المناطق المحيطة بالقيادة العامة للقوات المسلحة في خطر بسبب الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع
المناطق المحيطة بالقيادة العامة للقوات المسلحة في خطر بسبب الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع

منذ إنشاء مستشفى الشعب لمرضى القلب والجهاز التنفسي عام 1959 لم يتوقف عن العمل يوما واحدا. لكن الاشتباكات الدامية في محيطه وتعرضه للقصف مرات عديدة أجبر المسؤولين عنه على إغلاقه، لأول مرة منذ ما يقرب من 65 عاما. 

والاثنين الماضي، اضطر مدير المستشفى، النمير جبريل، إلى تحويل جميع المرضى الخمسين إلى مستشفى "الخرطوم" المجاور. 

لكن ليل الثلاثاء، وبعد تعرض مستشفى الخرطوم للقصف هو الآخر، وإصابة مريض بطلقة نارية، تم إخلاء المرضى جميعا. 

ويقول جبريل لموقع "الحرة": نحن بتنا في بيوتنا من دون عمل بعد أن اضطررنا لإغلاق المستشفيين، وإخلاءهما من المرضى".  

واندلع العنف في السودان السبت الماضي في صراع على السلطة بين قوات الدعم السريع والجيش. 

وقالت منظمة الصحة العالمية نقلا عن وزارة الصحة السودانية، الأربعاء، إن القتال أسفر عن مقتل 270 شخصا على الأقل وإصابة 2600 آخرين.

ويقول جبريل، الذي أرسل للحرة صورا تظهر أضرارا طالت مستشفى الشعب بسبب القصف: "كان هناك 50 مريضا في مستشفى الشعب، و60 آخرين في مستشفى الخرطوم، لكننا أصبحنا بلا طعام ولا شراب، مع انقطاع الكهرباء والمياه، حتى أننا جلبنا مولدا فأصابته قذيفة من الطيران واشتعل، وتعرض المستشفى نفسه للقصف".

جانب من مستشفى الشعب وسط الخرطوم بعد تعرضه لأضرار بسبب الاشتباكات

وأضاف: "كتبنا "خروجا" لكل المرضى حتى لو كانت حالتهم حرجة، لأن المستشفى لا يستطيع أن يقدم لهم شيئا، إلا أربعة مرضى غائبين عن الوعي وعلى أجهزة تنفس صناعي حولناهم على مستشفى سوبا الجامعي". 

حال "الشعب" و"الخرطوم"، مثال واضح على ما آل إليه القطاع الصحي في الخرطوم، حيث توقف 39 مستشفى عن الخدمة من أصل 59 في العاصمة والولايات المتاخمة لمناطق الاشتباك، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية. 

جانب من مستشفى الشعب وسط الخرطوم بعد تعرضه لأضرار بسبب الاشتباكات

وأوضحت اللجنة أنه "من بين المستشفيات المتوقفة عن الخدمة، يوجد تسعة مستشفيات تعرضت للقصف، و16 مستشفى تعرضت للإخلاء القسري". 

وأضافت أنه "من أصل 59 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات المجاورة، يوجد 20 مستشفى يعمل بشكل كامل أو جزئي (بعضها يقدم خدمة إسعافات أولية فقط) وهي مهددة الإغلاق أيضا نتيجة لنقص الكوادر الطبية والامدادات الطبية والتيار المائي والكهربائي". 

تضرر البنى التحتية في الخرطوم بسبب الاشتباكات الدامية بين الجيش والدعم السريع

كما ذكر بيان للجنة المستقلة أن "5 عربات إسعاف تعرضت للاعتداء من قبل قوات عسكرية، وغيرها لم يسمح لها بالمرور لنقل المرضى وإيصال المعينات". 

وقال جبريل: "حتى المستشفيات العاملة الآن، بها نقص كبير بالكوادر ولا تقدم خدمة كاملة، هي تقدم خدمات إسعافية وللحالات الحرجة فقط، ومعظمها صغيرة وبعيدة عن وسط العاصمة لا يستطيع المريض أن يصل إليها في ظل الاشتباكات الجارية". 

جانب من مستشفى الشعب وسط الخرطوم بعد تعرضه لأضرار بسبب الاشتباكات

وأضاف: "المصابون ومرضى الحالات المزمنة سيكون عليهم أن يبقوا في بيوتهم للأسف ويعالجون بما هو متاح لديهم، وهذا ينذر بمزيد من الضحايا، وانتشار للأوبئة، مع وجود جثث في الشوارع وإصابات أو جثث في المنازل". 

وتابع: "الأزمة أن مرضى الحالات المزمنة، مثل السكري أو الضغط، في خطر شديد حاليا لعدم وجود أدوية ولا يوجد مستشفيات لإسعافهم".  

وأشار إلى أن عناصر مسلحة كانت فوق أسطح مبنى مستشفى الشعب، "وغالبا هم السبب في الإصابات لإنهم من يوجهون الطيران"، وفق تعبيره.

وبالسؤال عن الهدنة التي يعلن عنها يوميا، وفرص عودة الكوادر الطبية للعمل في ظلها، قال "كان من المفترض أن تكون هناك هدنة لكن صوت الرصاص والاشتباكات لم تتوقف، لدرجة أن الصليب الأحمر لم يقم بأي عمل خلال هذه الهدنة، وهذا يعني أنها غير فعالة وغير مضمونة النتائج". 

وأشار الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى أن تقديم خدمات إنسانية في أنحاء العاصمة يكاد يكون مستحيلا. وحذر من أن النظام الصحي في السودان معرض لخطر الانهيار.

وقال جبريل لموقع "الحرة": "الآن يتحدثون عن هدنة جديدة من الساعة السادسة مساء ولمدة 24 ساعة، لكن لو كانت مثل الأمس، فهذا لا يعني شيئا، كما أن الكهرباء والمياه مقطوعة، والمستشفيات نفسها تضررت وتحتاج إلى الإصلاح قبل عودتها لتقديم الخدمة من جديد". 

أما استشاري الجراحة، علاء عوض، فينتظر أن تبدأ الهدنة حتى يستطيع أن يذهب للمستشفى القريبة من منزله للمساعدة في علاج المصابين من الاشتباكات. 

لكن مستشفى "ابن سينا"، الذي يعمل فيه بالأساس، تم إغلاقه أيضا بعد إصابته بمقذوفين خلال الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع. 

وقال عوض لموقع "الحرة": "هناك مستشفى "النو" قريبة من بيتي، عادت إلى العمل بفضل مبادرة مجتمعية، ومعهم رقمي وسيتواصلون معي إذا وصلت لهم حالة تحتاج لجراحة عاجلة خلال الهدنة". 

وأضاف أنه، مع الأزمة الحاصلة في القطاع الصحي، برزت مبادرات مجتمعية أخرى، إذ وضع أطباء وصيادلة أرقامهم في كشوف إلكترونية يتم تناقلها حاليا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمريض يبحث عن الطبيب الأقرب له، ويتصل عليه ومن ثم يذهب له لمعالجته". 

وتابع: "بالإضافة إلى ذلك، بدأنا في تفعيل المراكز الصحية في الأحياء، والأطباء من أولاد الحي يمكن أن يساعدوا بما يستطيعوا، بدلا من كونهم بلا عمل لأن مستشفياتهم الكبيرة مغلقة، وهذا يخفف أيضا من الضغط على المستشفيات". 

أدى الصراع في السودان إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 12 مليون شخص
أدى الصراع في السودان إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 12 مليون شخص

أوقعت أعمال عنف ضد سودانيين 12 قتيلا خلال يومين في جنوب السودان، حيث عاد الهدوء النسبي خلال الساعات الـ24 الماضية، على ما أعلنت القوات الأمنية في البلاد التي تعاني انعداما مزمنا للأمن.

وقد تحولت تظاهرة في العاصمة جوبا احتجاجا على تقارير عن مقتل 29 مواطنا من جنوب السودان في ود مدني بولاية الجزيرة في السودان المجاور، مساء الخميس إلى عمليات نهب استهدفت محال تجارية مملوكة لمواطنين سودانيين.

وأطلقت الشرطة النار لتفريق التجمع، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة سبعة آخرين، وفرضت السلطات الجمعة حظر تجوال ليلي مع تمدد الاحتجاجات إلى مدن أخرى.

وقالت الشرطة في تقرير أصدرته السبت إن "تسعة أشخاص لقوا حتفهم في مدينة أويل" في شمال البلاد الجمعة، مشيرة إلى أن اثنين من جنوب السودان وسبعة سودانيين كانوا من بين الضحايا.

والجمعة أيضا، أصيب 13 شخصا من جنوب السودان بالرصاص في تبادل لإطلاق النار في أماكن مختلفة في جوبا، وفق الشرطة.

وقال الناطق باسم الشرطة جون كاسارا في بيان السبت إن الوضع الأمني "هادئ ومستقر نسبيا في كل أنحاء البلاد خلال الساعات الـ24 الماضية".

وعادت الأمور إلى طبيعتها في العاصمة بحلول المساء، باستثناء متاجر سودانية بقيت مغلقة، وسط انتشار كثيف لقوات الأمن.

ونقلت شرطة ولاية وسط الاستوائية 278 سودانيا، بينهم 35 طفلا، إلى أماكن آمنة. وفي العاصمة، لا يزال 551 سودانيا في ملاجئ آمنة.

ودعا الرئيس سلفا كير إلى "ضبط النفس".

الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز
المعارك تحتدم في السودان.. ماذا بعد حديث "القتال 21 عاما"؟
"سنقاتلهم 21 عاما".. هكذا توعد قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) الجيش السوداني، بعد اعترافه بخسارة مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة.

رأي محللون أن هذه الكلمات لا تعبر سوى عن حجم الهزائم التي تتلقاها قوات دقلو خلال الأسابيع الأخيرة أمام الجيش، وخصوصا في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وفي الخرطوم أيضًا.

ويعيش السودان منذ أبريل 2023 حربا يتواجه فيها الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان مع قوات الدعم السريع بقيادة حليفه السابق الفريق أول محمد حمدان دقلو.

وقد أدى الصراع إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 12 مليون شخص، كما ترك مئات الآلاف تحت رحمة الجوع.

وتستضيف جنوب السودان عددا كبيرا من السودانيين المقيمين أو اللاجئين. وقد نالت البلاد استقلالها عن السودان المجاور عام 2011، وتعاني مذاك من عدم استقرار مزمن.

وفي عام 2013، انزلقت البلاد إلى حرب أهلية دامية بين سلفا كير ورياك مشار، ما أسفر عن مقتل أكثر من 400 ألف شخص ونزوح الملايين.

ورغم توقيع اتفاق السلام في عام 2018، لا تزال البلاد تعاني من صراعات على السلطة، مع استشراء الفساد والصراعات العرقية المحلية.

وأعلنت جنوب السودان العام الماضي تأجيل أول انتخابات في تاريخها الحديث لمدة عامين، والتي كان من المفترض أن تنهي الفترة الانتقالية المنصوص عليها في الاتفاق.

وأعلن وفد حكومي على تلفزيون جنوب السودان أنه غادر السبت إلى العاصمة الكينية نيروبي، حيث من المقرر أن تُستأنف محادثات السلام الاثنين مع جماعات مسلحة لم توقّع على اتفاق العام 2018.

ولا تزال هذه المفاوضات تراوح مكانها منذ اتفاق لوقف إطلاق النار في 2020 لم يتم احترامه.