سودانيون يصطفون أمام محل لشراء الخبز بعد أيام من الاشباكات المسلحة
سودانيون يصطفون أمام محل لشراء الخبز بعد أيام من الاشباكات المسلحة

تصاعد الدخان في مطار الخرطوم ومحيط القيادة العامة والقصر الجمهوري بالعاصمة، الأربعاء، وهي المناطق التي تدور فيها أعنف الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان لليوم الخامس على التوالي.

وأعلنت اليابان، الأربعاء، عن إجلاء مواطنيها من السودان الذي يعيش على وقع صراع مسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ، السبت، وسط اتهامات متبادلة بخرق الهدنة المؤقتة.

وقال متحدث كبير باسم الحكومة اليابانية، الأربعاء، إن وزارة الدفاع اليابانية بدأت الاستعدادات لإجلاء مواطنيها من السودان.

ووفقا لكبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، هيروكازو ماتسونو، فقد طلب وزير الخارجية من وزير الدفاع استخدام طائرة تابعة لقوات الدفاع الذاتي في عملية الإجلاء.

وقال ماتسونو إن الحكومة ستواصل بذل قصارى جهدها لضمان سلامة وإجلاء المواطنين اليابانيين "بالتعاون الوثيق مع مجموعة السبع ودول رئيسية أخرى".

وأوضح ماتسونو للصحفيين أن نحو 60 يابانيا متواجدون في السودان حتى، الأربعاء، مضيفا أن الحكومة تواصلت معهم جميعا وأنهم بخير.

إلى ذلك، تواصلت المعارك، مساء الثلاثاء، رغم هدنة بوساطة دولية كان يفترض أن يلتزم بها الطرفان لمدة 24 ساعة اعتبارا من المساء، لكنهما لم يفعلا بدليل استمرار دوي الانفجارات وأزيز الرصاص ولا سيما في الخرطوم.

وتردد دوي إطلاق كثيف للنيران في خلفية بث مباشر لقنوات تلفزيونية عربية من الخرطوم بعد دقائق من السادسة مساء بالتوقيت المحلي (1600 بتوقيت غرينتش)، وهو التوقيت المتفق عليه لبدء سريان وقف إطلاق النار.

وكانت الطائرات الحربية تحلق في سماء الخرطوم وسمع مراسل وكالة رويترز دوي نيران دبابات بعد وقت قصير من بدء الهدنة، وقال أحد السكان لرويترز إنه سمع ضربة جوية في أم درمان، على الضفة الأخرى للنيل المواجهة للخرطوم. وأفاد العديد من الشهود أن قوة برية كبيرة تابعة للجيش دخلت المدينة من الشرق.

وأصدر الجيش وقوات الدعم السريع بيانين تبادلا فيهما الاتهامات بعدم احترام وقف إطلاق النار. وقالت القيادة العامة للقوات المسلحة إنها ستواصل عملياتها لتأمين العاصمة والمناطق الأخرى.

وأضاف الجيش في ملخص يومي للأحداث، أن "مليشيا التمرد لم تلتزم بها (بالهدنة) ولم تتوقف مناوشاتهم لمحيط القيادة والمطار".

في المقابل، قالت قوات الدعم السريع على تويتر: "رصدنا في أولى ساعات الهدنة المعلنة هجوم متفرق على قواتنا في بعض المناطق بالعاصمة الخرطوم في منطقتي القيادة العامة وشرق النيل".

ولم يتسنَ لموقع "الحرة" التأكد من ادعاء كل جانب من طرفي النزاع الدامي الذي أودى بحياة حوالي 200 شخص، وفقا لآخر الإحصائيات.

ويشتد القتال بين الجيش بقيادة الجنرال، عبدالفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للسودان منذ انقلاب العام 2021 من جهة، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه الجنرال، محمد حمدان دقلو.

وتشهد العاصمة خصوصا حالا من الفوضى رغم نداءات دولية ملحة لوقف المعارك.

ولم تؤتِ النداءات الدولية إلى وقف القتال ثمارها، تماما كما حصل مع كل الاتصالات الدبلوماسية التي أجريت بطرفي النزاع منذ اندلاعه.

ومساء الثلاثاء، أوردت وكالة الأنباء السعودية "واس" أن وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، مشيرة إلى أن الجانبين أكدا "أهمية وقف التصعيد العسكري وإنهاء العنف، وتهدئة التوترات، مع ضرورة حماية المدنيين السودانيين ومواطني الدول الأخرى".

كان وزير الخارجية الأميركي أكد أنه أجرى محادثات مع الجنرالين السودانيين و"شدد على الحاجة الملحة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".