغرف رحلة المظفر فاروق بالسيارة إلى منزله، الكائن في شرق الخرطوم، نحو عشر دقائق بالسيارة، لكنه سار الطريق كاملا على قدميه لأكثر من ساعة، خضع فيها لعمليات تفتيش مرتين من قوات الجيش، ومرة من عناصر الدعم السريع. 

وقال: "منزلي في شرق الخرطوم وكان علي أن أمضي شرقا من الجامعة مرورا بقوات الجيش ثم مناطق يوجد فيها الدعم السريع لأتمكن من الوصول للبيت". 

واندلع الصراع بين الطرفين قبل أربعة أيام وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 185 شخصا في أنحاء البلاد حتى الثلاثاء.

وقالت الأمم المتحدة إن الاشتباكات تسببت في أزمة إنسانية كارثية من بين جوانبها الانهيار الوشيك للنظام الصحي في البلاد.

وأضاف فاروق لموقع "الحرة": "كنت وزميل آخر في هذه المغامرة سويا، وهذه الارتكازات كانت تخضعنا للتفيش وتسألنا من أين أتينا وإلى أين نذهب، وكانت عناصر الجيش أكثر لطفا وأرقى في التعامل"، مشيرا إلى أنه رغم الهدنة لساعات كانت الشوارع خالية تماما من المارة. 

وقال طالب آخر بكلية الآداب، عمر الفاروق، إنهم اختاروا اللجوء لمبنى كلية الهندسة "لأنه يوجد دور أرضي يحميهم من القصف والشظايا والرصاصات الطائشة". 

ولا يزال عمر الفاروق و40 طالبا وأربعة أساتذة وبعض العمال عالقين في المبنى حتى الآن، على أمل إنقاذهم. 

وأضاف: "لم تنفذ عملية إجلاء كما أشاع البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، ما حدث، أن 40 طالبا تحركوا بصورة متفرقة وفردية من الجامعة نظرا للخطورة الشديدة هنا، ووصلوا إلى ارتكازات تابعة للجيش في مناطق متفرقة في الخرطوم بحري وشرق النيل، ولا يزال هنا العشرات من الطلاب". 

وأرسل الفاروق صورا لموقع "الحرة" من داخل مبنى كلية الهندسة يظهر الطلاب وهم يفترشون الأرض، وأضاف "نطالب بإجلاءنا في أسرع وقت ممكن". 

صورة لطلاب عالقين في مبنى كلية الهندسة بجامعة الخرطوم

وقال: "الجامعة بها طعام، لكن المشكلة أننا نعاني من شح المياه". 

ويكشف الفاروق "هلع" الطلاب العالقين الرافضين للخروج، مشيرا إلى أن شبح الموت يخيم على الطلاب منذ مقتل زميلهم الذي كان يختبئ بالقرب من الجامعة ليوم كامل، وعندما حاول الاحتماء بمبنى كلية الهندسة، عندما سمع عن الهدنة، أصابته رصاصة يوم الأحد فقتلته. 

وأضاف: "طلبنا الإسعاف لكن لم يأت أحد لنجدته فمات"، مشيرا إلى أن "الأمر وصل إلى أننا حفرنا له قبرا ودفناه داخل الجامعة". 

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".