منظر عام يظهر سحابة من الدخان في الخرطوم
منظر عام يظهر سحابة من الدخان في الخرطوم

أفادت منظمات إغاثة دولية بأنه يكاد يكون من المستحيل تقديم خدمات إنسانية في العاصمة السودانية الخرطوم، حيث أدى القتال بين الفصائل المتناحرة إلى محاصرة ملايين الأشخاص في منازلهم، بحسب صحيفة الغارديان.

وقال رئيس بعثة الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في السودان، فريد أيور، إن "في الوقت الحالي  من شبه المستحيل تقديم أي خدمات إنسانية في الخرطوم وما حولها"، مشيرا إلى أن مئات الآلاف من الأشخاص محاصرين ويطالبون بإجلائهم.

وأودى القتال الدائر بين وحدات الجيش وقوات الدعم السريع منذ السبت، بحياة 185 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 1800 شخص وأجبر عشرات المستشفيات على إغلاق أبوابها وعرقل اتفاقا استهدف تشكيل حكومة مدنية بعد عقود من الحكم الاستبدادي والعسكري، بحسب الغارديان.

وتعهد الجانبان، أمس الثلاثاء، بالالتزام بوقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة اعتبارا من مساء اليوم بعدما أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، اتصالات مع قائدي الجيش وقوات الدعم السريع، لكن إطلاق النار استمر بعد بدء سريان وقف إطلاق النار.

"جثث وإمدادات مقطوعة"

وقال سكان بالعاصمة الخرطوم إنهم سمعوا أصوات إطلاق نار وانفجارات في أجزاء مختلفة من العاصمة، لا سيما حول مقر الجيش والقصر الجمهوري، خلال فترة سريان الهدنة.

من جانبه، قال عطية عبد الله عطية، عضو نقابة أطباء السودان لوكالة أسوشتيد برس إن "القتال لا يزال مستمرا"، مضيفا "نسمع إطلاق نار مستمر".

ويلزم ملايين السودانيين في العاصمة ومدن أخرى منازلهم، وسط تبادل إطلاق النار حيث قصفت القوات المتناحرة المناطق السكنية بالمدفعية وبغارات جوية، واشتبكت في معارك مسلحة.

 وتحدث سكان للأسوشيتد برس، عن جثث قتلى ملقاة في الشوارع لا يمكن الوصول إليها بسبب الاشتباكات، مشيرين إلى حصيلة أعلى بكثير من 185 قتيلا، التي أبلغت عنها الأمم المتحدة حتى الآن، 

وأدى القتال المتواصل منذ يوم السبت إلى حرمان جزء كبير من سكان الخرطوم من الخدمات الأساسية، وقطع إمدادات الغذاء والدواء، كما حوصر آلاف الطلاب في المدارس والكليات، بحسب الصحيفة البريطانية.

وتردد دوي إطلاق النار في أنحاء العاصمة الثلاثاء مصحوبا بأصوات شبه متواصلة لتحليق طائرات حربية وانفجارات، كما أفاد سكان مدينتي أم درمان وبحري المجاورتين بضربات جوية هزت المباني، كما وصف شهود القتال العنيف في أجزاء أخرى من السودان.

"انتهاك صارخ"

ووقعت المستشفيات في مرمى النيران مع قتال الفصائل المتحاربة للسيطرة على العاصمة، وكشفت نقابة أطباء السودان، عن أن 34 مستشفى في الخرطوم إما اضطروا للتوقف عن العمل أو سيضطرون لذلك قريبا، بسبب انقطاع الكهرباء ونقص المياه أو لتضررهم جراء إطلاق النيران أو القصف بالمدفعية.

وأدانت منظمة الصحة العالمية بشدة ما أفيد عن وقوع هجمات ضد العاملين في المجال الصحي والمرافق الطبية وسيارات الإسعاف، معلنة "مقتل ثلاثة منهم على الأقل وإصابة اثنين آخرين" 

ووفق منظمة الصحة العالمية فقد أفادت التقارير بتوقف 16 مستشفى (منها تسعة مستشفيات في الخرطوم) عن العمل بسبب الهجمات، كما أن 16 مستشفى في الخرطوم وولايات أخرى، منها ولايات دارفور، على وشك التوقف عن العمل بسبب إنهاك الطواقم والعاملين ونقص الإمدادات.

وقالت الصحة العالمية إن الهجمات على مرافق الرعاية الصحية "انتهاك صارخ للقانون الدولي والحق في الصحة ويجب وقفها على الفور"ز

وتم تعليق جميع العمليات الإنسانية الدولية تقريبا وسط هجمات على المنشآت التي تديرها الأمم المتحدة وغيرها، حيث تعرضت المستودعات والمكاتب للنهب أو وقعت في مرمى النيران، ولم يتمكن عمال الإغاثة في الخرطوم من الوصول إلى المخازن لتوصيل الإمدادات الطبية الحيوية إلى المستشفيات.

ومع استمرار إغلاق المطار الدولي الرئيسي وجميع الأجواء السودانية، يبقى من الصعب، بحسب الغارديان، أن تصل الإمدادات والاغاثات عن طريق الجو، من الخارج.

واستقبلت المنظمة الطبية الإنسانية الدولية "أطباء بلا حدود"، 136 جريحا في المستشفى الذي أقامته بشمال دارفور، خلال48 ساعة. وتوفي أحد عشر شخصا في وقت لاحق متأثرين بجراحهم.

قال سايروس باي، منسق مشروع "منظمة أطباء بلا حدود" في منطقة الفاشر الفاشر، إن معظم الجرحى هم من المدنيين المحاصرين في مرمى النيران، بما في ذلك العديد من الأطفال الذين يعانون من إصابات خطيرة للغاية. 

وتابع: "تنفد المستلزمات الطبية الضرورية لمعالجة الناجين، كما أن إمدادات الوقود لمولد المستشفى تنفد"، مضيفا أنه "بدون هذه الإمدادات الحيوية، سيكون هناك المزيد من الخسائر في الأرواح".

وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن مقاتلين في الخرطوم، يمنعون سيارات الإسعاف التي تحاول انتشال الجثث من الشوارع أو نقل الجرحى إلى المستشفى.

وانقطعت الكهرباء عن أجزاء كبيرة من الخرطوم لليوم الرابع على التوالي، مما أدى إلى توقف إمدادات المياه والاتصالات.

كما أدى القتال إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الحادة، مع ارتفاع حاد في تكلفة المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والأرز وزيت الطهي.

وقال عامل إغاثة في القضارف، على بعد 400 كيلومتر، جنوب شرق الخرطوم "منذ الأمس ارتفعت أسعار السلع في السوق هنا وهناك مخاوف من حدوث نقص"، موضحا أن "البنوك مغلقة ومع انهيار النظام، هناك قلق من تزايد الجرائم".

آثار دمار في مدينة الفاشر (أرشيفية من فرانس برس)
دمار في مدينة الفاشر السودانية (أرشيفية من فرانس برس)

قرابة 21 شهرا منذ اشتعال الحرب، والمشهد السوداني يزداد تعقيدا في ظل غياب الحلول السياسية، وسط تقارير أممية تشير إلى حدوث انتهاكات واسعة ضد المدنيين.

ويتبادل طرفا النزاع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الاتهامات حول استهداف البنى التحتية الأساسية مثل محطات الكهرباء والمياه والجسور، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية.

في الوقت ذاته، يأمل السودانيون التوصل لحلول سياسية شاملة، إذ يترقبون مبادرات دولية تهدف إلى إيجاد مناخ حوار بدلاً من الحرب المستمرة، وسط دعوات لوقف العنف وبدء عملية تفاوض جادة تؤدي إلى تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

الدبلوماسي الأميركي السابق والباحث في الشأن الأفريقي ديفيد شين قال لـ"الحرة" إن إدارة الرئيس بايدن السابقة قامت بالكثير من أجل انهاء النزاع في السودان لكن هذه الجهود لم تكن كافية.

ورغم أن الإدارة الاميركية الحالية لم تعين بعد مبعوثا جديدا لها للسودان، لكن شين توقع أن تبدأ الجهود الأميركية من جديد لإنهاء هذا النزاع.

تحقيق هذا الهدف، يضيف الدبلوماسي الأميركي السابق، يتطلب جهدا دوليا وألا يقتصر على الولايات المتحدة، مشيرا إلى وجود جهات بعضها فاعلة وتخدم هدف إنهاء الحرب، وأخرى "لا تلعب دورا مفيدا".

وتوقع شين أن تشهد إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة دفعا أكبر للجهود، "سيما أن وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو مهتم جدا بالملف السوداني" موضحا أن إدراة ترامب الأولى اهتمت بالسودان ونجحت الجهود آنذاك في التطبيع بين السودان وإسرائيل في إطار "الاتفاقيات الابراهيمية".

سفير السودان في واشنطن لـ"الحرة": معاقبة البرهان خطأ ونتطلع لعهد ترامب
في مقابلة خاصة مع قناة "الحرة"، قال السفير السوداني لدى الولايات المتحدة، محمد عبد الله إدريس، إن العقوبات الأميركية على قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، "لا تستند إلى حقائق أو أدلة موثوقة".

رئيس حملة سودان المستقبل ومؤسس الحزب الليبرالي السوداني عادل عبد العاطي أشار إلى أن السودان يمر بأزمة هي "الأكبر في العالم" متوقعا أن تلعب إدارة الرئيس ترامب دورا أكبر، ووجه اللوم للإدارة الأميركية السابقة "في تعاطيها الذي لم يكن بحجم المأساة " وفق قوله.

وقال عبد العاطي "للحرة" إن الرئيس ترامب حريص على إنهاء الحروب في العالم، "ويمكن أن يكون له نجاح في الملف السوداني من خلال الضغط على طرفي النزاع".

لكن عبد العاطي أشار ايضا إلى أن دبلوماسية السلام يجب أن تشمل "العصا والجزرة" وأن لا تقتصر على فرض عقوبات على طرفي النزاع، بل أيضا وضع حلول سياسية والتفاوض بشأن المرحلة الانتقالية بعد إيقاف الحرب.

وشهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في السودان يوم الجمعة اشتباكات عنيفة دارت بين الجيش وقوات الدعم السريع عقب قصف الطيران الحربي التابع للجيش مواقع عدة تنتشر فيها قوات الدعم شمالي المدينة.

وفي الخرطوم اتهم متحدث باسم قوات الدعم السريع طيران الجيش بقصف مصفاة الجيلي للبترول شمالي الخرطوم، ما أسفر عن تدمير ما تبقى من منشآتها، فيما اتهم بيان للخارجية السودانية قوات الدعم السريع بحرق المصفاة.

وتقول تقارير أميركية إن القتال تسبب في مقتل نحو 150 ألف شخص منذ بداية الحرب في أبريل/نيسان 2023.