المعارك في السودان بدأت السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع
المعارك في السودان بدأت السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع

مع اشتداد المعارك في السودان، لم تعد المستشفيات، التي تحاول التعامل مع أعداد متزايدة من الجرحى، مكانا آمنا للمدنيين المصابين جراء الاشتباكات المسلحة.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها إن المستشفيات ومجموعات الإغاثة في السودان تعرضت لهجمات وقصف وأصبحت أهدافا للقتال الدامي الذي تشهده البلاد.

وتعرض أحد المراكز الطبية المكتظة للقصف صباحا قبل أن يقتحم أحد أفراد قوات الدعم السريع وأمروا بإجلاء الأطفال حديثي الولادة والمرضى الآخرين قبل أن يتخذوا مواقعهم داخل المستشفى على حد قول الأطباء.

وقال مصعب خوجالي، طبيب غرفة الطوارئ في مستشفى الشرطة ببري شمال شرق العاصمة الخرطوم، "تحول المستشفى إلى ساحة معركة".

كما ورد أن العديد من المستشفيات الأخرى تعرضت لهجمات، الاثنين، وهو اليوم الثالث من القتال الدامي في السودان.

ومنذ السبت، يعيش السودان على وقع معارك ضارية بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، مما أسفر عن مقتل 180 قتيلا و1800 جريح في حصيلة أولية أوردتها الأمم المتّحدة.

وقالت نقابة أطباء السودان إن المستشفيات والمراكز الصحية السودانية تعيش "تحت وطأة الاشتباكات العسكرية" مما جعل حالها يتدهور بشكل غير مسبوق وينذر بانهيار القطاع الصحي بالكامل.

وأفادت النقابة في بيان جديد بأن "معظم المستشفيات الكبيرة والتخصصية خرجت عن الخدمة نتيجة إخلائها قسرا بواسطة القوات العسكرية المتصارعة أو استهدافها بالقصف وأخرى انقطع عنها الإمداد البشري والدوائي والماء والكهرباء وأصبحت مهددة هي الأخرى بالتوقف التام" عن العمل.

وأوردت النقابة المستشفيات التي خرجت عن الخدمة بالكامل في الخرطوم وبقية مدن البلاد والتي تجاوز عددها عن 20 مستشفى ومركزا طبيا، خلاف بقية المنشآت الصحية المهددة بالإغلاق.

وناشدت نقابة أطباء السودان المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للتدخل والمساعدة للحد من مما وصفته بـ "الكوارث الإنسانية".

ورغم أن الخسائر في أرواح المدنيين كانت أكثر وضوحا في الخرطوم، إلا أن عمال الإغاثة يقولون إنهم قلقون أيضا من الوضع خارج العاصمة، لا سيما في منطقة دارفور الغربية.

وقالت منظمة إنقاذ الطفولة، الاثنين، إن لصوصا سرقوا إمدادات طبية للأطفال، بالإضافة إلى ثلاجة وأجهزة كمبيوتر محمولة وسيارات في اقتحام على أحد مكاتبها في دارفور.

ودعا مدير المنظمة في السودان، أرشد مالك، المقاتلين إلى حماية الخدمات الإنسانية.

وقال في بيان: "على مدى الأيام الثلاثة الماضية، كان الخوف يسيطر على الناس في جميع أنحاء السودان، ولا يعرفون ما إذا كان من الآمن مغادرة منازلهم ويتعين عليهم الآن الاختيار بين مواجهة هذا الخوف أو التضور جوعا حتى الموت".

وقال منسق منظمة أطباء بلا حدود في شمال دارفور، سايروس باي، إن معظم الجرحى كانوا "مدنيين حوصروا في مرمى النيران - ومن بينهم العديد من الأطفال".

وأضاف في بيان أن "الإمدادات الطبية تنفد بسرعة من المستشفى لعلاج الناجين ... 
الأدوية والدم تنفد".

وتابع: "منذ بداية القتال، حدث انقطاع للتيار الكهربائي في المدينة، كما أن إمدادات الوقود لمولد المستشفى آخذة في النفاد".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".