ماذا ينتظر السودان وأهله والمقيمون به؟
ماذا ينتظر السودان وأهله والمقيمون به؟

بعدما فروا من وطنهم قبل سنوات، قاصدين "بلدا آمنا لا يغلق أبوابه"، تلاحق الحرب مجددا آلاف العائلات السورية في السودان، ورغم أنهم فئة من بين فئات مجتمعية كثيرة هناك، إلا أن حالتهم تبدو ذات "طبيعة استثنائية"، لاعتبارات تتعلق بما ذاقوه وشهدوه عندما كانوا في بلدهم المنكوب.

ويعيش أكثر من 90 ألف لاجئ سوري في العاصمة الخرطوم، وأجزاء أخرى من السودان، وفقا لأرقام الأمم المتحدة لعام 2021، ومنذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" لا تعرف الظروف التي يعيشونها، وإن كان من بينهم ضحايا أو مصابين.

وتمكن موقع "الحرة" من الحديث مع عدد من السوريين الموجودين في مناطق الصراع، وبينما شرح بعضهم الظروف التي يعيشونها في الوقت الحالي "تحت الرصاص"، فضّل آخرون عدم إبداء أي رأي إزاء ما يحصل "متخوفين من أي ردة فعل قد تطالهم"، حسب تعبيرهم.

ومنذ يوم السبت "يُصبح عبد الله الخطاب ويمسي على أصوات الانفجارات"، حسب تعبيره ويقول لموقع "الحرة" بينما تسمع أصوات القصف من حوله: "الرصاص مثل المطر فوق المنازل. منذ 4 أيام وأنا داخل المنزل وكل شيء مقطوع من كهرباء وماء واحتياجات الغذاء اليومية".

مثل غيره من السوريين، الذين اضطروا للخروج من بلدهم بسبب حملة القمع التي شنتها قوات النظام السوري، قصد الشاب عبد الله السودان قادما من تركيا، للعمل ضمن نطاق "مصلحته".

وبينما كانت الأمور جيدة معيشيا، وفيما يتعلق بفرص العمل والوضع القانوني قبل عام 2019، انقلب المشهد كاملا بعد ذلك إلى "تشدد تدريجي"، وهو ما دفع الخطاب للتفكير بالسفر، حتى اتخذ القرار قبل أسابيع من اندلاع المعارك الحالية.

ويضيف: "كنت على وشك السفر من السودان، لكن قدر الله وما شاء فعل. حصلت الحرب الآن ولا نعرف متى تنتهي. الوضع صعب وقد يطول الصراع إلى شهر أو5 أشهر، وقد يتحول إلى حرب قبلية".

وتدور المعارك بشكل أساسي بين الجيش و"قوات الدعم السريع" في المنطقة الواقعة بين المطار والمدينة الرياضية، وهي التي يقيم فيها عبد الله بالإضافة إلى عائلات سورية أخرى.

ويشير إلى أن "الخيارات الموجودة في اليد تبدو الآن معدومة"، تنحصر فقط في البقاء في المنزل، وأن غالبية السوريين الذين يعرفهم ينتظرون فقط فتح المطار لكي يخرجوا من البلاد. ويتابع: "كلنا ننتظر فتح المطار. الوضع مخيف، وأنا لن أبقى هنا. أين ما نذهب نلاقي الحرب. الحرب تلاحقنا".

"أخطر السيناريوهات"

وخلّف القتال المستمر لليوم الخامس على التوالي بين "قوات الدعم السريع" والجيش النظامي قرابة 300 قتيل في السودان، ومنذ السبت دعا المجتمع الدولي إلى الحوار، لكن الرجلين، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومحمد حميدتي يخوضان حرب "وجود"، وفق خبراء.

ولا توجد مؤشرات أو بوادر، حتى الآن، لقبول الدعوات لوقف إطلاق النار أو على الأقل لإعلان هدنة تسمح بإجلاء المدنيين من أخطر الأحياء. 

وفي غضون ذلك لم يعد البقاء ممكنا في الخرطوم، مع انقطاع الكهرباء والمياه الجارية، والرصاص الطائش والمتفجر الذي يخترق النوافذ وحتى الجدران.

ويوضح المحامي السوري، أدهم الدهام، أن حالة وفاة لشاب سوري تم تسجيلها خلال الأيام الماضية في السوق المركزي، كما تم توثيق إصابة شابين اثنين، يتلقيان العلاج الآن في المشافي الموجودة في منطقة الرياض. 

علاوة على ذلك تم توثيق وفاة شابين سوريين في منطقة سكنية ضمن حي كافوري، بعدما داهم مسلحون ورشة الأثاث التي يعملون فيها هناك، بغرض السرقة، ويقول الدهام لموقع "الحرة" إن "المسلحين غير تابعين لأحد الأطراف المتصارعة"، وهو ما يثير المخاوف.  

وفي أغلب أحياء العاصمة الخرطوم لا يوجد ماء ولا كهرباء، ويضيف المحامي السوري: "الناس جميعا، سواء سوريين أو غيرهم يخرجون في وقت الهدنة من أجل كسب الوقت للحصول على المياه وتأمين احتياجات الأهل".

من جانبه، يتحدث الشاب عبد الله الخطاب عن "وضع سيء جدا لأبعد الحدود"، وسط مخاوف من انتشار عصابات السرقة على نحو كبير خلال الأيام المقبلة، وهو ما يمكن اعتباره "السيناريو الأسوأ".

ويشير الخطاب إلى حادثة تعرض له أحد أصدقائه قبل يومين، إذ اعترضه مسلحون وأقدموا على سرقة كامل المبالغ المالية الموجودة بحوزته وأجهزة الهاتف النقال، بالإضافة إلى حادثة أخرى تعرض لها أحد أصدقائه، بعدما أطلق مسلحون النار باتجاهه.

"البقاء في المنزل صعب وبات الخروج منه أصعب بسبب انتشار العصابات المرعبة من غير الفئتين المتقاتلتين"، بحسب الخطاب. 

ويضيف المحامي السوري الدهام: "لا أحد يعرف متى ستنتهي المعارك".

ويوضح أن "التخوف القادم هو أن تفقد الناس الأمان في منزلها. هذه أخطر نقطة، حيث يكون لديك كل شيء في المنزل ويقدم مسلحون متفلتون على الاعتداء بغرض السرقة".

كيف يعيش السوريون؟

ولسنوات طويلة كان السودان وجهة الكثير من السوريين، سواء الذين قرروا الفرار من داخل البلاد أو من دول مجاورة ارتفعت فيها أصداء العنصرية اتجاههم، لكن وبعد سلسلة القرارات التي أصدرتها الحكومة السودانية تغيّر الحال رأسا على عقب.

ومنذ تلك الفترة غادرت الكثير من العائلات البلاد باتجاه أوروبا، أو إلى مصر وليبيا، بينما فضلت عائلات ميسورة البقاء، كونها اعتبرت السودان البلد الآمن والملاذ الأخير لها، في ظل صعوبة الحصول على تأشيرة إلى بلدان أخرى.

لكن في الوقت الحالي، ومع اشتداد القتال داخل الأحياء والمناطق السكنية بات من بقي من العائلات مضطرا لخوض رحلة جديدة من الغربة، وتبدو معقدة على نحو كبير قياسا بالفترات السابقة من اللجوء والهجرة.

ويشرح الشاب عبد الله كيف أثّر القتال منذ يوم السبت على كافة مقومات الحياة في البلاد، وبالأخص في العاصمة الخرطوم، إذ تضاعفت أسعار المواد الغذائية والمياه بشكل خيالي، موضحا أن "القطعة التي كان سعرها بـ1000 جنيه باتت الآن بـ6 آلاف و7آلاف جنيه".

وفي حين توجد الكثير من العائلات السورية الميسورة ومقتدرة الحال، إلا أن الكثير غيرها "تعيش على نظام إذا لم نعمل اليوم سننام جوعانين"، فيما يؤكد الخطاب على بدء الكثير من السوريين "التفكير بالسفر حال فتح المطارات".

ويقول المحامي السوري أدهم الدهام أن عدد السوريين في السودان كان قد وصل إلى الذروة في عامي 2017 و2018 بتسجيل 300 ألف شخص وسطيا وبموجب إحصائيات غير رسمية.

لكن، ومنذ عام 2019، وحتى الآن، تناقص العدد إلى حد كبير، وبات يبلغ بشكل تقريبي عشرة آلاف شخص.

"70 بالمئة من العائلات المتواجدة في منازلها الآن مقتدرة، وهناك نسبة ضئيلة لمن يعيش اليوم بيومه"، ومع ذلك يشير الدهام إلى "خطر يراود الكثيرين"، ويتمثل بـ"انتشار العصابات وفقدان الأمان حتى داخل البيوت في المرحلة المقبلة، وفي حال طال أمد القتال". 

Raous Fleg sits outside a hut at a displaced persons camp she fled to in South Kordofan, Sudan
النازحون في السودان يعانون من أزمات إنسانية.

كشف مكتب المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، الثلاثاء، أن ما نقلته وسائل إعلام على لسانه بشأن جهود يقوم بها لبحث احتمال نشر قوات سلام أفريقية لحماية المدنيين في السودان، قد أخرج من سياقه.

وكانت وسائل إعلام عربية ذكرت، الأسبوع الماضي، أن بيرييلو، قال خلال اجتماع مع مجموعة من الصحفيين في العاصمة الكينية نيروبي، إنه يعقّد بمشاورات مع الاتحاد الأفريقي بشأن إمكانية نشر قوات سلام أفريقية لحماية المدنيين، وذلك مع استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية وتزايد الدعوات الدولية للتدخل لحماية المدنيين.

وبعد تواصلنا معه من خلال مكتبه في الخارجية الأميركية، قال بيرييلو للحرة إن الكلام تم تغيير معناه، موضحا أن رده الرسمي هو ما نشره أيضا على صفحته في "أكس".

وكان بيرييلو كتب، يوم 4 أكتوبر الجاري، "لدينا قنوات اتصال مفتوحة مع الاتحاد الأفريقي حول آلية مراقبة الاتفاقيات الحالية والمستقبلية. ومن الأفضل دائما أن نكون مستعدين، ويجب على المجتمع الدولي أن يقيم الخيارات المتاحة لدعم تنفيذ وقف الأعمال العدائية محليا أو وطنيا في المستقبل".

واعتبر أن ما فهم من سياق كلامه هو بعيد عن الجهود الدبلوماسية التي يسعى إليها حاليا.

أما الدعوات بشأن إرسال قوات إفريقية مثل "إيساف" فهذه الدعوات ليست جديدة، فقد دعت إليها من قبل الهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا "إيغاد"، خلال اجتماعها في أديس أبابا في يوليو 2023 بعد ثلاثة أشهر من بداية الحرب في السودان.

وجاءت دعوة "إيغاد" لنشر قوات "إيساف"، التي تعتبر جزءا من الاحتياطي العسكري لشرق إفريقيا، لضمان حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من القتال.

لكن الأمر لم يتجاوز مرحلة المشاورات حتى الآن، فهذه القوات تدخلت من قبل في دول مثل الصومال وجنوب السودان لدعم عمليات حفظ السلام واستعادة الاستقرار.

وبعد أكثر من عام ونصف من الحرب، أصبح السودان من بين أعلى 4 دول في العالم من حيث انتشار سوء التغذية الحاد "GAM"، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

كما أن المجاعة بدأت تظهر في شمال دارفور، إضافة إلى تفشي العديد من الأمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة والحصبة الألمانية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 24.8 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ومنذ 15 أبريل 2024، نزح داخليا حوالي 8.1 مليون شخص بسبب النزاع المستمر.

تدهور الأوضاع الإنسانية  

وعلى ضوء هذه الأوضاع الإنسانية الكارثية، اعتبرت ندى فضل، التي تدير وتشرف على مشاريع في السودان لتوفير الخدمات الطبية، أن الوضع الإنساني يفرض تدخلا خارجيا.

وقالت للحرة إنه "لا يمكن الوثوق بالطرفين لحماية المدنيين، ومن المهم حماية العاملين أيضا في العمل الإنساني سواء لجان الطوارئ في الأحياء أو المنظمات المحلية التي تعتبر أكثر الفئات التي تقدم الدعم..".

وأضافت أنه تم استهداف العديد من العاملين في العمل الإنساني من قبل طرفي النزاع تحدت ذريعة "التخوين والعمالة، وفي بعض الأحيان سرقة المساعدات، وحتى من يعملون في المنظمات الأممية والدولية من المهم حمايتهم، فهناك قتل وسرقات وبدون طرف ثالث يحميهم سيكون من الصعب مساعدة المواطن الذي يحتاج للمساعدة".

وهو الأمر الذي تقول فضل إنه "يتطلب وجود قوة قادرة على حماية المدنيين"، مضيفة أن "دخول قوات للسودان يمكن أن يكون له تأثير وضغط في زيادة الاهتمام بملف السودان وبخاصة الوضع الإنساني المتردي. ما نعول عليه كعاملين في العمل الإنساني ليس هو استمرار الحرب ولكن هو أن نستطيع العمل في ظروف أفضل في السودان. وهذا حاليا لا يحدث".

من ناحية أخرى، قال وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، الذي تترأس بلاده منظمة "إيغاد"، في مقابلة مع قناة الحرة، إن الأزمة السودانية تمثل إحدى خيبات الأمل بالنسبة للإيغاد.

ورغم فشل المنظمة في حل الأزمة، فإنه أشار إلى أن الجهود الأفريقية لا تزال مستمرة، معتبرا أن إعادة الملف إلى الاتحاد الأفريقي هو السبيل الأمثل لحل الأزمة السودانية.

وأضاف أن "الأزمات الأفريقية تتطلب حلولًا أفريقية، منتقدًا تعدد المبادرات الدولية التي لم تساهم في تهيئة المناخ المناسب لجمع الأطراف السودانية".

تعثر الدبلوماسية  
 

في ظل هذه الدعوات والوضع الإنساني السيء، تعثرت العديد من المفاوضات والمبادرات الدولية الرامية لحل الأزمة.

وكانت آخر هذه المبادرات في أغسطس الماضي، بقيادة الولايات المتحدة في سويسرا، تحت رعاية مشتركة سعودية وسويسرية، وبمشاركة الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات كمراقبين.

وشاركت قوات الدعم السريع في المفاوضات، بينما رفض الجيش السوداني المشاركة لأسباب عدة، من بينها اعتراضه على دور الإمارات كمراقب، حيث اتهمها في مجلس الأمن بدعم قوات الدعم السريع وتغذية الصراع.

كما عبر الجيش عن رفضه لمخرجات محادثات جدة ورفضه استخدام مصطلح "الجيش" من قبل الجانب الأميركي للإشارة إلى البرهان عوضا عن اعتباره رئيس الحكومة الشرعية للسودان.

وفي سبتمبر الماضي، دعا الرئيس الأميركي، جو بايدن، أطراف النزاع السودانية للعودة إلى طاولة المفاوضات بحثا عن حل سلمي للأزمة.

ورغم ترحيب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بدعوة البيت الأبيض، فإن الشكوك لا تزال قائمة بشأن جدية الطرفين في التوصل إلى تسوية سياسية.

ففي مقابلة أجراها مع "بي.بي.سي"، قال مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق إبراهيم جابر، إن محادثات السلام قد تستمر، لكن الجيش لن يتوقف عن القتال، مؤكدا وجود تعاون عسكري مع إيران وأنهم قاموا بالفعل بشراء أسلحة منها.

ومع إصرار الطرفين على الحسم العسكري، ازدادت الأوضاع تعقيدا في السودان، حيث أظهرت الحرب بشكل جلي تدفقا غير مسبوق للأسلحة.

وأكدت منظمة العفو الدولية، في يوليو الماضي،  أن دولا مثل الصين وروسيا وصربيا وتركيا والإمارات واليمن، ضخت كميات كبيرة من الأسلحة إلى البلاد، مشيرة إلى أن طرفي الصراع يقوما بشراء هذه الأسلحة التي تغذي حرب السودان وتقلل من فرص الوصول لحل سلمي.

ماذا يعني إرسال قوات أفريقية

وعند الحديث عن إرسال قوات افريقية للسودان في ظل هذه التعقيدات وفشل العديد من المبادرات السابقة، يعتبر كاميرون هدسون، في حديث للحرة، أن إرسال قوات افريقية للسودان هو غير منطقي ولن يحدث وقد يستغرق إرسالهم، في حال اتخذ القرار، أشهر أو حتى سنوات.

وأضاف هدسون، وهو مستشار الشؤون الأفريقية في المركز الدولي للدراسات، أن الحكومة في بورتسودان لن توافق على إدخال هذه القوات.

وقالت أماني الطويل، من مركز الأهرام المصري، للحرة، إن التدخلات الخارجية في الدول الأفريقية، مثل التدخل الفرنسي في مناطق عدة، غالبا ما تواجه مقاومة داخلية وتفشل في تحقيق الاستقرار.

وفي الحالة السودانية، تحذر الطويل من أن تعدد الأطراف العسكرية والتحالفات القبلية قد يؤدي إلى فوضى أكبر على الصعيد العسكري، مما يضعف من احتمالية نجاح أي تدخل عسكري، حتى وإن كان من قبل قوات أفريقية.

ويبقى السؤال مفتوحا حول إمكانية نجاح التدخل الأفريقي في السودان إذا ما تم إقراره وأصبح هو الحل الأخير لدعم المدنيين وسط التعقيدات العسكرية والسياسية الحالية، وهل يمكن للقوات الأفريقية الصمود وإحراز تقدم أمام ميليشيات ليس لديها عقيدة واضحة أو مرجعية واضحة.